مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قوات عربية – إسلامية إلى العراق؟

رغم النفي المصري، تردد أن مسألة إرسال قوات عربية إلى العراق كانت ضمن القضايا التي تطرق إليها نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني في جولته العربية الأخيرة (من 16 إلى 18 يناير 2006) التي شملت مصر والسعودية والكويت Keystone Archive

على الرغم من أنه لا يوجد حاليا ما يشير إلى أن هذا "الخيار" يُـطـرح حاليا بشكل محدد، أو أنه يوجد جهد منظم للدفع فى اتجاهه..

إلا أن الأفكار الخاصة بإمكانية إرسال قوات عربية أو قوات عربية – إسلامية للعراق عادت إلى الظهور على نطاق واسع مرة أخرى، بعد أن كانت قد استبعدت كخيار عملى منذ فترة طويلة.

قد يعنى هذا أن شيئا ما قادم فى الطريق، ولو من قبيل بناء الخيارات، تحسبا لإمكانية انهيار الوضع الأمنى أو لتسهيل خروج القوات الأمريكية، أو فى أكثر الأحوال واقعية من أجل “حفظ السلم” فى حالة التوصل إلى حل سياسى.

لقد كانت تصريحات قد صدرت فى نهاية سبتمبر 2005 الماضى من جانب الشيخ حمد بن جاسم آل ثانى وزير خارجية قطر يعلن فيها تأييد بلاده لفكرة إرسال قوات عربية وإسلامية للعراق، ثم أعلن الرئيس السورى بشار الأسد أنه لا يستبعد (أو لا يمانع) إمكانية إرسال قوات سورية للعراق إذا طلب العراقيون ذلك.

من جهة أخرى، سبقت زيارة نائب الرئيس الأمريكى ديك تشينى لمصر والسعودية تقارير تشير إلى أن هذه المسألة توجد على “جدول الأعمال”، كما اتسع نطاق الجدل فى وسائل الإعلام العراقية فى الفترة الأخيرة بشأنها، إذن فهناك الكثير من الدخان المتصاعد من أكثر من مكان فى وقت واحد.

المشكلة المزمنة

إن المرة الأخيرة التى طرحت فيها احتمالات البدء بالتفكير فى تشكيل مثل تلك القوات بصورة جادة، كانت فى يوليو 2004، عندما ذكر وزير الخارجية الأمريكى وقتها كولن باول‏، أن هناك مساعي تبذل لإيجاد الظروف الملائمة لتنفيذ فكرة إرسال قوات إسلامية (أو عربية – إسلامية) إلى العراق‏، استنادا إلى مبادرة سعودية‏ لاقت اهتماما من حكومة العراق المؤقتة والإدارة الأمريكية والأمم المتحدة، ودول التحالف.

لكن هذه المبادرة تبددت بسرعة فى ظل عاملين رئيسيين. الأول، أن معظم الدول التى كانت مرشحة وقتها “نظريا” لإرسال تلك القوات لم تبد استعدادا حقيقيا للقيام بتلك الخطوة فى ظل تقديراتها لردود أفعال الرأى العام داخلها تجاه ما سيعتبر مساندتها لعملية “احتلال العراق”، أو خضوعا للضغوط الأمريكية، إضافة إلى المخاطر التى ستواجهها تلك القوات يقينا فى ظل تصاعد المقاومة المسلحة ضد القوات متعددة الجنسيات فى العراق، والتى ستسبب حرجا شديدا للقيادات السياسية داخل بلدانها فى حالة وقوع حوادث أو مصادمات كبرى مع تلك القوات.

الثانى، أن قادة التيار المناوئ للوضع الجديد فى العراق (مثل مقتدى الصدر، وقيادات سنية عربية) قد حذروا الدول العربية والإسلامية على الفور من مغبة إرسال قوات معتبرين أنها ستصبح في تلك الحالة دولا متعاونة مع الاحتلال‏. ولم تكن عناصر المقاومة فى حاجة إلى إصدار بيانات، فقد كانت أعمال نسف السفارات وقتل الدبلوماسيين وبعض المدنيين العرب، تنبئ بما سيواجه تلك القوات تحديدا، والتى ستصدر فتاوى دموية ضد أفرادها، كما ستتحول لهدف يمثل أولوية بالنسبة لعناصر القاعدة.

يضاف لذلك، أن هناك تقييما عاما لطبيعة الشعب العراق يجعل من مثل تلك القرارات معضلة، فحسب تعبير أحد القيادات العربية “لن يحتمل العراقيين قيام عسكرى عربى بمجرد تنظيم المرور”.

ولقد جرت مداولات حقيقية داخل بعض الدول العربية بهذا الشأن فى ذلك الوقت، إذ كان ثمة تيار يرى أن هناك واقعا جديدا يجب الاعتراف به فى العراق، وأنه لايجب أن يترك الشأن العراقى بالكامل فى “اليد الخارجية”، وأن هناك مصالح أساسية لبعض تلك الدول فى العراق، كوجود جاليات أو موالين أو شركات أو مخاوف أو ارتباطات، إضافة إلى “العلاقة الأمريكية”، وأنه لن يستمع إليها أحد ما لم تكن مشاركة بصورة محددة (أي عسكرية) فى الميدان، إلا أن تلك النقاشات لم تسفر عن شئ جاد فى ظل التأثيرات الطاغية للعاملين السابقين.

لكن الصورة أيضا لم تكن بتلك البساطة، فقد كانت كل الدول المجاورة للعراق قد بدأت تتواجد فى أراضى العراق بشكل ما فى ظل أهداف خاصة بها، إذ كانت ثمة تقارير شبه مؤكدة تشير إلى أن عناصر مسلحة إيرانية تعمل داخل العراق فى إطار أهداف محددة، وعرضت تركيا رسميا بالفعل إرسال قوات إلى العراق ضمن التحالف الرسمى، إضافة إلى المشكلة المزمنة الخاصة باتهام سوريا بدعم العناصر البعثية المسلحة التى تستهدف القوات الأمريكية استنادا على أدلة مختلفة، كما أن الدول العربية المجاورة للعراق لم تكن بعيدة عن الساحة، فهناك أمور جادة تنسب إلى الأردن والسعودية والكويت، لذا كان ثمة توجه بأن الدول المجاورة للعراق لا يجب أن تشارك فى القوة العربية – الإسلامية التى كان النقاش يدور حولها.

التردد العربى

فى هذا الإطار، لايوجد افتراض محدد بشأن ما إذا كانت الدول العربية المعنية بالمسألة العراقية راغبة بالفعل فى المشاركة فى تلك القوات أم لا، إذ أن المؤشرات المتوافرة تدفع فى الاتجاهين.

فعلى الرغم من أن قرار إرسال قوات إلى الخارج يتسم بحساسية تجعل أية قيادة سياسية غير راغبة من حيث المبدأ فى اتخاذه، أرسلت دول عربية كمصر والسعودية وسوريا والمغرب من قبل قوات بأعداد كبيرة لخوض حرب عام 1991 لإخراج القوات العراقية من الكويت، كما شاركت عناصر من تلك القوات إضافة إلى دول أخرى كالأردن والجزائر وتونس ودولة الإمارات فى عمليات حفظ سلام فى مناطق ساخنة مختلفة من العالم، لحفظ الأمن، أو لمراقبة وقف إطلاق النار، أو منع التسلل عبر الحدود.

كما طرحت فى المداولات التى ارتبطت بتشكيل القوة العربية – الإسلامية صيغ تقلل من مخاطر الوضع العراقى على القوات التى يتم إرسالها، من نوعية الاعتماد على وحدات من جيوش الدول البعيدة عن العراق مثل مصر والجزائر والمغرب وباكستان وماليزيا وإندونيسيا، وهى أيضا جيوش كبرى لن تتأثر مهامها الوطنية بإرسال وحدات بحجم محدود إلى الخارج.

كما أثيرت إمكانية إرسال مايسمى “القوات غير القتالية” على غرار النموذج اليابانى، التى يمكن أن تقوم بمهام شبه مدنية طبية وإنشائية ولوجستية مساندة، أو إمكانية التمركز فى مواقع أو القيام بمهام لا تثير حساسيات واسعة وتقلل الاحتكاك بالمشكلة المباشرة عبر تدريب الكوادر الأمنية أو حراسة الحدود أو حماية مقار الأمم المتحدة أو حفظ الأمن العام، لكن المشكلة ظلت مستمرة.

بديل محتمل

إن الأسباب التى تعرقل اتخاذ مثل هذا القرار متعددة، فإضافة إلى ماسبق ذكره بشأن العوامل الرئيسية التى عرقلت دوما خيار إرسال قوات عربية – إسلامية إلى العراق، كانت هناك عوامل محددة تتعلق بما يلى :

1 – أن ثمة مشكلة تتعلق بالتصورات المطروحة لهيكل تلك القوات، وتسليحها المحتمل، وما إذا كانت يجب أن تعمل بشكل منفصل أو تحت قيادة مشتركة أو موحدة، وعلاقتها بالقيادة الأمريكية، والأماكن التى سيتم نشرها فيها.

2 – أن هناك تعقيدات تتصل بعملية التمويل الضخمة لنقل وعمل وإمدادات إعاشة تلك القوات عبر خطوط لوجستية طويلة تمتد من بلدان بعيدة إلى الأراضى العراقية، وكذلك استبدالها، وتحديد المدى الزمنى لوجودها.

ولقد أفرزت تلك المعضلة نوعا من الحلول الوسط على غرار مافعل حلف شمال الأطلي (الناتو)، فقد كان عدد من الدول العربية على استعداد للمشاركة فى مهام تدريب قوات الأمن والكوادر العسكرية العراقية، والقيام عموما بكل المهام التى يمكن أن تدعم عمل القوات متعددة الجنسيات فى العراق بأساليب مختلفة، لكن “من بعد”، أى دون إرسال قوات إلى الأراضي العراقية.

فى الوقت الحالى، تطرح المسألة بشكل مختلف، فمن الممكن أن يتم – حسب ما يثار – إرسال تلك القوة فى إطار “خطة سلم” ترتبط بإيجاد صيغة سياسية يتم التوافق حولها بين الأطراف العراقية لحل المشكلة على أساس إعادة انتشار القوات متعددة الجنسيات خارج المدن أو انسحاب القوات الأمريكية خارج العراق وفق جدول زمنى، على أن تحل القوات العربية – الإسلامية محلها، حيث يصعب أن تقوم القوات المسلحة أو عناصر الأمن العراقية بذلك، أو بالتعاون مع تلك القوات، على نحو يجعل من مهام “القوة الجديدة” أقرب إلى قوة حفظ سلام.

وعلى الرغم من أن هذا التصور يبدو قابلا للنقاش، كما أنه – على الأرجح – هو الذى يكمن وراء تصاعد موجة الحديث مرة أخرى عن “خيار القوة العربية الإسلامية”، إلا أن مشكلته هى أن يظل معلقا على شرط صعب، وهو تحقيق إنجاز ضخم معقد يتعلق بحل “المشكلة العراقية” التى يبدو أنها تتجه للتفاقم.

وبالتالى، يظل هذا البديل – كما كان منذ البداية – ضمن عملية بناء الخيارات، استعدادا لوضع ما أو لحالة ما قادمة في مستقبل الأيام.

د. محمد عبد السلام – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية