مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

خصخصة مسؤوليات الدولة الأمنية .. أصبحت واقعاً!

Keystone

الحرب لم تعد حكراً تختص به الدولة، بل أصبح بإمكان الأخيرة أن توكل شركات خاصة كي تحارب... نيابة عنها.

ولأن المسألة أصبحت واقعاً، تتجلى أثارها في العراق والسودان وغيرها من مناطق الأزمات، كان من اللازم دراستها، ووضعها تحت المجهر.

“الدولة لم تعد عضواً مركزياً فاعلاً في القيام بالحرب، وإنما تقوم بإدارة وكالة، كما يقوم المجتمع الدولي بإدارة وكالة أيضاً”. بكلمات أخرى، فإن الحروب بالوكالة أصبحت واقعاً.

مضمون عبارة البروفيسور دانييل ثورر، مدير معهد القانون الدولي والقانون الدستوري الأجنبي بجامعة زيورخ، التي صرح بها في حديث مع سويس انفو ، كانت المحور في ندوة بعنوان “هل يتم خصصة مسؤوليات الدولة القانونية؟”، والتي عقدت في برن يوم 30 يونيو، ونظمها الفرع السويسري للجنة الدولية للقانونيين بالتعاون مع الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية، وبدعم من إدارة القانون الدولي بوزارة الخارجية السويسرية.

دول “فاشلة” أو “منهارة” أم دول “في طور النمو”؟

“خصصة العنف” ليست ظاهرة جديدة، فالتاريخ حافل بالأمثلة على رجال وجماعات باعوا “قدراتهم القتالية” لجهة ما في مقابل مادي. يكفي أن نشير إلى الحرس السويسري العامل لدى البابا في دولة الفاتيكان، والذي كان في السابق يتشكل من كتيبة من المرتزقة السويسريين، كلفتهم الكنيسة الكاثوليكية عام 1506 بحماية البابا.

الجديد في هذه الظاهرة هو عولمتها المتنامية، والدور المتزايد للقطاع الخاص في “الصناعة الأمنية”، وإلى المدى الذي لم يعد فيه انتهاك حقوق الإنسان وممارسة العنف المنظم حكراً على الدول فقط، بل أصبح شأناً اقتصاديا خاصاً… ومربحاً.

أحد الملامح المميزة لهذه الظاهرة هو أن الدول التي تلجأ إليها عادة ما توصف بالهشاشة – أي الدول التي لا زالت في طور النمو، أو الدول المركزية التي واجهت أوضاعاً أدت إلى انهيار مؤسساتها.

وبصورة أكثر تحديداً، يوضح الدكتور جونتر بيخلر، المستشار السويسري الخاص لبناء السلام في النيبال، في حديث مع سويس انفو قائلاً:”لدينا النموذجين. لدينا الكثير من الدول التي هي في طور البناء، فقد رأينا صراعاً بين القيادات الوطنية – في السنوات العشرين والأربعين الماضية في الكثير من الدول الحديثة والمستعمرة السابقة – صراعا ً من أجل بناء دول حديثة ومؤسسات جديدة و بناء الدولة في صورة شاملة جداً. إذن هي دول في طور البناء”.

السودان تعتبر مثلاًَ جلياً لدولة هشة في طور النمو. يشرح السيد هانز يورج أمبول رئيس دائرة إفريقيا في الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في حديث مع سويس انفو قائلاً:”هذه الهشاشة تبدو جلية في قلة الرقابة الممارسة على المليشيات، وأن هناك أعداداً كبيرة من السكان تعيش بلا حماية، ولا تحوز على أي خدمات أساسية، أو أي حقوق ديمقراطية في الوقت الراهن، إضافة إلى عدم وجود آلية للتعامل مع المجرمين والنزاعات، صحيح أن هناك أنظمة للتعامل معهما، ولكنها ليست كافية إلى حد كبير”.

أما الدول الهشة “المنهارة” في المقابل فهي دول كانت سابقاً قوية، وتعاني من تدهورٍ في مؤسساتها وقدراتها: “لاحظنا هذا في كل المنطقة التي كانت تابعة للإتحاد السوفيتي سابقاً، في الكثير من الدول في وسط آسيا، هناك تآكل للاحتكار السابق للقوة، وتدهور الأمن، وتعدد الفاعلين في الساحات العسكرية والأمنية والتي لم تعد تخضع لأي سلطة حكومية”، على حد تعبير الدكتور بيخلر.

“سوق العنف” رائجة!

ظاهرة “خصصة العنف” تحولت إلى سوق عالمية رائجة، يعمل فيها مئات الآلاف من “المرتزقة”، وتقدر حجم تعاملاتها المالية بنحو 200 مليون سنوياً.

أما أحدى معالمها الرئيسية فيطلق عليها أسم “الشراكة العامة الخاصة” – أي إسناد الدولة لمهامها إلى شركات القطاع الخاص، التي تنقسم عادة إما إلى شركات عسكرية خاصة أو شركات أمنية خاصة.

المسرح الرئيسي لعمل هذه الشركات اليوم هو العراق تحديداً، الذي تتواجد فيه ما بين 50 إلى 60 شركة خاصة، توظف لديها ما بين 20 إلى 50 ألف مرتزق أجنبي و 15 ألف عراقي، وتمارس مهامها بناءاً على عقود وقعتها معها الولايات المتحدة، أو أطراف أخرى كالسفارة السويسرية في بغداد، التي توظف لديها حراس أمنيين خاصين لحماية العاملين لديها.

جاذبية هذه “الشراكة” تتمثل في قلة الخسائر البشرية التي تتكبدها الدولة في أوضاع الحروب، وفي “حرفية” العاملين في هذه الصناعة وقدراتهم التدريبية والقتالية على حد سواء.

أو على حد تعبير الدكتور “بيخلر”سيكون تحت تصرفنا قوات أكثر حرفية، وهي أكثر فعالية ونجاعة من جيش ضعيف وغير مدرب في أطر محددة، وقد تساعد في جلب بعض النظام في وضع فوضوي في دولة هشة، شريطة تواجد قيادة واضحة من الشريك العام”.

سويسرا لن تقف مكتوفة الأيدي …

لكن الحروب عادة ليست ساحة مثالية للتعبير عن قدرات القيادة السياسية في الرقابة. على العكس من ذلك، المشكلة كما كان واضحاً من مثال سجن أبو غريب، هو في غياب هذه القدرات.

ولذلك فإن سلبيات هذه الشراكة تتبدي على حد قول الدكتور بيخلر في كونها “ليست شفافة، إنها مخصصه، وتعتمد على مصالح إقتصادية قصيرة المدى، تعتمد على عقود خاصة، ولا تخضع للرقابة العامة”.

والأهم كما يقول البروفيسور دانييل ثورر هو إن “الشركات الخاصة لا يمكن اتهامها أو تقديمها إلى المحكمة الدولية الجنائية. هي ليست خاضعة لميثاق روما. وأظن أن هذه حالة تجب معها مراجعة الميثاق”.

وهنا، قد تلعب سويسراً دوراً في إيجاد إطار لعمل الشركات الخاصة لاسيما في العراق. فقد صرحت السيدة كريستين شرانر بيرجينر، نائبة مدير إدارة القانون الدولي بوزارة الخارجية السويسرية، في حديث مع سويس انفو قائلة:” نحن نفكر فيما يمكننا أن نفعله، لأن القانون متواجد، ولسنا في حاجة إلى إنتاج قواعد قانونية جديدة، ولكن علينا أن نقنع كل الدول من جديد أن تطبق القانون، وخاصة معاهدات جنيف”.

وبصورة أكثر تحديداً، تكمل السيدة بيرجينر:”أعتقد أننا كسويسريين علينا هذا الواجب كدولة راعية لمعاهدات جنيف، و لذلك نفكر في كيفية قيامنا بسؤال الدول الأخرى القبول بتطبيق هذه القوانين، ربما في شكل خطوط عريضة حول كيفية التعامل مع هذه الشركات”.

إلهام مانع – برن – سويس انفو

خصصة العنف” وفقا لدراسة بحثية:
دور الدولة يتبدل، وتفقد سيطرتها على وسائل العنف.
تُستخدم الشركات الخاصة في دعم القدرات العسكرية للحكومة.
المخاطر الأمنية تتحول إلى بضاعة لا توزع بصورة عادلة، إذ لا يحوز علي الأمن إلا القادر على تكبد مصاريفه.
العلاقات العسكرية المدنية تتحول في إطار الخصصة، بحيث يسهل على القادة السياسيين الزج ببلدانهم في الحروب.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية