مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا منضبطة وبلا ديـون.. لكنها في قلب الإعصار!

تمخر سفينة سويسرا في بحر أزمة الديون الأوروبية الهائج بكل ثقة وهدوء؟ Keystone

مع أن الديون السويسرية لا تكاد تُـذكر مقارنة ببلدان أوروبية أخرى، إلا أن الكنفدرالية تجد نفسها مُـضطرة للتعامل بجدية مع تداعيات أزمة الديون في أوروبا ومع الإرتفاع المسجل في قيمة الفرنك السويسري.

بالعودة إلى التاريخ، يتّـضح أن قائمة الدول التي غرِقت في بحر الديون، طويلة جدا. ويكفي أن يستذكر المرء ما حدث مع الملوك الإسبان أو الفرنسيين في القرنين السابع عشر والثامن عشر أو القيصر الألماني أو هتلر، مثلما ذكّـر بذلك هارولد جيمس، من جامعة برينستون الأمريكية في مداخلته أمام المشاركين في “منتدى أوروبا”.

المؤتمر الذي احتضنته مدينة لوتسرن في الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر، قبل أيام معدودة من اجتماع مجموعة العشرين في مدينة كان الفرنسية، تركّـز على أزمة المديونية، أكثر المواضيع إثارة للإهتمام حاليا.

في هذا السياق، يذهب هارولد جيمس إلى أن جوهر “المشكلة الأوروبية تعود إلى الثمانينات، عندما كانت أوروبا تريد تقليد الولايات المتحدة، أي (التحول إلى) قوة اقتصادية عظمى تتوفّـر على عُـملة قوية (الدولار)، لكن تمّ تناسي أن الولايات المتحدة فدرالية حقيقة على عكس الإتحاد الأوروبي، الذي أقام وِحدة نقدية بدون صلاحيات سياسية – مالية ملائمة فيما يتعلّـق بالإحتياطي والضرائب”.

وطِـبقا للأستاذ في جامعة برينستون، فإن ما دفع دول الهامش الأوروبي إلى الدخول في منطقة اليورو، كان الأمل في الحصول على نِـسب فوائد مُـنخفضة، مقارنة بالليرة الإيطالية أو الفرنك الفرنسي أو البيزيتا الإسبانية “وبهذه الطريقة، كان الاستمرار في الاقتراض أكثر بساطة”.

سويسرا.. “استثناء لطيف”

في مداخلته، امتدح ويليام وايت، رئيس لجنة التقييم التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، سويسرا، لأنها تُـمثّـل “استثناءً لطيفا” في قلب أزمة ديون عالمية. وشدّد وايت على أن مديونية الإتحاد الأوروبي ليست مشكلة خاصة بأوروبا، بل هي جزءٌ من معضلة كونية. فالولايات المتحدة واليابان تعانيان من مديونية ثقيلة، أما في أوروبا، فإن عِـبء الديون قد ارتفع بشكل كبير بسبب المساواة التي أقِـرّت بين نِـسب الفوائد في العديد من البلدان وبين نِـسبة الفائدة الأوروبية.

هذا الرأي يُـشاطره طوماس جوردان، نائب رئيس مجلس إدارة المصرف الوطني السويسري، حيث اعتبر أن اعتماد اليورو ساعد على تسريع عجلة النُـموّ، وعلى الترفيع في حجم الديون في آن معا. وقال جوردان: “اليوم، أصبح الدَّين أكبر مما كان عليه قبل الأزمة الاقتصادية لعام 1929، إذا ما تمّـت مقارنته بحجم اقتصاديات كل دولة على حدة”.

عُـيوب في البناء الأوروبي

في سياق متصل، ذهب مشاركون آخرون في منتدى أوروبا إلى أن أسباب المديونية القائمة في أوروبا، يُـمكن أن تُـعزى إلى عيوب شابت عملية بناء الوِحدة النقدية الأوروبية. وأعرب يورغن ستارك، عضو اللجنة التنفيذية للبنك المركزي الأوروبي، عن قناعته بأنه لا يُـمكن لوِحدة نقدية أن تعمل بشكل جيِّـد، إذا ما افتقرت إلى الصلاحيات على مستوى السياسات النقدية  والجبائية.

رغم هذا الخلل، لم يحدُث أبدا أن تحوّل اليورو إلى عُـملة ضعيفة. وفي هذا الصدد، يرى ستارك أنه “لا شك أن الأمر يبدو على العكس من ذلك، إذا ما اعتُـبِـر من وجهة نظر سويسرية، أو إذا ما أخِـذ الفرنك القوي في الحسبان، لكن اليورو ظلّ – مع ذلك – مستقِـرّا، إذا ما تمت مقارنته بالمؤشِّـر الفِـعلي الدولي”.

أي نجاعة للحدّ من المديونية؟

في عام 2001، كانت سويسرا من الدول النادرة، التي اعتمدت ما يُـسمّى بـ “كبح جماح المديونية”، وهي آلية لمراقبة الميزانية الفدرالية أدرِجت في الدستور بهدف الحيلولة دون حدوث عجز مُـزمن في الميزانية وارتفاع في الدَّين العمومي. وتعتمِـد هذه الآلية على قاعدة بسيطة، تتلخّـص في أن المصاريف لا يُـمكن أن تفوق المداخيل في الفترة التي تغطِّـي الدورة الزمنية التي عادة ما يستغرقها ظرف اقتصادي.

في المقابل، لا يوجد إجماع لدى الخبراء حول نجاعة هذه الآلية، حيث يؤكِّـد فريتز زوربروغ، مدير الإدارة الفدرالية للمالية، أن النظام يفتقِـر إلى آلية عقابية مُـلزمة في الحالة التي لا يتم فيها التقيُّـد بمِكبح المديونية. فعلى سبيل المثال، يبدو أن قطاع التأمينات الإجتماعية يقع خارج مجال تدخّـل هذا المِـكبح، وهي نقطة ضُـعف في آلية دفاع (عن التوازنات المالية العامة للبلاد) من هذا القبيل.

المصارف والاقتصاد الواقعي

خلال النقاشات التي تخللت “منتدى أوروبا”، أشار فالتر غروبلر، رئيس مجموعة SIKA، وهي شركة سويسرية تعمل في مجالات البناء والصناعة، والممثل الوحيد لعالم الإقتصاد الفِـعلي، إلى أن الأزمة المالية ومعضلة المديونية خلال السنوات العشر الأخيرة، انطلقت من القطاع المصرفي.

وذكّـر غروبلر بأن الأزمة الآسيوية وفقّـاعة ُمضاربات دوت.كوم Dotcom وأزمة فوائد القروض العقارية والأزمة المالية الأخيرة، ليست سوى أمثلة من هذه الظاهرة. وقال: “خلال السنوات الأخيرة، كان من الممكن أن يحصُـل الإقتصاد الفعلي على فرص استثنائية للتطور”، إلا أنها راحت هباءً، بسبب أخطاء ومضاربات مصرفية.

وفي هذا السياق، تحققت العديد من التطورات على المستوى التقني والإنتاجي، لكنها لم تُـستغلّ بعدُ إلى أقصى حدّ. لذلك، يرى غروبلر أنه “للخروج من أزمة الديون، لا يكفي وضع قواعد أكثر صرامة للقطاع المصرفي، ولكن لابد أن تشمل العاملين في القطاع المالي، مثل الصناديق السيادية”.

على مدى السنوات العشر الأخيرة، توصلت وسائل الإعلام السويسرية إلى تحديد ثلاث لحظات فارقة في أزمة الديون.

 

في عام 2008، كانت المواضيع الطاغية متعلِّـقة بالأزمة المالية.

 

في عامي 2009 و2010، تمحور الاهتمام بالسر المصرفي والقضايا ذات الطابع الجبائي.

منذ 2010، استأثرت أزمة الديون وتدخّـل المصرف الوطني السويسري بأقصى درجات الاهتمام.

يهدِف إلى تيسير فُـرص التلاقي بين ممثلين أوروبيين عن مجالات السياسة والإقتصاد والعلوم والثقافة.

يعمل على تطوير الحوار المتعدد التخصصات حول القضايا المهمة لسويسرا وأوروبا على حد السواء.

ينتظم مرتين في السنة في مركز الثقافة والمؤتمرات KKL الفخم المحاذي لمحطة القطار الرئيسية بمدينة لوتسرن.

تحولت هذه التظاهرة إلى أحد أهم المواعيد المماثلة التي تُعنى بالشأن الأوروبي والمجالات الثناية في سويسرا.

(نقله إلى العربية وعالجه: كمال الضيف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية