The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

من الحياد إلى البراغماتية: كيف تعيد سويسرا صياغة سياستها تجاه أفريقيا؟

طلاب
في معظم البلدان الأفريقية، ما يقرب من نصف السكان تقل أعمارهم عن 25 عامًا. في الصورة، طلاب في جنوب أفريقيا. Afp Or Licensors

مع اقتراب نهاية القرن الحالي، يُتوقع عيش ثلث سكان العالم في قارة أفريقيا، ما يُعزز أهمية الاتحاد الأفريقي. وقد بدأت سويسرا في تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع هذه المنظمة، منذ فترة طويلة. 

وتُعتبر أفريقيا مستقبل العالم، نظرًا لأنها ستصبح موطن نسبة كبيرة من سكانه في السنوات القادمة، نتيجة النمو الديمغرافي الملحوظ، إذ تشير التوقعات إلى أن ثلث سكان الأرض سيعيشون في هذه القارة بحلول عام 2100. هذا هو السبب وراء سعي الدول إلى تعزيز علاقاتها بأفريقيا على المستويات الدبلوماسية، والاقتصادية، والجيوسياسية. 

جوهر الموضوع:

* ما موقع أفريقيا في النظام العالمي الجديد؟

* هل يرتقي الاتحاد الأفريقي لمستوى طموحاته الكبيرة؟

* سويسرا وأفريقيا: ماذا تبقى من البراغماتية والحياد؟

”ستلعب أفريقيا […] دوراً حاسماً في تشكيل التطورات العالمية في العقود القادمة.“ هذه هي الجملة الأولى في استراتيجية سويسرا الجديدة تجاه أفريقيا. ويتزايد عدد الدول التي تصوغ مثل هذه الوثائق الاستراتيجية، في إشارة إلى تكثيفها جهودها الدبلوماسية.  

محتويات خارجية

ففي العقد الماضي وحده، افتتحت أكثر من 200 ممثلية دبلوماسية جديدة في القارة، خاصة من دول الجنوب العالمي، الراغبة في تعميق علاقاتها مع أفريقيا. 

محتويات خارجية

يقع قسم من هذه التمثيلات الدبلوماسية في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، حيث يوجد مقر الاتحاد الأفريقي( AU)، الذي يضم في عضويته جميع الدول الأفريقية، وهو ممثّل القارة على المستوى متعدد الأطراف، ويهدف إلى تحقيق الاندماج الاقتصادي والسياسي لدولها، على غرار الاتحاد الأوروبي في أوروبا، مع اهتمام خاص بالسلام والأمن. ولهذا السبب، تزداد أهمية الاتحاد الأفريقي. 

جنيف
ديليدجي إريك ديغيلا، أستاذ العلاقات الدولية بالمعهد العالي للدراسات الدولية والتعاون بجنيف Geneva Graduate Institute

يؤكد ديليدجي إريك ديغيلا، أستاذ العلاقات الدولية بالمعهد العالي للدراسات الدولية والتعاون بجنيف، أن الاتحاد الأفريقي قد رسخ مكانته كلاعب رئيسي في تعزيز المصالح الأفريقية. ورغم التحديات العديدة التي يواجهها، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، أصبح منذ تأسيسه في عام 2002 كخليفة لمنظمة الوحدة الأفريقية، أصبح من الصعب تجاهله. ويشير ديغيلا إلى أن انضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين في عام 2023 يعكس زيادة أهميته. 

ويتفق أولي شتيغر، أستاذ مساعد في العلاقات الدولية بجامعة أمستردام، مع ما سبق، ويقول: “لقد أثبت الاتحاد الأفريقي أهميته في العقدين الأخيرين، واكتسب ثقلًا دبلوماسيًا، ولا تزال لديه إمكانات كبيرة، مصحوبة بطموحات عالية.” 

لكن هناك مجال كبير للتحسين: فالقارة تعاني من العديد من النزاعات التي لم ينجح الاتحاد الأفريقي في  احتوائها. والتكامل الإقليمي يسير بخطى بطيئة. كما يعاني الاتحاد يعاني من بيروقراطية ثقيلة وعجز هيكلي. 

شتيغر
أولي شتيغر، أستاذ مساعد في العلاقات الدولية بجامعة أمستردام Foraus

ويتفق الخبير أيضا على أن التمويل يمثل مشكلة أساسية بالنسبة للاتحاد الأفريقي. ويقول شتايغر: «حسب حساباتي، جاء ما يصل إلى 70٪ من ميزانية الاتحاد الأفريقي في بعض السنوات من الاتحاد الأوروبي.  

وهذا أمر غير معقول بالنسبة إلى منظمة ملتزمة بتحقيق استقلال أفريقيا». وتعتمد العديد من مشاريع الاتحاد بشكل شبه كامل، على الأموال الأجنبية. وكان مقر الاتحاد الأفريقي الرمزي في أديس أبابا هدية من الصين. يقول ديغيلا: ”من يعتمد ماليًا على شركاء خارجيين يفتقر إلى الاستقلالية. لذلك من الضروري أن تحشد الدول الأفريقية المزيد من الموارد المالية، لضمان تمويل منظمتها القارية بنفسها“. 

جهود سويسرا لدعم الاتحاد الأفريقي 

من خلال عدد ممثلياتها الكبير نسبيًا، تتمتع سويسرا بشبكة علاقات ثنائية جيدة مع الدول الأفريقية. ومنذ مدّة، تبذل جهودًا من أجل إقامة علاقات جيدة مع الاتحاد الأفريقي، كما أنها معتمدة لدى العديد من المنظمات الفرعية. ويقول ستايغر: ”تتصرف سويسرا بذكاء، إذ توفّر حوافز مهمة بتكلفة منخفضة نسبيا، فتدعم على سبيل المثال مسار وهران حول السلم والأمن، في أفريقيا”. 

ويعود هذا الاهتمام بالقارة الأفريقية إلى أسباب اقتصادية أيضا. فطبقًا للتوقعات الديمغرافية، يُنتظر أن تصبح أفريقيا لاعبًا اقتصاديًا محوريًا، إذ قد يصبح 40% من جميع القوى العاملة في العالم، أفريقية بحلول عام 2100. وهنا يرى ديغيلا إمكانات كبرى، لاسيما لأوروبا: “ستكون القوى العاملة مستقبلًا في أفريقيا. وبالنسبة إلى أوروبا، التي ستواجه نقصا حادا في عدد السكان على المدى البعيد، تُعد هذه فرصة”. 

محتويات خارجية

لكن من المهم ألا تنظر أوروبا إلى الهجرة عبر القارات، وفقًا للاعتبارات الأمنية فحسب: “فتحدث حوالي 85% من الهجرة الأفريقية داخل القارة نفسها. أما الباقي، فيهاجر على الأغلب بطرق مشروعة إلى باقي العالم. وكثيرًا ما تكون الهجرة بغرض الدراسة، ما يطرح مسألة هجرة الكفاءات.” إذ ستصبح طرق الهجرة النظامية إلى أوروبا، المرتبطة بتصاريح الإقامة والعمل، أقصر الطرق لتحقيق الأهداف المرجوة على المدى البعيد. ولتحقيقها، يجب توقّف “الدعاية الإعلامية والسياسية، المحذرة من الهجرة الجماعية المزعومة” إلى أوروبا. 

ومن جانبها، تقترب سويسرا، بصفتها فاعلًا ماليًا عالميًا، من المؤسسات المالية الأفريقية، إذ تعمل على فتح مقر أوروبي للبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد (Afreximbank) في جنيف. وهذه المؤسسة المالية متعدّدة الأطراف، هي فرع من البنك الأفريقي للتنمية، وتهدف إلى تعزيز حصة أفريقيا في التجارة العالمية. ومن شأن هذا المقرّ تعزيز مكانة جنيف كموقع دولي، وفتح قنوات مباشرة بين السوق المالية السويسرية وأفريقيا. 

كما تخطط الحكومة السويسرية للمشاركة في زيادة رأس المال الضامن لبنك التنمية الأفريقي. ويؤكد البيان الصادر في هذا الشأن، إرسال سويسرا بذلك إشارة تضامن مع أفريقيا. ولكنها، بصفتها واحدة من 28 دولة عضو غير أفريقية، تضمن ”تأثيرها في البنك“. ومن المنطقي، من منظور السياسة الدبلوماسية السويسرية، أن تكون سويسرا عضوًا في المؤسسات المالية الدولية الهامة. 

محتويات خارجية

كيف يُنظر إلى سويسرا؟ 

يتفق ديغيلا وستايغر على تمتع سويسرا بشعبية كبيرة لدى المؤسسات والسلطات الأفريقية. فهي تُعتبر شريكًا لا يملك ماضيًا استعماريًا، ولديه أجندة شفافة ومحايدة. 

لكن في السنوات الأخيرة، باتت مسألة الحياد مثار جدل. ويشير الخبيران إلى أن رأيًا يسود القارة حاليا، بتخلّي سويسرا عن حيادها، بعد انضمامها إلى العقوبات الأوروبية على روسيا. ففي أفريقيا، ذاعت هذه السردية من خلال وسائل الدعاية الروسية. “لكن يرتبط الأمر أكثر بالحرب في غزة، فيُعتبر صمت سويسرا إزاء هذا النزاع ضربًا من النفاق”، بحسب شتيغر، ما يضرّ بمصداقيتها، مثلما يضر بمصداقية الغرب بأكمله، المُتّهَم بازدواجية المعايير. 

يضاف إلى ذلك الفهم المختلف لمعنى الحياد. ويوضح شتيغر:”في أفريقيا، يستخدم الحياد غالباً كمرادف لعدم الانحياز، إذن يوجد اختلاف في المفاهيم من الناحية التاريخية”، إذ يستند عدم الانحياز إلى الوقوف على مسافة واحدة من كلا المعسكرين (في هذه الحالة، روسيا من ناحية، و”الغرب” من ناحية أخرى)، هذا بينما يقوم الحياد السويسري على مفهوم قانوني، يتمحور حول احترام القانون الدولي. وعلى حد قول شتيغر: “سيكون من مصلحة سويسرا، الاستمرار في تقديم مزيد من الإيضاحات في هذا الصدد”. 

المزيد

هكذا يمكن لسويسرا تحقيق التوازن 

ومن جهته، يشير ديغيلا إلى مسألة المصداقية، ويقول: ”أصبحت سويسرا أكثر برغماتية في تعاملها مع الدول الشريكة في أفريقيا”. فكما في جميع مناطق العالم، شهدت القارة موجة من التراجع الديمقراطي، وانتهاكات لحقوق الإنسان، وسيادة القانون، والحكم الرشيد. ”بل شهدت القارة سلسلة من الانقلابات. لكن كانت الانتقادات السويسرية بالكاد مسموعة“. 

وكخبير سياسي، يتفهّم هذا النهج الواقعي. ففي الأثناء، أصبح لأفريقيا مجال أوسع للاختيار بين شركائها، ويمكنها تغيير وجهتها إذا ما زاد النقد الموجه إليها عن الحد. لكن ما يقلقه، كمواطن من جمهورية بنين الغرب أفريقية، هو عدم اتخاذ سويسرا، التي يعتبرها الكثيرون دولة نموذجية، موقفًا حاسمًا. 

فالأهمية الدبلوماسية والسياسية ترتكز بقوة على المصداقية. فإذا ما تراجعت هذه، تتراجع الأهمية، بحسب ديغيلا: ” لذلك يتحتم على سويسرا إيجاد طريق، لتحقيق توافق أفضل بين براغماتيتها الدبلوماسية، وبين قيمها.” 

تحرير: بنيامين فون فيل 

ترجمة: هالة فرَّاج 

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية