
في منفاها الإجباري… المصرية بسمة مصطفى ضحية للقمع والمطاردة

مراقبة، وترهيب، وتهديد: تتعرّض الصحفية المصرية بسمة مصطفى منذ عدة سنوات، في ألمانيا وأماكن أخرى، لأعمال انتقامية صادرة عن بلدها الأصلي. وتوضّح قصتها تنامي ظاهرة القمع العابر للحدود. لقاء في جنيف.
عندما التقينا بسمة مصطفى في قاعة اجتماعات سرية، في مقر إحدى المنظمات غير الحكومية في جنيف، مساء يوم اثنين صيفي حار، لم يكن في وجهها المبتسم، ما ينم عن خوف دائم يسكنها. فهي صحفية استقصائية مصرية منفية في ألمانيا، وتعرضت منذ سنوات عديدة، للتهديد، والضغط، والمراقبة من جانب سلطات بلدها الأم.
وتُجسّد بسمة مصطفى اليوم، الكفاح ضد ما يُعرف بالقمع العابر للحدود الوطنية: وهي ظاهرة عالمية، تشمل أساليب ترهيب متنوعة، تهدف إلى إسكات الأصوات المنتقدة في الشتات. لكن لا شيء، كان يوحي بأنها ستضطلع بهذا الدور.
لمعرفة المزيد عن كيفية ظهور القمع العابر للحدود في سويسرا، اقرأ.ي مقالنا حول هذا الموضوع:

المزيد
من القاهرة إلى جنيف: قصص عن مطاردة المعارضين خارج أوطانهم
ناشطة نشأت في خضم الاضطرابات
نشأت بسمة مصطفى في قرية ريفية، تبعد مسافة خمس ساعات بالسيارة عن القاهرة، حيث عاشت طفولة هادئة، بعيدة عن الهموم السياسية، ونضالات حقوق الإنسان الموجِّهة لعملها اليوم.
وحصلت نقطة التحول في عام 2011. في أعقاب الربيع العربي، حين اندلعت الثورة المصرية، ووجدت بسمة مصطفى، الطالبة آنذاك، نفسها عالقة في خضم الاضطرابات. وتتذكر ذلك قائلةً: “اعتقل الجيش والدي تعسفيا، في مارس 2011. واختفى لمدة أسبوعين”.
وذهبت، في محاولةٍ للعثور عليه، إلى ميدان التحرير، مركز الاحتجاجات. وقابلت هناك صحفيين ونشطاء، رجالا ونساء. وقالت “ألهمني عملهم.ن، وبفضلهم.ن، فهمتُ كيف يجري انتهاك حقوق الإنسان في مصر. ورأيتُ أن للصحافة تأثيرا حقيقيا. وهذا ما دفعني إلى اتباع هذا المسار”.
حققت الصحفية في انتهاكات الدولة، المتمثلة في الاختفاء القسري، والتعذيب، والإعدامات خارج نطاق القضاء، لعدة سنوات. وكان عملًا محفوفًا بالمخاطر. وتقول: “من الصعب جدًا إجراء هذا النوع من التحقيقات في مصر، حيث جرى اعتقالي مرتين”.
وشهدت مصر في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، الجنرال السابق المستولي على السلطة بانقلاب عام 2013، تفاقما في الاستبداد، اتسم بتركيز السلطة وإسكات الأصوات الناقدة. ووفقًا لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، أصبحت البلاد “أحد أكبر سجون العالم، بالنسبة إلى الصحفيين”.
المنفى
في عام 2020، كانت بسمة مصطفى تُعد تحقيقا في حالة كانت بمثابة “القطرة التي أفاضت الكأس”، تتعلّق بجريمة قتل مزعومة لأب مصري، على يد ضابط شرطة في قرية قرب الأقصر. وقد أُلقي القبض عليها للمرة الثالثة، واختفت لمدة 24 ساعة، ووُجهت إليها تهم الانتماء إلى منظمة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة. وتقول: “كنت أواجه عقوبة سجن تصل إلى 25 عامًا؛ لذلك قررت الفرار”.
استغرقت رحلة الفرار تسعة أشهر تنقلت فيها بين كينيا، ولبنان. وعاشت مع زوجها، وابنتيهما في حالة من عدم اليقين. وسرعان ما اكتشفت العائلة أن مغادرة مصر لم تكن كافية للنجاة من قبضة النظام. وتقول: “ضايقنا عملاء مصريون طوال هذه الفترة”. ففي نيروبي، في الفندق الذي كانوا يقيمون.ن فيه، كان رجال يراقبونهم.ن، متمركزين أمام بابهم. وفي كل مرة كانت تمر فيها العائلة، كانوا يتكلمون في الهاتف، باللغة العربية، في محاولة لتخويفهم.ن.
وفي النهاية، حصلت الأسرة على حق اللجوء إلى ألمانيا. واعتقدت بسمة مصطفى، أنها وجدت الملاذ أخيرًا. وتقول: “كنتُ أعتقد حقًا أن كل شيء سينتهي، وأننا سنكون بأمان أخيرًا في ألمانيا”.
بداية الكابوس
لم تدم هذه الطمأنينة طويلًا، إذ علمت بسمة مصطفى، في يوليو 2022، أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، سيقوم بزيارة إلى برلين للقاء المستشار الألماني آنذاك، أولاف شولتز. وحاولت بسمة مصطفى، التسجيل للمؤتمر الصحفي، لكن رُفض طلبها. “ادّعَوْا تأخير التسجيل، وهو ادّعاء كاذب. شعرتُ بغضب شديد، وأدركتُ أنه حتى هنا، يمكن للسلطات المصرية إعاقة عملي”. واكتفت بالمشاركة في مظاهرة في يوم الزيارة، حين جرى استهدافها مجددا.
لقد أحاط بها عدة رجال ناطقين بالعربية، وشتموها، ولكمها أحدهم في وجهها. تقول: “تغير كل شيء، منذ ذلك اليوم، بالنسبة إلي في ألمانيا، وأصبحت حياتي كابوسًا، لا يزال مستمرًا، حتى اليوم”.
وازدادت محاولات الترهيب، وتلقت بسمة مصطفى وأقاربها، تهديدات جديدة، واخترقت حساباتها، على مواقع التواصل الاجتماعي. وخلال رحلتها الأولى إلى جنيف العام الماضي، لحق بها رجال إلى فندقها، وهددوها بالاعتقال، وسيطر عليها الخوف، والشعور بالعزلة.
وتتجنب بسمة مصطفى تجمعات الجالية المصرية في الخارج. وقالت: “أعزل نفسي لحماية أحبائي، وأيضًا لتجنب المواجهات العنيفة في الأماكن العامة. وأخشى أن ينعتني أحد الغرباء بالخائنة أمام بنتيَّ. لقد كثرت الأسئلة التي وجهتاها لي: لماذا دخلتِ السجن؟ ولماذا اضطررنا لمغادرة مصر؟ متى سنرى جدتي مجددًا؟”.
اعتراف متأخر
أثارت قضية بسمة مصطفى، انتباه خمسة مقررين ومقررات خاصين.ات، لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إذ استنكر هؤلاء في رسالة مؤرخة في ديسمبر 2024، “المضايقات المستمرة، والقمع العابر للحدود” الذي تتعرض له الصحفية، ودعوا.ن السلطات المصرية، إلى وضع حد لذلك.

المزيد
جنيف الدولية
واستمر نشاطها في برلين، حيث شاركت في تأسيس مؤسسة دعم القانون والديمقراطية، وهي منظمة غير حكومية تُعنى بتعزيز مبادئ الديمقراطية في مصر، والشرق الأوسط، وتدعم الأشخاص المنتهَكة حقوقهم.ن.
ونددت مفوضة حقوق الإنسان في الحكومة الألمانية، في أبريل، بقمع بسمة مصطفى، وهي الآن تنتظر نتائج القضاء الألماني، الذي يجري العديد من التحقيقات.
وتقول: “لم أفقد الأمل؛ قبل ثلاث سنوات، شعرتُ وكأنني أتحدث في فراغ، وأن لا أحد يفهم ما أمرّ به. واليوم، يدرك المزيد من الناس، مشكلة القمع العابر للحدود. ويمنحني ذلك الشجاعة”.

المزيد
سنوات الغَضَب
تحرير: إيموجين فولكس وسامويل جابيرغ
ترجمة: مصطفى قنفودي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.