مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رحيل أحد رموز حقوق الإنسان في المغرب

الراحل إدريس بن زكري، رئيس هيئة الإنصاف والمصالحة ورئيس المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان في المغرب (وسط) في جلسة برلمانية يوم 8 مايو 2006 AFP

حملت وفاة الناشط الحقوقي المغربي البارز إدريس بن زكري، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في طياتها دعوة لقراءة مُـتأنية لمرحلة كاملة عاشها المغرب الأقصى.

وفيما تختلف التقييمات بشأنها سلبا أو إيجابا، يعترف الجميع ببصمات واضحة تركها بن زكري على هذه المرحلة التي وضعت المغرب في قائمة الدول الساعية لحذف اسمها من قائمة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان وطي صفحة ماضٍ أسود وأليم.

قد تكون القراءة والفقيد لم يُـوارى الثرى إلا قبل فترة وجيزة، فاقدة لبعض من موضوعيتها، نظرا لأنها قراءة ممزوجة بعاطفة الفراق وحزن الموت، لكن المؤكّـد أن مغرب بدايات القرن الحادي والعشرين، عرف انتقالا حقيقيا إيجابيا في ميدان حقوق الإنسان، دون أن يغلق الصفحة كاملة.

وإذا كانت حقوق الإنسان قد باتت منذ تسعينات القرن الماضي جزءا من العلاقات الخارجية للدول وربطتها الولايات المتحدة وأوروبا بالمساعدات المقدمة لدول العالم الثالث، فإن الاستقرار الذي شهده المغرب في تلك الفترة والتطور الإيجابي في العلاقات بين القَـصر والقوى السياسية الفاعلة بالبلاد، ساعد كثيرا السلطات على السير خطوات واسعة لتصفية ملفات الماضي وحذف ما علق به من أدران، فاعترفت بوجود معتقل تازمامارت الرهيب، وأطلقت سراح معتقليه وأغلقته وأطلق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، وسمح للمئات من المنفيين بالعودة إلى البلاد دون متابعة قضائية.

لكن الانتقال الحقيقي الملموس، ارتبط باسم الراحل إدريس بن زكري، لأن المعنيين داخل المغرب وخارجه، كانوا يؤكِّـدون على أن نجاح الانتقال وطي صفحة الماضي، رهين بقراءة هذه الصفحة وتعويض معنوي ومادي لضحاياها، وضمانات بعدم تكرارها، وإن اختلف على هذه الضمانات، حيث اشترط معنيون بتسمية الجلادين والمسؤولين عن الانتهاكات ومتابعتهم.

لقد ارتبط هذا الإنتقال باسم بن زكري إلى حد كبير، لأن العاهل المغربي الملك محمد السادس شكل عام 2003 هيئة الإنصاف والمصالحة وكلّـفها بقراءة الماضي الممتد من 1956 إلى 1999 وضحاياه، أفرادا وعائلات، وأيضا مناطق من البلاد وسمح لها بقراءة الانعكاسات السلبية لهذه الصفحة على الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية للبلاد، وأن تكون تلك القراءة علنية وتُـبث على شاشات التلفزيون الرسمي وأمواج الإذاعة.

وكان إدريس بن زكري هو الذي ترأس هذه الهيئة، التي أعدت تقريرا شاملا أعلِـن عنه في موفى عام 2005، (مع أن سطورا كثيرة في الصفحة لم تقرأ بعدُ)، ثم اختير كأبرز شخصية مغربية، ارتباطا بالهيئة لسنة 2004.

قراءة سطور لم تُـقرأ

النشطون في ميدان حقوق الإنسان، وإن كانوا يُـقدِّرون لهيئة بن زكري ما قامت به، إلا أنهم حاولوا قراءة السطور التي لم تُـقرأ، خاصة فيما يتعلق بالمختطفين والمختفين ومجهولي المصير، وأبرزهم الزعيم المهدي بن بركة، وأيضا قرؤوا ما توقفت عنده الهيئة، أي السنوات التي تلت عام 1999 وما عرفته هي الأخرى من انتهاكات.

المركز المغربي لحقوق الإنسان، وهو أحد الهيئات النشطة في ميدان حقوق الإنسان، أصدر منتصف شهر مايو الجاري تقريره السنوي حول حقوق الإنسان في المغرب، تحدث فيه عن استمرار الانتهاكات على مستوى الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وقال إن المغرب لا زال يشهد ظاهرة التعذيب في مخافِـر الشرطة والدّرك، وفي المعتقلات السرية وفي السجون، وسجل قوة التدخّـلات الأمنية في حق الحركات الاحتجاجية السِّـلمية، التي تشهدها أكثر من مدينة وقرية مغربية، وأشار إلى أن المغرب لم يصادق بعدُ على اتفاقية روما بشأن الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، ولم يصادق أيضا على إلغاء عقوبة الإعدام، وأن عدّة أحكام بالإعدام صدرت في الفترة الأخيرة.

وتحدث التقرير أيضا عن عدم وجود أي تقدم في عدد من قضايا الاختفاء القسري، التي حدثت خلال فترات الاحتقان السياسي بالمغرب، خاصة خلال عقدي الستينات والسبعينات، وعن ممارسات قمعية سابقة ذهب ضحيتها العديد من المواطنين لا زالت مفتوحة ولم يُـحسم فيها بعد.

إيجابيات رغم كل شيء

تقرير المركز المغربي لحقوق الإنسان لم يكن كله متشحا بالسّواد، إذ سجّـل إشارات إيجابية، من بينها مصادقة المغرب على مجموعة اتفاقيات دولية تتعلّـق بحقوق الإنسان وقانون تنظيم الأسرة، الذي منح أبناء الأمهات المغربية الجنسية وتطوّر الحريات الصحفية.

وتقرير المركز لا يختلف في إطاره العام عن تقارير مشابهة أصدرتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وهما الهيأتان الحقوقيتان اللتان اختارت كل منهما امرأة للقيادة (خديجة رياضي للأولى، وأمينة بوعياش للثانية)، ليس فقط اختيارا دِعائيا في إطار التمييز الايجابي نحو المرأة، لكنه كان اختيارا ديمقراطيا بانتخابات ساخنة وتنافس حقيقي مع مرشحين من الرجال.

الخلاصات التي توصلت إليها المنطمتان تقاطعت مع تقرير المركز فيما يتعلق باستمرار الاختطاف السياسي والاعتقال التعسفي والتعذيب بالسجون، وإن اختلفت هوية الضحايا من حيث الانتماء السياسي، وبدل أن يكونوا يساريين، كما كانوا في العقود الماضية، أصبحوا الآن ينتمون للتيارات الأصولية، وهو ما يُـسهل متابعتهم بتُـهم الإرهاب، دون أن تولي الولايات المتحدة وأوروبا اهتماما بما يتعرّضون له من انتهاكات، ما داموا أعداء مشتركين ومكافحتهم تنسجِـم مع الرؤى الغربية لمكافحة الإرهاب وأمنهم.

توفي إدريس بن زكري، وحول خلقه وشجاعته ونُـبله، اجتمع المغاربة، وإن اختلفوا حول هيئته ومجلسه وانجازاته.. اختلفوا على النسبة وربطوها بالطموح، وإن كان هو واقعيا ولم يذهب بطموحاته إلى الأقصى المُـؤدّي إلى اليأس أو الإحباط، فهو كان يُـدرك أن حال بلاده الآن، استمرار لحال سابق مرّت به وكان هو أحد ضحاياه، معتقلا لأكثر من 17 عاما، بعد مروره بتعذيب وحشي لا يفرز إلا حقدا على جلاّديه، لكنه كان مترفعا ومؤمنا ببلاده وبمستقبلها، وانصب تفكيره على كيفية تجنيب أبنائها لما تعرض له من معاناة.

محمود معروف – الرباط

ولد إدريس بن زكري عام 1950 بقرية أيت احمد (80 كلم شرق الرباط)، وانتمى إلى تنظيم “إلى الإمام” الماركسي الراديكالي وهو في مقتبل العمر، وأعجِـب رفاقه بصلابته وصمته وقدرته على التنظيم، واختبروه في ثانوية «الليمون» بمدينة الرباط، فعينوه منِّـسقا جهويا لمنظمة «إلى الأمام» منطقة الغرب، وعمل بين عامي 1972 و1973 على تنشيط الخلايا السرية بهذه المنطقة، بعدما رمت آلة الاعتقال بمُـعظم الرفاق خلف القضبان. وقد أنجز بن زكري المهمة بفعالية كبيرة، لكنه بدأ يواجه مشاكل صحية، مما دفعه إلى اللجوء إلى مدينة الدار البيضاء، التي عاش فيها تجربة العمل السري عامين قبل أن يسقط في أيدي أجهزة الأمن عام 1975، التي اقتادته إلى المعتقل السري درب مولاي الشريف، ليذوق من جميع أطباق التعذيب قبل أن يصدر الحكم عليه بالسجن لمدة 35 عاما، قضى منها 17 عاما، كانت بالنسبة لمنظمته سنوات نقاش لا ينتهي، وتحليل ماركسي للأوضاع لا يعرف الفتور وحُـلم لا يهزم بالثورة الشعبية، التي ستملأ الأرض عدلا، لكنهم (الرفاق)، اكتشفوا مع تحولات مغربية وعالمية أن الحلم انتهى بجعجعة الزمن الذي ولَّى وتحوّل مع مرور الوقت، إلى جروح غائرة في نفوس الجميع، فبدأت الخيبة تأكلهم بعدما حصحصت الحقيقة بطعم السقام، واختار بن زكري شكلا جديدا للنضال، وهو مواصلة التعليم من داخل المعتقل، فنال دبلوم الدراسات المعمّـقة في اللسانيات والآداب من كلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط عام 1983، ببحث حول اللغة الأمازيغية ودبلوما للدراسات المعمقة في اللسانيات من جامعة إيكس ـ مرسيليا في فرنسا 1987.

بعد خروجه من السجن، اختار بن زكري النضال الحقوقي، حيث شغل منصب نائب رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في بداية التسعينات، مواصلا حصيله العلمي، حتى حصل عام 1997 على شهادة الماجستير في القانون الدولي، (تخصص حقوق الإنسان)، من جامعة سيكس البريطانية. في عام 1999 وبعد وفاة الملك الحسن الثاني ورياح الانفتاح في ميدان الحريات وحقوق الإنسان، أسس إدريس بن زكري مع رِفاقه المعتقلين المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، وكان أول رئيس له محدِّدا مهمته في الدفاع عن حقوق المعتقلين السياسيين السابقين، واختاره الملك محمد السادس عضوا في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ورئيسا لهيئة الإنصاف والمصالحة، ثم رئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان حتى وفاته يوم 20 مايو 2007.

أول رئيسة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان
مواليد 1958 في مدينة تطوان (شمال املغرب)
مستشارة التواصل المؤسساتي بوزارة التشغيل
مستشارة مكلفة بالاتصال بديوان رئيس الحكومة عبد الرحمن اليوسفي
عضوة مؤسسة لجمعية جسور ملتقى النساء المغربيات
عضوة مؤسسة للمنظمة المغربية لمناهضة الكراهية والعنصرية
عضوة مجلس الأمناء للمنظمة العربية لحقوق الإنسان
عضوة التنسيقية الدولية للمجموعات من أجل الديمقراطية
عضوة المجموعة المدنية للمطالبة باصلاحات الامم المتحدة
شاركت في عدة مؤتمرات عربية ودولية في مجالات حقوق الإنسان
اختارها المؤتمر الوطني السادس للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان يوم 2 أبريل 2006 رئيسة للمنظمة، لتكون أول امرأة ترأس منظمة حقوقية بالمغرب.

رئيسة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ولدت بتارودانت (جنوب المغرب) عام 1960، متزوجة وأم لولدين، تعمل حاليا مهندسة ورئيسة بالمديرية العامة للضرائب، خرّيجة المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي INSEA في 1983، وحاصلة على دبلوم الدراسات العليا المختصة من المدرسة العليا للتجارة والتسيير فوج 2002.
مناضلة في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
مناضلة نقابية بالإتحاد المغربي للشغل منذ 1984 مباشرة بعد نهاية دراستها الجامعية والتحاقها بالعمل، وساهمت في تأسيس النهج الديمقراطي، حيث تحملت المسؤولية بكتابتها الوطنية منذ 1997.
منسقة المسيرة العالمية للنساء بالمغرب منذ نوفمبر 2006، والتي تضم العديد من التنظيمات الجمعوية والحقوقية والنسائية والنقابية والسياسية، وناشطة بالائتلاف من أجل حقوق العاملات بالمغرب، المكوّن من عدة هيئات نسائية وحقوقية ونقابية
عضوة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان منذ 1983، وانتخبت عضوة المكتب المركزي للجمعية ونائبة الكاتب العام (1989 – 2001) وكاتبة عامة (2001 – 2004)
مستشارة مكلفة بملف المرأة (2004 – 2007)، ورئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان منذ 6 مايو 2007.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية