مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

خطوة جديدة!

يترقب الجانبان ما يمكن أن يسفر عنه التعاون المستقبلي بينهما، خاصة بعد اظهار كل منهما النوايا الحسنة swissinfo.ch

دفعت أحداث أيلول "سبتمبر" الماضي التي كرست وضعاً جديداً في العالم العلاقات السودانية الأمريكية خطوة جديدة لم تتضح معالمها بعد بشكل كامل لكنها خرجت بها من حالة عنق الزجاجة التي كانت تعيشها، ولولا التفاهم بين الخرطوم وواشنطن في شـأن الإرهاب والقضايا الأمنية التي كانت معلقة بين البلدين لكان وضع السودان مختلفاً في هذه المرحلة.

وظلت العلاقات بين السودان والولايات المتحدة في حالة توتر منذ استيلاء الرئيس عمر البشير على السلطة في حزيران “يونيو عام1989م” وشهدت درجة بالغة من السوء عندما استضافت الدولة التي تعد من أكبر دول القارة السمراء من يسمون بالأفغان العرب، والإسلاميين الأصوليين المعارضة لحكوماتهم ومن بينهم المنشق السعودي أسامة بن لادن، وسعت واشنطن إلى إقناع الخرطوم بعدم إيواء هؤلاء لكن الحكومة التي كانت ترفع شعارات إسلامية متشددة رفضت الاستجابة للضغوط الدبلوماسية مما أضطر الولايات المتحدة إلى استخدام سياسة “العصا الغليظة”.

ودعمت واشنطن متمردي “الجيش الشعبي لتحرير السودان” الذين يقودون حرب عصابات في جنوب السودان منذ 18 عاماً، وحرضت دول الجوار عليه حتى ساءت علاقاته مع دول الإقليم التي ساندت بدورها المتمردين الجنوبيين الذين أوتهم أوغندا وكينيا فشنوا عمليات واسعة من الجنوب والشرق واستطاعوا السيطرة على مناطق في الشريط الحدودي المحاذي لأوغندا وإريتريا وإثيوبيا.

واستخدمت واشنطن محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا في حزيران “يونيو” عام 1995م التي اتهم السودان بإيواء مشتبهين بهم في الحادثة حيث فرضت عقوبات دولية عليه ثم اتبعتها بعقوبات اقتصادية وتجارية من جانب واحد، وكثفت من ضغوطها الدبلوماسية والأمنية عبر محادثات سرية جرت في الخرطوم وواشنطن لم يكشف عنها إلا مؤخراً أدت إلى إبعاد بن لادن من السودان في عام 1996م والتخلص من إسلاميين متطرفين، ومراجعة سياسة “الباب المفتوح” التي كان يتبعها مع العرب.

تأويلات وتفسيرات لا تنتهي

أحداث 11 أيلول “سبتمبر” كشفت أيضاً أن فريقاً أمنياً أمريكياً يضم خبراء من وكالة الاستخبارات “سي. آي. إيه”، ومكتب التحقيقات الفيدرالي “أف. بي. آي” ووحدة مكافحة الإرهاب في الخارجية أمضي في الخرطوم نحو 15 شهراً للتحقق من اتهامات إيواء السودان للإرهاب، ويبدو أن الجانبين اتفاق على الإبقاء على نتائج مهمة الفريق طي الكتمان حيث لم يصرح أي منهما في هذا الشأن لكن واشنطن أعلنت غير ما مرة بعد الأحداث الأخيرة أن الخرطوم تعاونت معها بشكل جيد وقدمت لها معلومات مهمة لم تفصح عنها الأمر الذي يشير إلى أن السودان قدم ما يملك لافتداء نفسه من الغضب الأمريكي، الذي فجره الهجوم على مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون، لكن الحكومة السودانية التزمت الصمت وظلت تنفي أنها سلمت مشتبهين إلى الولايات المتحدة أو أبعدت إسلاميين كانت لها صلات سابقة بتنظيم القاعدة.

ويبدو أن بروز نتائج الحوار الأمني بين البلدين عقب التفجيرات الأرهابية وموافقة الولايات المتحدة على رفع العقوبات الدولية عن السودان أخيراً رغم ترافق ذلك مع الأحداث الأخيرة فتح الباب أمام سيل من التأويلات والتفسيرات لم يتوقف بعد، ولم تزده إفادات الطرفين الموقف إلا غموضاً لكن المعلومات الشحيحة المتوفرة تؤكد أن التعاون الأمني بين البلدين قطع مراحل متقدمة عبرت بعلاقاتها إلى مرحلة جديدة تقوم على التفاهم والحوار بدلاً عن المواجهة.

فسيزور الخرطوم الشهر المقبل مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للسلام في السودان السيناتور جون دانفورت الذي حدد له الرئيس جورج بوش ستة أشهر لاستطلاع آراء القوى السياسية السودانية في الحكم والمعارضة وبلورة أفكار ومقترحات لإنهاء الحرب الأهلية وإقرار اتفاقية سلام بين أطراف النزاع، ومما يعزز من فرص نجاح مهمة دانفورت سحب البيت الأبيض مشروع قانون “سلام السودان” من أمام مجلس الشيوخ الأمريكي الذي يدعو إلى دعم المعارضة المسلحة لنظام الخرطوم ويعاقب شركات النفط التي تستثمر في السودان، ويعتقد المراقبون إن إدارة بوش ترغب في دخول شركات النفط الأمريكي إلى البلاد التي حققت منها الشركات الكندية والماليزية أرباحاً مقدرة خلال العامين الماضيين.

ورغم أن السودان لا يزال ضمن اللائحة الأمريكية للإرهاب، وتفرض عليه عقوبات تجارية واقتصادية ثنائية إلا أنه يرجح أن تمضي العلاقات بين الدولتين نحو التطبيع بتجاوز قضايا عالقة تستخدم من جانب واشنطن لإرغام الخرطوم على تقديم مزيد من التنازلات وإسكات مجموعات الضغط اليمنية المتطرفة داخل الولايات المتحدة التي تسعي لإيقاف أي تغيير إيجابي في العلاقة الأمريكية تجاه السودان بإثارة اتهامات انتهاك حقوق الإنسان والحريات الدينية والرق وهي القضايا التي لا تمثل الأجندة الأمريكية في هذه المرحلة التي يعلو فيها شعار “مكافحة الإرهاب” على ما سواه.

النور أحمد النور – الخرطوم

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية