مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سوق .. للتعليم والتأهيل والبيداغوجيا!

معرض ديداك 2002 في زيوريخ يعتبر من أهم التظاهرات الدولية لعرض الجديد في مجال الوسائل البيداغوجية والمواد التعليمية Keystone

"وورلد ديداك 2002" تظاهرة تمزج بين منطق السوق والتجارة ومتطلبات التعليم والتكوين، تقام هذه الأيام في قصر المعارض في زيوريخ بمشاركة أربع مائة عارض من ثلاثين بلدا...

قد يرى البعض في معرض التعليق على تنظيم معرض متخصص في تسويق الوسائل البيداغوجية والبرامج التربوية أن الهوس العولمي حوّل كل شيء، بما في ذلك التعليم والتربية، إلى مجرد تجارة ضمن منطق السوق الكونية المفتوحة…

لكن الإقبال الشديد الذي رافق الدورة الثانية لمعرض وورلد ديداك الذي تنظمه مؤسسة دولية تتخذ من برن مقرا لها منذ خمسين عاما وتحمل نفس الإسم، يؤشر بوضوح إلى أن كل ما يرتبط بالعملية التربوية والتعليمية من “المهد إلى اللحد” تحول إلى مجال تنافس محموم بين شركات تجارية ضخمة متعددة الجنسيات ومؤسسات متنوعة المشارب.

ثلاثون ألف زائر من المتخصصين في مجالات التعليم والتكوين والتأهيل من خمسة وسبعين بلدا في العالم اطلعوا خلال الأيام الأربع التي تواصل فيها المعرض على ما تقدمه أربع مائة شركة ومؤسسة وهيئة قدمت من اثنين وثلاثين بلدا.

كما تشارك في المعرض وفود رسمية من وزارات التعليم في النمسا وبوتسوانا والبرازيل والصين وألمانيا والمجر وإيسلندا والهند واليابان والمكسيك وبولندا ورومانيا وروسيا وسلوفاكيا وجنوب إفريقيا وسريلانكا والسويد وسويسرا وتركيا وبريطانيا والولايات المتحدة في إطار الندوات وورشات العمل والفعاليات المتنوعة التي تشهدها التظاهرة.

التعليم عن بعد هو المستقبل!

منذ عدة سنوات بدأ يتردد مفهوم جديد في أوساط التربية والتعليم في العالم المتقدم يؤكد أن المستقبل يمر حتما عبر “مجتمع المعرفة” الذي لا تقتصر فيه عملية تحصيل المعارف والمهارات والكفاءات على المؤسسة التعليمية التقليدية.

فالتعليم عن بعد والتكوين المستمر عبر شبكة الإنترنت وتحويل جزء متزايد من التكوين الجامعي والمهني إلى الكمبيوتر الشخصي للطلبة كان محور العديد من المشاريع والتجهيزات المعروضة في زيوريخ كان من ضمنها نموذج لجامعة افتراضية تلخص أحدث الإبتكارات في مجال التكوين عن بعد، إضافة إلى معرض خاص حول المدارس على شبكة الإنترنت يستعرض أبرز التجارب الناجحة في مجال تكوين المدرسين القادرين على التفاعل مع الواقع الجديد المتمثل في بروز أجيال جديدة من الأطفال القادرين على التعامل بمفردهم مع الحاسوب وعدم انتظار الوصول إلى الفصول لاكتساب المعارف.

ومثلما كان متوقعا، لم تتخلف المؤسسات التربوية الفدرالية الرئيسية والشركات السويسرية العاملة في القطاع عن المشاركة بقوة في “وورلد ديداك 2002″، لكن المساهمة الأهم قد تكون تلك المتعلقة بشرح أبعاد الشراكة الجديدة القائمة بين القطاعين العام والخاص من أجل وضع المدرسة على سكة الإنترنت.

المشروع الذي يعرض بالتفصيل على زوار المعرض، يشمل تمويل الكونفدرالية لوزارات التربية في الكانتونات من أجل مساعدتها على تحمل مسؤولية تأهيل المعلمين والأساتذة في مجال تقنيات الإتصال والتعامل مع الحاسوب بالإضافة إلى تكفّل مؤسسات القطاع الخاص بتوفير البنية التحتية الضرورية للتجهيزات المعلوماتية الضرورية في كل المدارس والمعاهد في مختلف الكانتونات طبقا لشروط محددة.

حضور سويسري وغربي مكثف و.. غياب عربي مفجع!

في المقابل، لوحظت مشاركة كبيرة للشركات المنتجة للوسائل البيداغوجية وللبرمجيات التعليمية من معظم الدول الغربية ومن الصين واليابان وكوريا الجنوبية بالإضافة إلى مكاتب الدراسات المتخصصة في كافة أشكال التكوين والتدريب للمربين وخاصة في مجالات التكوين المستمر المطلوبة بشدة من المؤسسات الإقتصادية الحريصة اكثر من أي وقت مضى على رفع مستوى العاملين فيها من أجل الحفاظ على مستوى قدراتها التنافسية.

ثلاثون في المائة من الشركات والمؤسسات العارضة في زيوريخ سويسرية. أما السبعون في المائة المتبقية فهي أجنبية من ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا الشرقية والصين والهند وجنوب شرقي آسيا. وإذا ما استثنينا مشاركة بعض الشركات الإسرائيلية المتخصصة في البرمجيات والمعلوماتية، فان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا غائبة تماما عن مجالات إنتاج وتطوير المعرفة والوسائل البيداغوجية.

وقد يكون الغياب العربي ناجما عن قلة اهتمام المسؤولين الرسميين بالموضوع برمته أو لقلة ذات اليد لأن المشاركة في مثل هذه التظاهرة تظل مكلفة من الناحية المادية، لكن يبدو أن العالم العربي لم يعد طرفا أساسيا في مثل هذا الميدان الإستراتيجي الذي أصبحت تتحكم فيه قواعد السوق الصارمة والنجاعة والمنافسة على الإبتكار والتجديد، وهو ما قد يعني مستقبلا صعبا لعشرات الملايين من التلاميذ والطلبة في البلدان
العربية!

الهوة تزداد اتساعا

الهيئة المشرفة على تنظيم المعرض لا تخفي أن الهدف الرئيسي من العملية يتمثل أساسا في توفير فرصة دورية للجمع بين المنتجين والمستهلكين للمواد التربوية بدءا بالمناهج والوسائل البيداغوجية ووصولا إلى البرمجيات الحديثة الملبية لحاجيات التكوين المستمر أو التعليم عن بعد.

لكن هدف تحقيق الربح وزيادة حجم المبيعات يقترن هذه المرة بالقدرة على الإقناع بجدوى الـ “بضاعة” المعروضة. وإذا ما كان للمؤسسات التربوية العامة منها والخاصة في البلدان الغربية والمتقدمة عموما ما يكفي من الموارد المالية لاختيار بل انتقاء ما يناسب احتياجاتها من ضمن الكم الهائل من “البضائع” المعروضة عليها، فان نظيراتها في البلدان الفقيرة أو السائرة في طريق النمو تقف اليوم على مفترق طرق خطير.

فإما أن تتمكن من رفع هذا التحدي الخطير واللحاق بالركب وإلا فان العالم سينقسم حتما إلى شطرين: أقلية ثرية في الشمال تتعلم وتتدرب من المهد إلى اللحد وفي البيت والشارع والمدرسة والمؤسسة، وأغلبية فقيرة في الجنوب لا تقدر على الإستفادة من الطفرة التكنولوجية والمنجزات التربوية الهائلة لأن قياداتها السياسية والإقتصادية والتربوية لم تعرف كيف تتجنب التخلف عن القطار الذي انتظمت عرباته في محطة زيوريخ هذه الأيام.

سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية