مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حصاد هزيل لأول قمة أوروبية متوسطية

صورة تذكارية للمشاركين في قمة برشلونة غاب عنها أغلب قادة الدول العربية المرتبطة باتفاقيات شراكة مع الإتحاد الأوروبي Keystone

من المفارقات، أن ما حصده العرب من قمة برشلونة الأورو-متوسطية كان مصالحة عربية - عربية في مقابل تعطل الاتفاق على عناوين الشراكة الرئيسية بين بلدان ضفتي المتوسط.

وقد شكل الاتفاق الذي توصل إليه وزير الخارجية السوري فاروق الشرع ورئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، لحلحلة موضوعي ترسيم الحدود والتمثيل الدبلوماسي، أبرز حدث طغى على اختتام القمة.

على عكس ما كان يأمل الإسبان، تحولت القمة الأوروبية المتوسطية الأولى في برشلونة إلى استعراض كبير للخلافات العربية – الأوروبية التي لم تترك ساحة من ساحات الحوار إلا غزتها، بدءا من مكافحة الإرهاب إلى حقوق الإنسان وانتهاء بأسلحة الدمار الشامل.

وحاول الملك خوان كارلوس في الكلمة التي افتتح بها أعمال القمة صباح الاثنين مراعاة حساسية الوفود العربية، فغض الطرف عن مسائل حقوق الإنسان إلى درجة أن ممثلي المنظمات الأهلية العربية الحاضرة على هامش القمة اعتبروا أن الجانب الأوروبي “ضحى” بهم على مذبح المصالح الاقتصادية مع الحكومات.

لكن الأوروبيين الذين لم يستنكفوا من تقديم تنازلات للدول العربية في هذا المضمار، وجدوا أن الخلافات الأخرى تقع خارج السيطرة، لأنها ترتبط بـ “فيتو” إسرائيلي قاطع لم يترددوا في تبنيه.

تجاهل ملف الإرهاب

وشكل موضوعا مقاومة الاحتلال، وتخليص المنطقة من أسلحة الدمار الشامل العنوانين الرئيسيين للخلاف، إذ اعترضت إسرائيل على لسان رئيس وفدها وزير الخارجية سيلفان شالوم على اعتماد قرار يخص “التزام البلدان الشريكة في مسار برشلونة بالقضاء على أسلحة الدمار الشامل”، إلا أن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أوضح للصحفيين لدى وصوله إلى المركز الإعلامي قبل انطلاق أعمال القمة أن “هذا الموضوع يمكن التخلي عنه” في معرض تأكيده على “رغبة العرب في إنجاح القمة”.

واستأثر موضوع تعريف الإرهاب بجدل أطول، بعدما طلبت بعض الوفود العربية التفريق بين مقاومة الاحتلال، التي اعتبرتها مشروعة، والإرهاب الذي رأت أنه مدان.

لكن الأوروبيين تخلصوا بوسائل شتى من هذا الموضوع، إلى حد أن رئاسة الجلسة اجتهدت لسحب الكلمة من وزير الخارجية السوري فاروق الشرع في اجتماع لوزراء الخارجية مساء يوم الأحد، لأنها كانت موقنة من أنه سيعود لطرح الموضوع. وروى شاهد عيان أن الرئاسة نادت على الشرع، الذي كان سجل اسمه على لائحة طالبي الكلمة، ولما لم يكن موجودا في مكانه، أعطيت الكلمة لمن هو بعده ولم تعد إليه.

وأعدت رئاسة القمة مشروعا ظل العرب معترضين عليه، ونص على “عدم تبرير الإرهاب بأي حجة كانت”، و”الالتزام بالتعاون لاستئصاله ومكافحة مموليه”. لكن، بالنظر لعدم الاتفاق على الصيغة، ارتأى الأوروبيون إصدار البيان في شكل إعلان من رئاسة القمة عند نهاية أعمالها.

خلاف حول مسار السلام

وعلى رغم التباعد السوري – اللبناني الكبير في المرحلة الأخيرة بسبب تداعيات اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، ظهر توافق بين الوفدين في التعاطي مع القضايا المطروحة على جدول أعمال قمة برشلونة، إذ طفا على سطح الاجتماعات الوزارية خلاف لبناني – أوروبي شديد في شأن التمسك بحق المقاومة في تحرير الأراضي اللبنانية التي ما زالت محتلة، وحظي الموقف بدعم غالبية الدول العربية بعدما قام السفير اللبناني لدى الإتحاد الأوروبي فوزي فواز باتصالات في هذا السياق، وأتى الدعم الأقوى للموقف اللبناني من الوفد السوري.

واستمر الخلاف على بند مسار السلام في الشرق الأوسط، إذ اقترحت إسرائيل عدم الإشارة إلى العملية السلمية في الاستخلاصات التي أعدت لنهاية القمة، وربطت قبولها بتلك الإشارة بإنهاء “العنف والإرهاب” في تلميح لأعمال المقاومة، وتبنى الأوروبيون وجهة النظر الإسرائيلية، لكن الوفدين السوري واللبناني تمسّـكا بضرورة تثبيت مسألة إعادة تحريك مسار التسوية، وخاصة استئناف المفاوضات على كافة المسارات، السوري والفلسطيني واللبناني، مستدلين بالقرارات الصادرة عن الاجتماعات السابقة للشراكة.

وعلمت سويس أنفو من مصادر عربية، أن وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخل موراتينوس، الذي تستضيف بلاده القمة، استخدم علاقاته الواسعة مع العرب لمحاولة إقناعهم بقبول صيغتين بديلتين للإشارة إلى عملية السلام وموضوع تعريف الإرهاب، غير أن الجانب العربي رفضهما بعدما اعتبرهما “عامتين جدا”، على رغم محاولة أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى التوسط للوصول لصيغة توفيقية.

الدور الأوروبي مطلوب

في المقابل، طالب وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ، في كلمة ألقاها أمام نظرائه الأوروبيين والمتوسطيين في مأدبة أقامها على شرفهم موراتينوس، بتبني مبادرة السلام العربية “التي أقرها العرب بالإجماع في قمة بيروت سنة 2002، وأعادوا تثبيتها في قمة الجزائر في السنة الجارية”، مؤكدا أن “أوروبا تبقى الأدرى بهواجس المنطقة، والأقدر على القيام بدور فاعل يعمل من أجل السلام المعزز بالاستقرار، وليس التسوية المعرضة للاهتزاز”.

وأضاف صلوخ: “نقول من باب المصارحة والمكاشفة، إن شعوبنا التي تعول كثيرا على الدور الأوروبي تراه أحيانا ولا تراه أحيانا أخرى”.

وإلى جانب مسائل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل والتعاطي مع المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان في الضفة الجنوبية للمتوسط، أتى مصدر الخلاف الرابع من ضمور الالتزام الاقتصادي الأوروبي بدعم التنمية في البلدان المتوسطية، وبرزت الجزائر التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الجامعة العربية بطرح هذا الموضوع على مائدة القمة بقوة، من خلال تصريحات وزير الدولة عبد العزيز بلخادم في كواليسها، وكذلك من خلال المذكرة الرسمية التي وجهتها لرئاسة الإتحاد الأوروبي واستعرضت فيها النتائج الاقتصادية “الهزيلة وغير المتوازنة” لمسار الشراكة.

وكان التوتر باديا على الوفد الإسباني لدى الإشارة إلى المذكرة الجزائرية التي تطرقت لمسألة الهجرة، للتأكيد على عدم استعداد الجزائر للتنازل عن كرامة مواطنيها المقيمين في أوروبا، وضرورة منح التأشيرات للطلاب والخبراء والمرضى الذين يطلبونها.

غياب عربي .. وحل ملفات عالقة

وطبقا لما جاء في المذكرة، التي اطلعت عليها سويس أنفو، ارتفع حجم العجز التجاري بين بلدان الإتحاد الأوروبي والشركاء المتوسطيين إلى 26 مليار يورو.

وألقى هذا الحجم الكبير من الخلافات ظلالا كثيفة على القمة، مما أدى إلى غياب شبه جماعي للزعماء العرب، عدا الرئيس الفلسطيني محمود عباس. في المقابل، جاء الحضور الأوروبي أرفع من المستوى المتوقع بحرص توني بلير الذي يتولى الرئاسة الدورية للإتحاد على الحضور، إضافة للمستشارة الألمانية أنغيلا مركل، التي شكلت قمة برشلونة بوابة انضمامها لنادي الزعماء الغربيين، والرئيس الفرنسي جاك شيراك، ورئيس الوزراء الإيطالي برلوسكوني.

مع ذلك، استثمرت الوفود العربية أعمال القمة لحل بعض الملفات الثنائية العالقة، وخاصة بين الوفدين اللبناني والفلسطيني، إذ اجتمع الرئيس عباس مع رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، وطرح معه موضوع التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني لدى لبنان، إلا أن السنيورة أشار لوجود مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، وهو مُـقفل حاليا لكن يمكن إحياؤه، واقترح السنيورة على عباس إرسال رسالة إليه لشرح كيفية التمثيل الفلسطيني في لبنان.

كما ناقشا مسألة السلاح في المخيمات، وطلب السنيورة في هذا السياق، إنهاء وجود أسلحة خارج المخيمات “لأنه لا فائدة من وجودها”، كما قال في مقابل تعهده، بأن لا يرفع سلاح لبناني على الفلسطينيين “انطلاقا من موقف لبناني جامع في هذه النقطة”.

وكان اللقاء اللافت، هو اجتماع رئيس الوفد السوري فاروق الشرع مع السنيورة صباح يوم الإثنين 28 نوفمبر الجاري، والذي اتفقا خلاله على حلحلة موضوعي ترسيم الحدود والتمثيل الدبلوماسي، بعدما سببا احتقانا شديدا بين البلدين.

وطغت أجواء الانفراج على اللقاء الذي قبل خلاله السوريون الإعلان في جلسة القمة أمس، عن كون مزارع شبعا لبنانية، وهي خطوة مهمة في نزع فتيل الخلافات اللبنانية – السورية.

رشيد خشانة – برشلونة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية