مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

كبوة الإنتفاضة

استمرار اسرائيل في اغتيال نشطاء الانتفاضة قد يدفع الفلسطينيين الى تجاوز خلافاتهم في الوقت الراهن Keystone

طغت على السطح في الأيام الأخيرة أخبار عن تطورات مؤسفة تتعلق بصراعات داخلية في قطاع غزه بين عناصر معينة في السلطة وبين عناصر من نشطاء الانتفاضة. ولقد اجتذبت هذه الأحداث وسائل الإعلام الإسرائيلية والأجنبية والعربية التي قامت بتضخيم الأحداث واعطائها أبعادا واحتمالات لا تسندها طبيعة وتفاصيل الخلافات التي جرت.

قد تكون رتابة سير أحداث الانتفاضة في الأسابيع الأخيرة أدت لان تقوم وسائل الإعلام بإظفاء طابع دراماتيكي مبالغ فيه حول ما حدث يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين في قطاع غزة.

تكمن أهمية وخطورة هذه الصدامات من إنها الأولى من نوعها منذ بداية الانتفاضة، ولكن هناك ما يدعو للتقدير بأنها لا تعبر عن مرحلة جديدة في العلاقات الداخلية الفلسطينية، ذلك لان أيا من الأطراف لم يغير استراتيجيته في التعامل مع الآخر أو مع مفردات الوضع السياسي.

لا زالت القيادة الفلسطينية وعلى رأسها عرفات ترى في الانتفاضة خيارا أساسيا في هذه المرحلة، وقرار وقف إطلاق النار كما فُهم داخليا لا يطال الانتفاضة بل بعض جوانبها التي يتفق الجميع على عدم جدواها مثل إطلاق النار من داخل مناطق الكثافة السكانية الخاضعة للمسؤولية الفلسطينية. ومن ناحية أخرى لا زالت القوى الوطنية والإسلامية ترى نفسها في خندق واحد مع السلطة في مواجهة الهجمات الإسرائيلية التي ما زالت تستهدف كلاهما ودون تمييز.

ولكن هذه الصورة العامة يجب أن لا تعيق الانتباه إلى عوامل سلبية قائمة في العلاقة والتعامل الداخلي بين الأطراف الفلسطينية. أحدُ أهمِّ جوانبها يتمثل في وجود عناصر وتيارات وأشخاص في السلطة وفي بعض أجهزتها الأمنية لم يكونوا يوما ما معنيين باستمرار الانتفاضة.

ويبدو ان هؤلاء يتعمدون المبالغة في فهم قرار وقف إطلاق النار كمن يتصرف “كملكي اكثر من الملك”. لذلك لم يستطيع أحد ان يبرر إطلاق النار من قبل بعض عناصر الأمن الفلسطيني ضد مجموعة من نشطاء الانتفاضة من حركة حماس يوم الاثنين الماضي مما أدى إلى جرح ثلاثة منهم. وقد أدى هذا الحادث إلى اندلاع مظاهرات احتجاجية واسعة وشعبية من قبل الجمهور عموما، لعب فيها نشطاء حركة فتح دورا بارزا.

ولكن من ناحية أخرى، هناك بعض الضيق من أن نشطاء الانتفاضة وبحجة تصعيد الانتفاضة والمقاومة يخرجون عن الانضباط أحيانا ويتصرفون بما يحرج السلطة وبما يسبب انتقادات شعبية. من الأمثلة على ذلك إطلاق النار على أهداف عسكرية من داخل الكثافة السكانية الفلسطينية الأمر الذي لا يؤدي إلا إلى ردود فعل انتقامية إسرائيلية. ومن الأمثلة على ذلك إطلاق قذائف المورتر التي كثيرا ما تسبب أضرارا لقاذفيها وقليلا ما تحث أضرارا بالطرف الاخر.

الخلاصة هو أن الاحتكاكات الأخيرة ليست خطيرة ولن تتطور لأنها ناتجة عن تجاوزات لعناصر أو تيارات محدودة ولا تعكس تغييرات استراتيجية لدى أي من مكونات النظام السياسي الفلسطيني لا الرسمي ولا الشعبي.

الوحدة الوطنية تظل أقوى

ولكن وفي الوقت نفسه يجب أن نلاحظ وجود عوامل خارجية وداخلية تساعد في خلق عوامل سلبية للاحتكاك الداخلي منها الجهود والضغوط الدبلوماسية الأمريكية والإسرائيلية والتي تحاول أن تدفع السلطة لاستعادة الدور الذي أوكل إليها في اتفاق أوسلو (ضمن أشياء أخرى) وهو منع أي تعرض فلسطيني لأمن الإسرائيليين.

لكن ما يعاكس مثل هذا العامل أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تقدمان أي مغريات سياسية يمكن أن تجذب السلطة الفلسطينية التي لا تستطيع أن تحاول وقف الانتفاضة بدون تحقيق أي إنجاز سياسي.

من ناحية أخرى، تمنح أجواء الانتفاضة نفسا قويا للجمهور الفلسطيني الذي يشكل دائما رادعا ضد أي نزاعات أو تجاوزات باتجاه الصراع الداخلي، والاهم من ذلك أن استمرار العدوان الإسرائيلي، بل تصاعده، يشكل عاملا أساسيا في تعزيز الحاجة إلى تمتين الوحدة وطنية وتعزيز العمل المشترك.

لكل هذه الأسباب فان هذه الصراعات الداخلية وان كانت مؤسفة ومزعجة خاصة تجاه معنويات الشعب الفلسطيني، إلا أنها غير مرشحة للتطور في الاتجاه السلبي لان عوامل الوحدة الوطنية ضمن الظروف والمعطيات الحالية أقوى من عوامل التفرقة والتفسخ. لذلك من المتوقع أن يتم احتواء هذه التطورات الداخلية وخصوصا مع عودة الرئيس عرفات الذي يشكل، في غياب المؤسسات القوية والمعايير الموضوعية، عنصر الاستقرار وصمام الأمان الأساسي على صعيد الأوضاع الداخلية الفلسطينية.

د.غسان الخطيب – القدس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية