مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في انتظار “القمة”

يبدو السيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية ، مُـرهقا في صورة التقطت له يوم الأحد 16 فبراير 2003 أثناء اجتماع وزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة يالقاهرة Keystone

لم يتفق وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم في القاهرة على موعد لعقد قمة استثنائية لبحث المسألة العراقية.

لكن البيان الختامي الصادر عن الإجتماع اعتبر أن على البلدان العربية رفض تقديم أي دعم لتدخل عسكري ضد العراق، من شأنه أن يشكل تهديدا للأمن القومي لمجمل الدول العربية.

انفض اجتماع وزراء خارجية الدول العربية دون التوصل إلى اتفاق حول موعد القمة العربية الطارئة التي قد يُـكتب لها الإنعقاد في موفى الشهر الجاري بمصر، لكنه تمكن من إصدار بيان نهائي تحفظت عليه دولة الكويت بعد مفاوضات عسيرة وشاقة.

وبغض النظر عن قيمة ما جاء في البيان النهائي، إلا أن عدم إلزاميته للدول الأعضاء في الجامعة يُفرغه من أية أهمية يمكن أن تعلق عليه، كما يكشف مرة أخرى عن الفراغ الخطير الذي يعاني منه العمل العربي المشترك في واحدة من أدق المراحل التي تمر بها البلدان والحكومات العربية مجتمعة.

وكان وزراء الخارجية العرب قد عقدوا اجتماعات مطولة طوال مساء السبت 15 فبراير ويوم الأحد 16 فبراير لمناقشة تطورات الأزمة العراقية والبت في طلب مصري بعقد قمة طارئة.

وخرج المؤتمر الذي استمر لأكثر من 18 ساعة ببيان دعا إلى “التزام الدول العربية بالحفاظ على أمن وسلامة جمهورية العراق ودولة الكويت ووحدة أراضيهما، ورفض العدوان على أي منهما، أو تهديد أمن وسلامة أي دولة عربية باعتباره تهديدًا للأمن القومي العربي مثلما هو تهديد للأمن والسلام الدوليين”.

رفض الحرب والمخططات

وأشار مشروع البيان إلى “التأكيد على ضرورة امتناع دولهم عن تقديم أي نوع من المساعدة والتسهيلات لأي عمل عسكري يؤدي إلى تهديد أمن وسلامة العراق ووحدة أراضيه”.

ورحب الوزراء باستمرار تعاون العراق مع المفتشين، وبناء أرضية من الثقة المتبادلة تقوم على أساس أن تعاون العراق مع المفتشين بغية إنجاز مهامهم بأسرع وقت ممكن سيصب في مصلحة جميع الأطراف.

وأضاف مشروع البيان أنه “في المقابل فإن مواصلة المفتشين لعملهم بموضوعية ونزاهة أمر سيشجع على الوصول إلى نتائج مرضية ويسهل تجاوز العقبات والصعوبات التي يمكن أن تعترض تعاون الجانبين”.

وأضاف أن الوزراء “يحثون أعضاء مجلس الأمن على منح المفتشين الوقت الكافي لإنجاز مهامهم التي حددها القرار رقم 1441”.

ودعا الوزراء إلى “مواصلة العمل مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز، لتكثيف الجهود الرامية لتجنيب العراق الحرب، وإلى وقف الحشود والتهديدات العسكرية الموجهة للعراق والمنطقة”.

واتفق الوزراء على “تنبيه المجتمع الدولي إلى مخاطر العدوان العسكري المبيت على العراق وشعبه ووحدة أراضيه، وكذلك التحذير من التداعيات الخطيرة للحرب على المنطقة التي عانت من ويلات حروب كثيرة وما زالت تعاني من استمرار سياسة الاحتلال والتدمير الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وضد حقوقه الوطنية المشروعة”.

كما أكدوا أن “اللجوء إلى خيار الحرب دليل ليس فقط على عجز مجلس الأمن عن أداء مهامه في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، بل هو دليل على فشل النظام الدولي برمته الذي يجب أن يعتمد على ميثاق الأمم المتحدة كمرجعية لا غنى عنها للحفاظ على الأمن والسلام الدوليين في العالم”.

وأعلن الوزراء العرب “رفض كافة المخططات والسياسات الرامية إلى فرض تغييرات على المنطقة، والتدخل في شؤونها، وتجاهل المصالح المشروعة لدول وشعوب المنطقة وقضاياها العادلة”.

ودعوا “مجلس الأمن الدولي إلى تفعيل قراراته ذات الصلة، وخصوصا المادة رقم 22 من القرار رقم 687 التي تنص على رفع الحصار المفروض على العراق”، مؤكدين تضامنهم مع الشعب العراقي الذي عاني من الحصار الجائر منذ أكثر من عقد من الزمن.

كما طالبوا بـ “تنفيذ المادة رقم 14 من القرار المذكور، والتي تنص على جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل النووية والجرثومية والكيميائية دون استثناء أي دولة بما في ذلك إسرائيل التي تنفرد بامتلاكها كل هذه الأسلحة الفتاكة مجتمعة”.

رسالة إلى الرأي العام العربي

ومن الملفت أن البيان الختامي – وعلى عكس ما ورد في مسودة تداولتها وسائل الإعلام قبيل التئام الإجتماع – لم يتضمن أي إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وهو ما دفع عددا من الديبلوماسيين إلى اعتبار ما حدث في اليومين الأخيرين في القاهرة مجرد “مبادرة ديبلوماسية موجهة إلى العالم العربي أساسا من أجل تمرير رسالة لشعوبهم مفادها أن “القادة العرب لم يدخروا جهدا من أجل تجنيب العراق والمنطقة حربا جديدة”.

وتكمن المفارقة هذه المرة في أن أراضي العديد من الدول العربية (والخليجية منها بوجه خاص) تحولت في العشرية الأخيرة إلى مقرات لقواعد عسكرية يعمل فيها عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين الذين أصبحوا اليوم على أتم الإستعداد لشن هجوم عسكري واسع على العراق.

فالبحرين تؤوي مقر القيادة العامة للأسطول الخامس الأمريكي أما قطر فتحولت إلى المقر المؤقت للقيادة المركزية الأمريكية المشرفة على سير الأنشطة العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج في حين يتوزع عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين على قواعد أخرى في المملكة العربية السعودية والكويت. لذلك لم يكن مستغربا أن تكون الكويت البلد الوحيد الذي سجل تحفظه على نص البيان النهائي.

وفيما أكد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية أن الاجتماع “شهد مناقشات واضحة وصريحة حول التواجد الأجنبي في المنطقة، وانتهى إلى صياغة قرار يؤكد على ضرورة تجنب تقديم أي نوع من المساعدات للدول الراغبة في شن هجوم على العراق”، جاء البيان النهائي لاجتماع وزراء الخارجية العرب داعما للتمشي الفرنسي الألماني ومحرضا السلطات العراقية على مزيد التنسيق والعمل “الموضوعي والنزيه” مع المفتشين الدوليين عن الأسلحة من أجل المساهمة في “الحصول على نتائج مرضية”.

حضور أوروبي

وقد كان حضور وزير الخارجية اليوناني الذي تترأس بلاده حاليا الإتحاد الأوروبي أشغال الإجتماع نقطة فارقة، حيث أشار وزير الخارجية اللبناني محمود حمود في الندوة الصحفية المشتركة التي عقدها مع عمرو موسى في أعقاب الإجتماع إلى أن “وزير خارجية اليونان الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي حضر اجتماع الوزراء العرب، وطلب منهم موقفًا عربيًا موحدًا لإبلاغه إلى قمة الاتحاد الأوروبي”.

وعلى الرغم من صدور الموقف العربي “الموحد” بعد مخاض عسير، إلا أن ذلك لم ينجح في إخفاء الخلافات القائمة بين دول (مثل سوريا وليبيا والسودان) تدعو إلى عقد قمة توجّـه رسالة قوية إلى الولايات المتحدة وتندد بسياساتها المتسببة في خلق أجواء من عدم الإستقرار في المنطقة وبين دول أخرى (مثل مصر وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي) تريد من القمة حـثّ الرئيس صدام حسين على مزيد التعاون مع المفتشين الأممين والإنصياع الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي.

أخيرا جاء الفشل العربي في الخروج برؤية موحدة لما يجب القيام في مثل هذا الظرف العصيب متلازما مع الصمت السائد في الشارع العربي. ففي الوقت الذي استمر فيه سكون الشوارع العربية (باستثناء حالات نادرة جدا سمحت بها بعض السلطات أو بعض الإحتجاجات العفوية المقموعة بسرعة)، نزل الملايين من سكان البلدان الأوروبية والغربية والآسيوية إلى الشوارع للتنديد بالحرب وإعلان الرفض القاطع لها.

وفي الوقت الذي لا زالت الدول العربية تبحث عن اتفاق حول موعد لعقد قمة “استثنائية”، انعقدت يوم الإثنين في بروكسيل قمة .. أوروبية مخصصة بالكامل للوضع العراقي!

كمال الضيف – سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية