مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حزب الاستقلال يرأس الحكومة المغربية بعد 50 عاما

صورة وزعها القصر الملكي المغربي للقاء الذي جمع يوم 19 سبتمبر 2007 الملك محمد السادس بعباس الفاسي، زعيم حزب الإستقلال بعد أن عينه وزيرا أول للحكومة المقبلة. Keystone

يمكن القول أن عباس الفاسي، زعيم حزب الاستقلال المغربي أنجز بنجاح أول تمرين له كوزير أول معيّـن من طرف الملك محمد السادس.

فقد كللت الجولة الأولى من مشاوراته مع قادة الأحزاب والنقابات طوال الأسبوع الماضي بالنجاح، بل إن الأحزاب المرشحة لمعارضته، باركت تعيينه والتزمت بالتعاون معه، حتى وهي تحتل مقاعد المعارضة.

عباس الفاسي، الذي عيّـنه الملك محمد السادس يوم الأربعاء 19 سبتمبر الجاري كوزير أول وكلفه بتشكيل الحكومة، التزاما بالمنهجية الديمقراطية التي وعد بتطبيقها قبل ثلاث سنوات، يُـدرك أن صعوبات تشكيل حكومته ستأتي من أقرب الناس إليه، حزبه أولا وحلفاءه بالكتلة الديمقراطية ثانية.

تكليف الفاسي بتشكيل الحكومة جاء بعد فوز حزبه بالمرتبة الأولى في انتخابات 7 سبتمبر، بغضّ النظر عن عدد المقاعد التي حصل عليها (52 مقعدا من 325 هي مقاعد مجلس النواب)، وهي المرة الأولى منذ 1958، التي سيترأس فيها حزب الاستقلال الوزارة الأولى في المملكة المغربية.

فالسنوات التي أمضاها على مقربة من القصر الملكي، لم تمنحه هذه المهمّـة، وهو الذي كان يعتقِـد، خاصة في النصف الأول من الثمانينات، أنها قاب قوسين أو أدنى منه، بعد أن بات الحزب الوحيد المؤثر والقريب من القصر، الذي لم يمنحه – مع ذلك – سوى العدد الأكبر من حقائب الحكومة.

وفي منتصف التسعينات، اقتربت الوزارة الأولى من حزب الاستقلال، وإن كان ذلك من موقع مختلف، أي موقع المعارضة، حيث عرفت أروقة القصر الملكي بالصخيرات (ضواحي العاصمة) والرباط في الشهور الأخيرة من عام 1994 مفاوضات ماراثونية بين الملك الحسن الثاني من جهة ومحمد بوستة، زعيم حزب الاستقلال ومحمد اليازغي، الرجل الثاني في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ليتولى بوستة رئاسة حكومة انتقالية تشكّـلها المعارضة.

فمنذ عام 1984، التحق حزب الاستقلال بشقيقه اللّـدود في صفوف المعارضة وشكّـلا تحالفا قويا، كونهما الحزبان الوحيدان اللذان يستطيعان التأثير في الشارع المغربي، وأضافا لتحالفاهما أحزاب اليسار، ليشكِّـلوا ما يعرف بـ “الكُـتلة الديمقراطية” وليُـساهموا في دفع البلاد نحو انتقال ديمقراطي وانفتاح وتوسيع للحريات العامة وتدبير للشأن العام، بشفافية أكبر وفساد أقل.

واعتقد حزب الاستقلال أن مهمة الوزارة الأولى ستكون بالتناوب مع حليفه الاتحاد الاشتراكي، الذي شكّـل الحكومات المغربية من عام 1998 إلى عام 2002، لكنه اختلف معه في أعقاب انتخابات تشريعية جرت في نفس السنة منحت الاتحاد الاشتراكي المرتبة الأولى ما أدى إلى ضياع الوزارة الأولى على الحزبين.

تكرار لمشهد 1997

وفي تشريعيات 2007، استبق الحزبان الحليفان أي خلاف مستقبلي والتزما بعقد “التدبير المشترك” لنتائج الانتخابات مهما كانت، والتدبير يعني التزامهما بالدفاع عن المنهجية الديمقراطية التي تعطي الحزب الأول في الترتيب مهمة الوزارة الأولى، رغم أن الفصل 24 من الدستور يُـعطي للملك اختصاص تعيين الوزير الأول بدون أية اشتراطات. والتزم الحزبان المشاركة معا بالحكومة، التي تفرزها الانتخابات أو المقاطعة معا.

بعد 7 سبتمبر، أفرزت صناديق الاقتراع خارطة نِـيابية غير متوقعة جزئيا. فحزب الاستقلال احتلّ المرتبة الأولى وجاء الاتحاد الاشتراكي في المرتبة الخامسة بعد حزب العدالة والتنمية الأصولي، وحزبي الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار (يمين وسط وشركاء في الأغلبية)، فاحتفل حزب الاستقلال بفوزه وانكفَـأ الاتحاد الاشتراكي بهدوء ليدبِّـر تداعِـيات نتائج الانتخابات، على الحزب وعلى علاقاته مع حلفائه والقصر.

وشهدت الساحة السياسية المغربية تكرارا لمشهد سبق أن عاشته عام 1997، حين احتلّ الاتحاد الاشتراكي المرتبة الأولى وحزب الاستقلال المرتبة السادسة، وشهدت نفس التداعيات المتمثلة في “احتفال” لا يكتمل إلا بالوزارة الأولى و”انكفاء” لا يذوي إلا بتعويض معنَـوي يُـساعد على تجاوز الكبوة.

كان ردّ الفعل متشابها في المشهدين، ففي عام 1997، تبلورت أصوات في حزب الاستقلال تدعو لمقاطعة النتائج في شكل قرار اعتمد في مؤتمر استثنائي عقده الحزب. أما في عام 2007، فقد ارتفعت أصوات داخل الاتحاد الاشتراكي تدعو إلى المقاطعة وتطالب باستقالة القيادة.

كان الاتحاد الاشتراكي في عام 1997 يُـدرك أن حكومته لا تكتمل إلا بحزب الاستقلال، ويُـدرك هذا الأخير سنة 2007 أن حكومته لن تكون قوية، إلا بمشاركة الاتحاد الاشتراكي.

هل من دور لحزب العدالة والتنمية؟

خصّ عباس الفاسي أولى مشاوراته لمحمد اليازغي، زعيم الاتحاد الاشتراكي وجدّد معه الالتزام بالعقد المتّـفق عليه، فيما التزم اليازغي بتدبير إيجابي لردّ الفعل داخل حزبه، الذي تبلور قراره من المجلس الوطني (أعلى هيئة تقريرية) عُـقد يوم الخميس 27 سبتمبر، يفوِّض المكتب السياسي التعاطي مع نتائج الانتخابات، كما فوّض المؤتمر العادي لحزب الاستقلال بداية عام 1998 لجنته التنفيذية بالتعاطي مع نتائج انتخابات عام 1997.

وخلال الأيام التي فصلت بين تكليف الفاسي بالوزارة الأولى وقرار المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي، كان حزب العدالة والتنمية (الذي منى نفسه، بما كانت تعطيه إياه استطلاعات الرأي أو تقديرات المراقبين، بالفوز بالمرتبة الأولى)، يحاول مسح آثار تصريحات صدرت عن قيادييه بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، تتّـهم كل الأحزاب السياسية بالفساد واستعمال المال في شراء الأصوات، وينتظر قرار الاتحاد الاشتراكي، وبالتالي، قرار عباس الفاسي، مُـبدِيا كل الاستعداد للمشاركة.

وحين لاحت إمكانية مشاركة الاتحاد في حكومته، واصل عباس الفاسي مشاوراته مع الأحزاب، التي ستحتَـل مقاعِـد المعارضة، ومن بينها حزب العدالة والتنمية، الذي التقى أمينه العام الدكتور سعد الدين العثماني، دون أن يُـسفر اللقاء، الذي كان بروتوكوليا، عن أية نتيجة.

ويقول لحسن الداودي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية “الفاسي لم يقدِّم للحزب أي شيء ملموس، لم يلمح أو يشير بالواضح إذا كان يرغب في إشراك العدالة والتنمية بالحكومة أم لا”.

الامتحان الأصعب

بعد ضمان عباس الفاسي كوزير أول معيّـن تجاوز العقبة المتوقعة ومشاركة الاتحاد الاشتراكي، تكون الخطوط العريضة لحكومته واضحة المعالم، أي عودة الأغلبية الحكومية إلى مقاعدها وبقاء المعارضة في مكانها. وبتجاوز هذه العوائق، يدخل الفاسي إلى مكتب الوزير الأول للحكومة المغربية، لكن جلوسه على الكرسي يحتاج إلى جهد أكبر لتفكيك عقبات قائمة داخل حِـزبه وتلبية مطالبات حلفائه ضمن الأغلبية.

وفي الأيام القادمة، سيكون الامتحان الأصعب لعباس الفاسي متمثلا في تفكيك العقبات وتلبية المطالب من خلال ما سيطرحه من رُؤية لهيكلية الحكومة وتوزيع حقائبها على الأحزاب واختيار حامِـلي الحقائب.

داخل حزب الاستقلال تسلّـم عباس الفاسي الكثير من طلبات “الاستوزار” صدرت عن قيادات في الحزب تعتقد أنها مؤهلة لإدارة قطاعات معيّـنة، وحمل حقيبتها ومن شباب في الحزب يعتقد أن له الحق في المشاركة بالتدبير من موقع الوزير.

في الوقت نفسه، يبحث عباس الفاسي مع حلفائه كيف يعوّض الاتحاد الاشتراكي معنويا بعدد ونوعية الحقائب التي سيحملها اتحاديون، دون أن يثير حساسية الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار وإرضاء حزب التقدّم والاشتراكية، الحليف بالكتلة، التزاما بالعقد الموقع، وكل ذلك مع توجيهات ملكية بتقليص عدد الحقائب وترك حقائب السيادة للقصر.

قبل الجمعة الثانية من شهر أكتوبر القادم، موعد الافتتاح الرسمي للبرلمان، سيعلن مع صرح حكومته الجديدة لأن ترتيبات البرلمان، خاصة رئاسة مجلس النواب تكون عادة ضِـمن صفقة تشكيل الحكومة، والمتوقع أن يتولاّها محمد العنصر، الأمين العام للحركة الشعبية، كتعويض عن مساواتها مع التجمع والاتحاد الاشتراكي في عدد الحقائب.

وبعد تشكيل الحكومة ونيلها الثقة، تبدأ المهمة الحقيقية لعباس الفاسي بمعالجة ملفات يعرفها جيدا من خلال سنواته السبع في الحكومة (التي تقلد فيها منصب وزير للتشغيل من 2000 إلى 2002 ووزير دولة بدون حقيبة من 2002 إلى 2007)، ويعرف أن جلها قنابل موقوتة، انفجر بعضها بعد ثلاثة أيام من تعيينه بالمواجهات الدامية، التي شهدتها مدينة صفرو احتجاجا على ارتفاع الأسعار الجنوني، الذي يهدّد قدرة المواطن المغربي على العيش.

محمود معروف – الرباط

أسفرت الانتخابات التشريعية التي شهدها المغرب يوم 7 سبتمبر 2007 عن النتائج التالية:

حزب الاستقلال: 52 مقعدا
حزب العدالة والتنمية: 46 مقعدا
الحركة الشعبية: 41 مقعدا
التجمع الوطني للأحرار: 39 مقعدا
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: 38 مقعدا
الاتحاد الدستوري: 27 مقعدا
حزب التقدم والاشتراكية: 17 مقعدا

وتوزعت بقية المقاعد على أحزاب وتشكيلات سياسية صغيرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية