مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

خارطة طريق عراقية يرسمها حزب الله في لبنان!

أعضاء من جيش المهدي بزعامة رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر أثناء مظاهرة أدانت الهجمات الإسرائيلية على لبنان بعد صلاة الجمعة يوم 21 يوليو 2006 في مدينة الصدر في بغداد Keystone

أعادت الحرب الإسرائيلية على لبنان التأكيد على ربط العراق بأزمات المنطقة الإقليمية. والأهم، أنها ستضع العراق أمام خارطة طريق جديدة في ترتيب الأولويات.

كما أعادت بشكل نهائي ربط العلاقة بين حزب الله وشيعة العراق، إلى ما قبل الخيط الرفيع أو “شعرة معاوية”، الذي كان بينهما، مع ما يعنيه اسم معاوية.. لدى الطرفين!

حزب الله وزعيمه السيد حسن نصر الله، كانا في رُقعة مختلفة عن تلك التي وضع معظم شيعة العراق أنفسهم فيها عندما تعاونوا مع مشروع إسقاط نظام صدام حسين عبر القوة العسكرية والحرب.

فقد رفض حزب الله الحرب العالمية “غير الثالثة” على العراق لإسقاط الرئيس السابق صدام حسين، لا حُـبّـا بصدام، الذي يسميه شيعة العراق ولبنان تأسيا بالإيرانيين، بـ”يزيد العصر”، بل بُـغضا بالولايات المتحدة، التي يسميها حزب الله بـ”الشيطان الأكبر”، على خطى الإمام الخميني الراحل، مع ملاحظة أن شيعة العراق كانوا يسمّـون أمريكا “الشيطان الأكبر” أيضا قبل أن تنخرط معظم فعالياتهم السياسية في التعاون مع واشنطن في عملية إسقاط النظام العراقي السابق، عن طريق الحرب.

العلاقة المذهبية القوية الشيعية – الشيعية، التي انهارت أو كادت، في التباين الكبير في المواقف من تطورات ما بعد إسقاط صدام، بدأت تحيك مرحلة جديدة من التعاون المُـثمر تجلّـت في البصرة بشكل خاص، واستمرار استهداف القوات البريطانية من قِـبل عناصر التيار الصدري الموالي لحزب الله، وفي المظاهرات اليومية التي يُخرجُها حزب الفضيلة ومحافظُ البصرة محمد مصبح الوائلي، وترفعٍُ صور نصر الله وتُـنادي بالتضامن معه، وتوجّـه رسائل قوية للبريطانيين لها دلالة واضحة عن شكل العلاقة المرشحة بين الحكومة المحلية والقوات البريطانية، في ضوء الواقع اللبناني الجديد.

قـناة المـنار .. بين العداء والمحبة

ووصل الأمر إلى تلك الجهات العراقية التي قادت المناوشات الكلامية ضد قناة “المنار” لسان حال حزب الله، التي أصبحت في عراق ما بعد صدّام، واحدة من أكثر القنوات العربية التي يكرهها العراقيون الشيعة، وطالبوا بإغلاق مكاتبها، خصوصا بعد أن قامت “المنار” ببث حلقات مُـتلفزة عن الإمام الراحل محمد باقر الصدر، الذي أُعْـدِم مع شقيقته بنت الهدى “آمنة الصدر” في أبريل عام 1980، واعتبرها شيعة العراق المنسجمون مع المشروع الأمريكي أو الساكتون عنه، أنها تنطوي على إهانة لمرجعيات عريقة، مثل أبو القاسم الخوئي، والسيد محسن الحكيم، رائد المقاومة الشيعية في العراق خلال ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني.

البرنامج الذي بثّـته قناة “المنار” في أبريل عام 2005، أغضب بعض شيعة العراق ممّـن تستّـر خلف عنوان عريض باسم “الحوزة العلمية بالنجف الأشرف” ليشُـنّ حربا على الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، حين صدر بيان بهذا الاسم تحدّث فيه باسم “العراقيين”، ليطلب من الحكومة العراقية الجديدة أن تغلق “كل مكاتب قناة المنار الفضائية في العراق وطردهم، وذلك لما عرضته قناة المنار الفضائية التابعة إلى حزب الله في لبنان في أحد برامجها الذي تطرّق بشكل مُـهين إلى حياة المرجع الراحل أبي القاسم الخوئي والمرجع الراحل السيد محسن الحكيم وبقية المراجع الأعلام، رِضوان الله عليهم أجمعين، محذّرين القناة من المساس بوِحدة الصف الشيعي”.

لكن قناة “المنار” هي اليوم الأكثر مِـصداقية لدى عموم العراقيين، وتحديدا الشيعة ومرجعياتهم السياسية والدينية، التي تناست دعوة السيد نصر الله “في الأشهر الأخيرة من عمر النظام العراقي السابق” إلى مصالحة وطنية شاملة في العراق، لتَـفادي وقوع العراق في الحلقة الأمريكية.

شيعة العراق .. وشيعة لبنان

سـِجـلُّ نصر الله وحزبه لدى مُـعظم شيعة العراق، لم يكن على ما هو عليه الآن، قبل أن يرسل أمين عام حزب الله إشارات عن تفهّـمه لموقف السيد محمد باقر الحكيم، الذي اغتيل في أغسطس 2003، وإعلانه في مراسم لتأبينه أقامه حزب الله، أن الحكيم كان أوضح له في رسالة خاصة أنه أيّـد “المحاصصة الطائفية” في العراق، ليضمن حقوق الأقليات، ومنها بالطبع السُـنّّة، أمام طُـغيان الأكثرية، إذا شعرت بالقوة.

قادة حزب الله وعموم زعماء شيعة لبنان الذين نشأوا في رحِـم حركة أمل الشيعية، وترعرع معظمهم في أحضان حزب الدعوة الإسلامية، اتخذوا مواقف لصالح شيعة العراق في أزمات كبيرة خلال مرجعية السيد محسن الحكيم الواسعة، وحتى قبل أن ينفّـذ النظام العراقي السابق أحكام الإعدام بحق “قبضة الهدى”، القياديين الخمسة في حزب الدعوة في 11 ديسمبر 1974، وهم الشيخ عارف البصري والسيد عز الدين القبانجي والسيد عماد الدين التبريزي ونوري طعمة وحسين جلوخان.

شيعة العراق قرأوا، كما بيّنت بياناتهم ومقالاتهم وردود أفعالهم، أن ما يجري في لبنان، هو استهداف لحزب الله والطائفة الشيعية لا أكثر ولا أقل. وزاد في هذه القناعة، فتوى الشيخ ابن جبرين، بأنه “لا يجوز نصرة هذا الحزب الرافضي، ولا يجوز الانضواء تحت إمرتهم، ولا يجوز الدّعاء لهم بالنصر والتمكين. ونصيحتنا لأهل السُـنّـة أن يتبرؤوا منهم، وأن يخذلوا من ينضمّـوا إليهم…”، ومواقف إقليمية رأى فيها شيعة العراق أنها جاءت من مُـنطلقات طائفية.

ويمكن القول بأن حزب الدعوة الإسلامية، الذي كان لبنان واحدا من أهم البلدان التي أعاد فيه بناء هيكله التنظيمي، والذي انهار بشكل شبه كامل في تلك الفترة في اعتقالات عام 1973 وكذلك الاعتقالات في بدايات 1974 بعد إعدام القيادي عبد الصاحب دخيل عام 1970، كان سباقا بعد التيار الصدري وحزب الفضيلة إلى تبنّـي موقف أكثرَ وضوحا من باقي الأطراف الشيعية في الدعوة إلى وقف الحرب على لبنان، كغطاء عام لتبرير دعمه لحزب الله.

“لبننة” العراق

قبل الهجوم الإسرائيلي على لبنان، كان الحديث يجري عن “لبننة” العراق وجرّه إلى حرب أهلية على طراز نموذج لبنان ما قبل الطائف. واليوم، فإن المقاومة الإسلامية في لبنان تركت لها أصداءً كبيرة وقوية داخل العراق، بما يُـبشر بظهور واقع جديد و”لببنة” للعراق، لكن بشكل مختلف يترك حزب الله بَـصماته الإيجابية عليه.

في العراق، تستهدف معظم فصائل “المقاومة” المدنيين العراقيين والشرطة والدبلوماسيين الأجانب، وبعضها يركّـز على الشيعة فقط، بينما وضعت المقاومة اللبنانية الشيعية هدفا واحدا في رأسها: إسرائيل.

وفي العراق أيضا، سيدفع انتصار المقاومة، التي يقودها حزب الله إلى تغيير في ميزان القوى، وإلى إعادة ترتيب أوراق المعادلة العراقية، لأن طريقة حزب الله أحرجت على السَـواء “المقاومين” السُـنة، و”الحكوميين” الشيعة.

توجيه البوصلة!

نعم.. سُـنّـة العراق وشيعته اليوم في مأزق كبير، إذا لم يستعيدوا زِمام المبادرة والبوصلة بعد هذا الوهج لنصر الله ولشيعة لبنان. ويرى العديد من قادتهم أن عليهم الاستدراك فعلا، والبدء بتغيير المواقف لتجاوز إرهاصات الفِـتنة المذهبية التي تطوّرت كثيرا بين السُـنّـة والشيعة، وتهدّد على الدوام بانتقالها إلى محيط العراق الإقليمي.. لتَـعُـمّ.

لقد انشغل العديد من منظمات “المقاومة” العراقية، خصوصا القاعدة وزعيمها السابق أبو مصعب الزرقاوي، في صراع عنيف مع الشيعة بدلا من مُـنازلة الاحتلال، بما وضع العراق على أعتاب حرب أهلية وحتى دينية! إلا أن أداء الشيعة اللبنانيين، أعاد طرح السؤال الكبير بعد كل حادثة اقتتال مذهبي تشهده الساحة العراقية: من المستفيد من الصّـراع الطائفي الذي تُكتَـب فصولُه الدموية باسم الدين؟ سوى الاحتلال والسلطة الأمريكية الحاكمة في العراق.

سُـنّـة العراق اليوم أمامهم نموذج في المقاومة والقتال لا يستهدف إلا الاحتلال ويُـعيد رسم صورة للشيعة، بعيدا عن قراءات سُـنية متطرِّفة للتاريخ من خلال تكفير الشيعة وتقسيم المسلمين إلى فسطاطين: شيعة علي وسنـّة معاوية، وتحميل التاريخٍ أكثر مما هو عليه.

فك الارتباط

شيعة العراق لم يتغيّـبوا عن الإطار الشعبي العربي والإسلامي حول حزب الله، مثيرين مخاوف من فكّ عـرى ارتباطهم الوثيق بشرق أوسط واشنطن الجديد، وهذا هو ما أزعج أوساط المحافظين الجُـدد في الكونغرس الأمريكي، من تعليقات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حول إسرائيل خلال خطابه في مجلس الشيوخ.

حزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وقيادات شيعية مرموقة، أصدرت بيانات ندّدت بالهجوم الإسرائيلي على لبنان، ولكنها كانت بيانات خجُـولة لم ترْقَ إلى مستوى التضامن مع حزب الله، الذي تصنّـفه واشنطن في خانة التنظيمات “الإرهابية”، في خِـضَـمِّ التّـعاطف الشعبي، العربي والإسلامي، مع حزب الله وزعيمه، وسط حديث أخذ يظهر على السطح عن مخطط للانقلاب على المالكي، وأجواء توتّـر طائفي تشيعها قوات الاحتلال، وزعامات ترتبط بها من الجانبين.

حذّر آية الله علي السيستاني من عواقب وخيمة إذا استمرت الحرب على لبنان، ومقتدى الصدر أخفى “هوية” عضويته في حزب الله وأوعز إلى مقاتلي جيش المهدي بتنفيذ عمليات تستهدف الجيش البريطاني في البصرة كرسالة لها مَـغزى، طبيعة المشهد الذي سيكون عليه العراق إذا طال أمد الحرب في لبنان قائلا: “لا نُـريد مشاريع أمريكية في الشرق الأوسط”، مشيرا إلى طرف تحالفه الوطيد مع حزب الله، دون أن يذكره بالاسم، إلى أن “الإرهاب الصهيوني لن يُـبعدنا عن المقاومة وعن العروبة وعن الإسلام والدِّين الحقيقي، وسنبقى يدا واحدة مع الشعب اللبناني من أجل إنهاء هذا الإرهاب”.

إذن، مواجهة حزب الله مع إسرائيل ومن خلفها أمريكا، قد تدفع إلى بروز خارطة جديدة للقِـوى العراقية الرّافضة للاحتلال، والشيعة ليسوا بعيدين عنها، حتى وهم يُـصرّون على لسان السيد عبد العزيز الحكيم، أبرز زعمائهم، على فدرالية الوسط والجنوب، وعلى إعدام صدّام حسين.

وقد نشر قبل أيام في ذكرى اغتيال الحكيم، أنه كان يخطِّـط لاستخدام وسائل أخرى غير سلمية، إذا لم تُـفلح المقاومة السلمية في طرد المحتلين.

لكن، يجب أن نعرف أن المحاصصة الطائفية في العراق، تختلف عنها في لبنان. فالشيعة في لبنان كلهم، حتى العلمانيون، يقفون خلف “حزب الله” وحركة “أمل”، وتحالفهم مع عموم المسيحيين يخدمهم ويُحسـّن صورتهم، بينما تعصف بشيعة العراق الصّـراعات الحزبية الذين ينضوون تحت عدد غير محدّد من عَـباءات المرجعيات الدينية الكربلائية والنجفية، وحتى القمية أو الطهرانية، بل واللبنانية، ولا توحِّـدهم قيادة كاريزمية، كما في مثال حسن نصر الله الذي لم تنحصر شعبيته في حدود شيعة لبنان واللبنانيين.

وإذا كان حزب الله حرّر جنوب لبنان وصدّ العدوان على البلاد وطرد العدو، ما عزّز من ورقته في معادلة الطوائف اللبنانية، فإن شيعة العراق تورطوا – طوعا أم كرها – في مشروع الاقتتال الطائفي، ولو بالانجرار إليه.

حزب البعث وحزب الله

قبل الهجوم الإسرائيلي على لبنان، دأب ما تبقّـى من حزب البعث العراقي، الذي يكِـن عداءً تقليديا لحزب الله بسبب علاقته الوطيدة مع إيران، والاتهامات له بالتدخل في الشأن العراقي، على شن حملة إعلامية على حزب الله وزعيمه نصر الله، إلا أن أطرافا عدّة من البعثيين العراقيين، غيّـرت مواقفها من حزب الله في ضوء ما يُظهره من صُـمود وغِـيرة في مقاومة العمليات الهجومية الإسرائيلية.

وفجأة، وجد هؤلاء أنفسهم وجها لوجه أمام حقيقة الصّـراع الذي كانوا يخفُـونه طِـوال سنوات الاحتلال الأمريكي للعراق، لأن الصِّـراع الرئيسي، ليس مع إيران، بل مع أمريكا، وأن العدو الرئيسي، ليس إيران، بل أمريكا.

وأخيرا، فإن ما يجري في لبنان، يُـعيد ترتيب المواقع للبعثيين ولتنظيم القاعدة، الذين يروِّجون لفِـكرة أن العراق ركيزة أساسية في الصّـراع مع إسرائيل، وأن مصير القضية الفلسطينية يتقرّر على أرض العراق، كما يردِّد البعثيون، وإقامة إمارة إسلامية في العراق يعجّـل في تحرير فلسطين، على حد ما قاله أيمن الظواهري، الذي أحرجه كثيرا موقف حزب الله الشيعي من إسرائيل ومن أمريكا.

نجاح محمد علي – دبي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية