مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في انتظار القرار.. “حل رابع” للصحراء

اي مستقبل للشعب الصحراوي بعد اكثر من ربع قرن من النزاع؟ swissinfo.ch

يقولون في الحركة بركة! هذا المثل لعله ينطبق في هذه الايام على ما يتردد من افكار جديدة لتسوية نزاع الصحراء الغربية المتعثر منذ اكثر من عقدين.

الافكار المثارة، يتردد انها جزائرية، يطلق عليها الحل الرابع، مادامت قد سبقتها افكار حملت صفة الحل الاول والحل الثاني الواردان في مخطط الامم المتحدة للسلام، الذي وافق عليه اطراف النزاع عام 1988، وصفة الحل الثالث الذي ورد في مقترحات جيمس بيكر.

المسألة ليست بإزار حلول ولا توارد افكار خطرت في ذهن احد الفاعلين في نزاع يعترف الجميع ان استمراره لاكثر من عقدين ونصف، زاده تعقيدا بعد ان باتت تسويته اكثر صعوبة.

في مخطط سلام الامم المتحدة، وضع الحل في اختيار الصحراويين بين دولة مستقلة او الاندماج بالمغرب، لكن المخطط تعاطى مع النزاع كما تعاطى مع غيره من النزاعات الدولية السائدة في النصف الثاني من القرن الماضي، حيث تركزت المطالب على تقرير مصير سكان المنطقة المتنازع عليها.

في حين ان النزاع، من وجهة نظر احد اطرافه على الاقل، ليس بين سكان او شعب ومحتل غريب، بل بين طرفين دوليين احدهما يرفض حق الاخر في وحدته الترابية، وهو بمجمله نتاج الحرب الباردة بين معسكري الشرق والغرب.

كان مخطط السلام حلا مبسطا لنزاع معقد تداخل فيه المحلي مع الاقليمي مع الدولي، لذلك حمل بذور فشله مع اعتماده من طرف مجلس الامن الدولي عام1991، وايضا بسبب الالية التي وضعت للوصول الى استفتاء تقرير المصير للصحراويين للاختيار بين الحلين.

مقترحات اولى وثانية وثالثة و.. رابعة

تداخلات النزاع وتعقيدات الاجراءات المنصوص عليها جمدت التسوية اكثر من عشر سنوات وان كانت عرفت حركية، مثل مبادرات كوفي انان او اتفاقية هيوستن، فكانت في نفس الدائرة، وهو ما حفز جيمس بيكر مبعوث الامين العام للامم المتحدة، بدعم سعودي وتشجيع امريكي فرنسي، على التقدم بمقترحات جديدة في منتصف العام الماضي المتضمنة لمنح السكان الصحراويين حكما ذاتيا مؤقتا لمدة خمس سنوات في اطار السيادة المغربية.

اطلق على هذه المقترحات صفة الحل الثالث، لكن بيكر فشل في تأمين تأييد اطراف النزاع، فالمغرب وافق بتحفظ والجزائر وجبهة البوليزاريو رفضتاه، لانه يساهم في تقليص حرية الصحراويين في الاختيار الديمقراطي لمصيرهم بعد السنوات الخمس. هذا الفشل، بسبب الدبلوماسية الجزائرية النشطة، حرم جيمس بيكر من تبني مجلس الامن لمشروعه.

لكن نجاح الدبلوماسية الجزائرية في افشال مقترحات جيمس بيكر، وضعها في مأزق من نوع آخر. فالعالم، وخاصة كباره، قد بدأ يتململ، ومنذ سنوات، من استمرار نزاع، حتى لو كان لا يهدد الامن الاقليمي او الدولي. ويجد ان ما يخصص من اموال لتمويل قوات الامم المتحدة ( مينورسيو) في الصحراء الغربية، يمكن ان يصرف في مناطق اخرى من العالم هي بحاجة اليه، كما ان هؤلاء الكبار الذين كانوا في عالم الحرب الباردة بحاجة الى هذا الطرف او ذاك، وجدوا انفسهم مثقلين بعبء هذا الطرف او ذاك.

واذا كانت الولايات المتحدة، في الاونة الاخيرة تضع نزاع الصحراء الغربية وتسويته في مرتبة متأخرة ضمن قائمة اهتماماتها، فإن اوروبا لا تفوت فرصة لتعبر عن انشغالها لاستمرار نزاع على حدودها الجنوبية، اذ تعتبر هذا النزاع حائلا دون تكتل اقليمي فاعل يكون شريكا اقتصاديا وهو ما عبرت عنه بوضوح كريستين لاليميير رئيسة الوفد البرلماني الاوروبي الذي جال في الجزائر والمغرب وموريتانيا الاسبوع الماضي، التي قالت ان من يرفض مقترحات بيكر يعني انه غير راغب في تسريع تسوية النزاع.

في انتظار القرار والارادة

وقد تكون الضغوط المعنوية على الجزائر “قد” دفعت بها لطرح افكار تحقق لها ولجبهة البوليزاريو بعض النقاط، دون ان تتهم بعرقلة تسوية ولو مؤقتة للنزاع، مثلما تقول المصادر التي رددت ان الجزائر قدمت للامم المتحدة افكارا اطلقت عليها اسم الحل الرابع المعتمد اساسا على تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب والجزائر.

ومفردة “قد” تكون ضرورية للتعاطي مع ما هو مطروح، ليس فقط بسبب نفي الجزائر ما نسب اليها، بل ايضا كون ما تردد ينتفي مع سياق النزاع ومواقف الاطراف تاريخيا او مصالحها. لذلك يكون التشكيك مشروعا، خاصة ان ما نشر يسبق بأيام قليلة تقديم جيمس بيكر تقريره حول اخر تطورات النزاع وجهوده للتسوية الى مجلس الامن.

النفي الجزائري والتشكيك في المعلومات لا يلغي ان هناك افكارا تروج، والمصادر الدبلوماسية العربية بالرباط قالت لسويس انفو ان افكارا اثيرت فعلا في اروقة الامم المتحدة، الجزائر كانت احد مصادرها، تتضمن تقسيم المناطق الصحراوية وظيفيا، أي ان يتولى المغرب الاشراف على الحكم الذاتي في الساقية الحمراء على ان تتولى جبهة البوليزاريو الاشراف على الحكم الذاتي في وادي الذهب.

طرح هذه الافكار وتداولها يعني ان تسوية النزاع قد تحولت الى ضرورة ملحة لاطرافه، لكنها قد تكون ضرورة مؤقتة بل ان هذه الافكار قد تستخدم لاهداف لا علاقة لها بالنزاع الصحراوي.

افكار تتناثر في فضاء ازمة تحتاج الى قرار سياسي وارادة حقيقية للتسوية واخراجه من اللعبة الداخلية لكل طرف من اطرافه او من لعبة تنافس القوى الاقليمية والدولية، وحتى الان لازال هذا القرار ولازالت هذه الارادة هي المفتقدة.

محمود معروف ـ الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية