مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سيول ليبيا تمحو ربع مدينة درنة وتحصد آلاف الأرواح

مشهد يظهر سيارات محطمة بعد عاصفة قوية وأمطار غزيرة ضربت ليبيا في درنة يوم الثلاثاء. تصوير: عصام عمران الفيتوري - رويترز. هذه أفضل جودة متاحة للصورة. reuters_tickers

من أيمن الورفلي وأحمد العمامي

درنة (ليبيا) (رويترز) – سقط آلاف القتلى ولا يزال أكثر من عشرة آلاف في عداد المفقودين في ليبيا إثر سيول وفيضانات جلبتها عاصفة عاتية هبت من البحر المتوسط وأدت لانهيار سدود وجرفت في طريقها بنايات ومنازل ومحت ما يقرب من ربع المدينة الساحلية الواقعة شرق البلاد.

وقال أحد كبار المسعفين في درنة لرويترز إن أكثر من ألفي شخص لقوا حتفهم في حين وصلت تقديرات مسؤولين في شرق ليبيا نقلها التلفزيون المحلي لعدد القتلى عند أكثر من خمسة آلاف.

اجتاحت العاصفة دانيال عبر البحر الأبيض المتوسط البلد الذي يشهد انقساما وانهيارا بعد أكثر من عقد من الصراع.

وشاهد صحفي من رويترز في درنة، التي يقطنها نحو 125 ألف نسمة، أحياء تحولت لحطام بعد أن جرفت السيول المباني، وسيارات انقلبت على جوانب الطرق المغطاة بالطين والركام وأشجارا اقتُلعت من جذورها ومنازل مهجورة تغمرها المياه بعد انهيار سدود بالمنطقة.

وقال محمد القابسي مدير مستشفى الوحدة في مدينة درنة إن 1700 شخص لقوا حتفهم في واحد من الحيين الرئيسيين بالمدينة و500 شخص في الحي الآخر.

ورأى صحفيون من رويترز العديد من الجثث ملقاة على الأرض في ممرات المستشفى. ومع وصول المزيد من الجثث، كان السكان يحملقون فيها في محاولة للتعرف على ذويهم المفقودين.

وقال هشام أبو شكيوات وزير الطيران المدني وعضو لجنة الطوارئ في حكومة شرق ليبيا لرويترز عبر الهاتف “عُدت من هناك (درنة)… الأمر كارثي للغاية… الجثث ملقاة في كل مكان، في البحر، في الأودية، تحت المباني”.

وتابع “ليس لدي عدد إجمالي للقتلى لكن هو كبير كبير جدا… عدد الجثث المنتشلة في درنة تجاوز الألف… لا أبالغ عندما أقول إن 25 بالمئة من المدينة اختفى. العديد من المباني انهارت”.

ونقلت قناة المسار التلفزيونية الليبية عن وزير الداخلية في إدارة الشرق القول إن أكثر من 5000 شخص لقوا حتفهم.

وضربت العاصفة مدنا أخرى في شرق البلاد، منها بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية، وقال تامر رمضان رئيس بعثة الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر إن عدد القتلى سيكون “ضخما”.

وأضاف للصحفيين عبر دائرة تلفزيونية “يمكننا أن نؤكد من مصادر معلوماتنا المستقلة أن عدد المفقودين يقترب من عشرة آلاف حتى الآن”.

وقال مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة مارتن جريفيث في منشور على منصة إكس، تويتر سابقا، إنه يجري الآن تعبئة فرق الطوارئ لتقديم المساعدة على الأرض.

وبينما سارعت تركيا ودول أخرى إلى تقديم المساعدات إلى ليبيا وتزويدها بمركبات للبحث والإنقاذ وقوارب للإغاثة ومولدات كهربائية ومواد غذائية، هرع مواطنو درنة إلى منازلهم بحثا عن ذويهم وهم في حالة ذعر.

* خوف

في درنة، قال مصطفى سالم (39 عاما) إن 30 من أقاربه راحوا في الكارثة. وأضاف لرويترز “أغلب الناس كانوا نائمين. لم يكن أحد مستعدا”.

وذكر رجا ساسي (39 عاما) أنه نجا من السيول هو وزوجته وابنته الصغيرة بعد أن وصلت المياه إلى الطابق العلوي من المنزل، لكن بقية أفراد أسرته لقوا حتفهم.

وقال “في البداية اعتقدنا أنها أمطار غزيرة ولكن في منتصف الليل سمعنا انفجارا هائلا وكان السد هو الذي ينفجر”.

وفي مطار طرابلس الواقع في شمال غرب ليبيا، بدأت امرأة تنتحب بصوت مرتفع بعدما تلقت مكالمة تفيد بأن معظم أفراد عائلتها إما لقوا حتفهم أو فقدوا جراء هذه الكارثة.

وقال صهرها وليد عبد العاطي “نحن لا نتحدث عن قتيل أو قتيلين، ولكن كل أسرة فقدت نحو عشرة من أفرادها”.

وقال كريم العبيدي، أحد الذين استقلوا طائرة متجهة من طرابلس إلى شرق البلاد “لم أشعر قط بالخوف الذي أشعر به الآن.. فقدت الاتصال بكل عائلتي وأصدقائي وجيراني”.

وقال متحدث باسم وزارة الداخلية لقناة الجزيرة إن فرق البحرية تبحث عن “عدد كبير من الأسر جرفتها (السيول) في اتجاه البحر في مدينة درنة”.

* تحذير من السيول والفيضانات

يقسم مدينة درنة الواقعة على ساحل البحر المتوسط ​​في شرق ليبيا نهر موسمي يتدفق من المناطق المرتفعة في اتجاه الجنوب، ونادرا ما تضرب السيول المدينة بسبب السدود الموجودة بها.

وأظهر مقطع مصور نشر على وسائل التواصل الاجتماعي أجزاء متبقية من أحد السدود المنهارة على بعد 11.5 كيلومتر من المنبع في المدينة حيث يلتقي واديان نهريان وتحيط بهما الآن برك ضخمة من المياه المختلطة بالطين.

وأمكن سماع صوت في المقطع المصور يقول “كان هناك سد”. وتأكدت رويترز من الموقع بناء على الصور.

وفي ورقة بحثية نشرت العام الماضي، قال عبد الونيس عاشور الخبير في علوم المياه من جامعة عمر المختار في ليبيا إن درنة معرضة لخطر السيول المتكررة عبر الوديان الجافة واستشهد بوقوع خمسة سيول منذ عام 1942 ودعا وقتها لاتخاذ خطوات فورية لضمان الصيانة المنتظمة للسدود في المنطقة.

وأضاف في الورقة البحثية تحذيرا من مغبة وقوع سيول عارمة إذ قال إنها ستكون كارثية على السكان في الوادي والمدينة.

وكان البابا فرنسيس بابا الفاتيكان من بين زعماء العالم الذين عبروا عن حزنهم البالغ بسبب الوفيات والدمار في ليبيا. وعبر الرئيس الأمريكي جو بايدن عن تعازيه وقال إن واشنطن ترسل أموالا طارئة لمنظمات الإغاثة.

وليبيا منقسمة سياسيا بين الشرق والغرب وانهارت الخدمات العامة منذ الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي عام 2011 وأدت إلى صراع استمر سنوات بين الفصائل المسلحة.

وقال صحفي من رويترز على متن طائرة إغاثة إن الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس لا تسيطر على المناطق الشرقية لكنها أرسلت مساعدات إلى درنة وإن طائرة إغاثة واحدة على الأقل غادرت مدينة مصراتة بغرب البلاد يوم الثلاثاء.

(تغطية صحفية طارق عمارة من تونس وأيمن الورفلي قرب درنة وأحمد العمامي في البيضا – شارك في التغطية ليلى بسام وفريدريك هاين وأنقوس ماكدوال وجابرييل تيترو فابر وكلودا طانيوس وجانا شقير وجافين جونز وإيما فارج – إعداد مروة سلام ومحمد عطية ومحمود سلامة للنشرة العربية)

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية