مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لا يمكن بناء الديمقراطية بالإحتلال!

الصحافي السويسري أرنولد هوتينغر الخبير في شؤون الشرق الأوسط SF DRS

"ليس لدى الولايات المتحدة، لا الرغبة ولا الوسائل لإقامة الديمقراطية في العراق": هذا ما يؤكده أرنولد هوتينغر الخبير السويسري في شؤون الشرق الأوسط.

ويرى في حديث خاص مع سويس إنفو أن “حربا طويلة ستؤدي إلى اندلاع اضطرابات في البلدان المجاورة”.

يحظى الصحافي أرنولد هوتينغر (Arnold Hottinger) بشهرة واسعة في الأوساط الإعلامية والأكاديمية السويسرية لتحاليله المتعلقة بالوضع في الشرق الأوسط.

ومن المؤكد أن عمله لسنوات طويلة مراسلا لأهم صحيفة سويسرية (النويه تسورخر تسايتونغ الصادرة بزيوريخ) وللإذاعة السويسرية الناطقة بالألمانية (التي تُعتبر أبرز محطة إذاعية في البلاد التي يتحدث فيها ثلاثة أرباع السكان اللغة الألمانية) في بلدان المنطقة أهله لتشكيل رؤية معمقة لما يحدث فيها.

وقد أجرت معه الزميلتان جوناثان سومرتون وريتا أمش مؤخرا حديثا شاملا لاستطلاع رأيه حول الحرب التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق وأبعادها على المنطقة بشكل عام.

يرى هوتينغر أن تأثير استمرار المعارك لفترة طويلة في العراق سيكون خطيرا على العديد من حكومات الشرق الأوسط حيث تتعارض مواقف القيادات فيها مع مشاعر السكان. ولم يستبعد أن تدفع مشاهد القتلى والجرحى العراقيين بالناس إلى الإحتجاج بشكل عنيف وذهب إلى “أن إمكانية حدوث محاولات لإسقاط الحكومات في مصر والأردن واردة”، إلا أنه أردف قائلا: “إن ذلك يمثل أسوأ الإحتمالات”.

واشنطن بين “الإيديولوجيين” و”البراجماتيين”

ولكن فكرة ” إقامة ديمقراطية عراقية تكوم مثالا يُحتذى لبقية الشرق الأوسط” لا تثير أي آمال لدى الخبير السويسري. ويؤكد على أنه “مهما كانت الديمقراطية ضرورية إلا أنه لا يمكن إقرارها من خلال الإحتلال العسكري. كما أن هذا لا يمكن أن يتحقق من خلال أُناس ليست لديهم القدرة على الصبر ولا يعرفون كيف يتعاملون مع السكان الأصليين.إن الولايات المتحدة تحتاج إلى ما بين 20 و30 سنة من أجل الوصول إلى أهدافها. وأنا لا أعتقد أنهم مستعدون لكل هذه الفترة”.

ويذهب هوتينغر إلى أن الأمريكيين لن تكون لديهم اللباقة الضرورية لإنجاز مثل هذه المهمة ويرى أنهم لا يعتزمون الإهتمام بالمنطقة لأكثر من عامين. كما يرفض الرأي القائل بأن أفغانستان شكلت “منطقة اختبار” للولايات المتحدة مشيرا إلى أن بول وولفوفيتز مساعد وزير الدفاع الأمريكي كان قد اقترح شن هجوم على العراق بعد وقت قليل جدا من الحرب في أفغانستان.

ففكرة إقامة الديمقراطية في العراق كانت “تدغدغ منذ فترة طويلة رؤوس المحافظين الجدد الممسكين بدفة الحكم الآن في واشنطن، لكن كولن باول والأعضاء الأكثر واقعية في صفوف الإدارة الأمريكية تمكنوا بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية من فرض إرادتهم بمهاجمة أفغانستان ومكافحة طالبان وأسامة بن لادن” حسب قول أرنولد هوتينغر.

لذلك فان الحرب الحالية على العراق ذات طابع “أكثر إيديولوجية وإمبريالية جديدة مقارنة بما كانت عليه عملية رد الفعل ضد أفغانستان” على حد تعبيره.

ويذهب الصحافي السويسري في رد على سؤال يتعلق بـ “مدى تأثير رغبة الولايات المتحدة في ضمان إمداداتها من النفط أو التأثير على مواقف البلدان العربية تُجاه إسرائيل” على الحرب الحالية، إلى أن الإجابة ترتبط بالجهات التي تحدد أهداف الحرب.

ويقول : “إذا ما أخذنا المحافظين الجدد مثل دونالد رامسفيلد وبول وولفوفيتز فان الإعتبارات الإيديولوجية تأتي عندهم في المقام الأول. فالإيديولوجيون يفكرون قبل كل شيء في موقع الولايات المتحدة في العالم. لكن هناك أيضا شخصيات أكثر واقعية يتركز اهتمامها على النفط.

إسرائيل .. غير مستعدة!

ولكن هل سيتوقف هذا “المزيج من الإيديولوجيا والواقعية (Pragmatism) الذي يقف وراء الحرب عند العراق؟ ومن يستطيع الجزم بأن إيران لن تكون البلد الموالي على القائمة؟ يجيب أرنولد هوتينغر على هذا السؤال بالعودة مرة أخرى إلى “الإيديولوجيا” ويقول: “هذه هي رؤية الإيديولوجيين الذين يعتقدون بوجود عدد من الدول “المجرمة” وأنه قد آن الأوان للتحرك ضدها بعد أن أصبحت الولايات المتحدة القوة الأعظم الوحيدة في العالم”.

ويضيف أن “شرقا أوسط مواليا للولايات المتحدة سيكون – من وجهة نظر منظّـري واشنطن – مؤيدا لإسرائيل. ويعتقد هؤلاء الأشخاص أن المنطقة يجب أن تتغير وأنه بالإمكان تغييرها من خلال إسقاط القنابل” !

ويُلفت هوتينغر النظر إلى أنه قد تم إعلان الحرب على العراق دون الحصول على تفويض من المجتمع الدولي لأن “الأمم المتحدة لا تعني الكثير” بالنسبة للمحافظين الجدد. لكنه أشار في المقابل إلى أنه يعتقد بأن الواقع على الميدان هو الذي سيُـرغمهم على الإعتراف بأن الأمور ليست على نفس القدر من البساطة التي يتصورونها. إنه من غير الممكن تغيير الشرق الأوسط بالقوة. وببساطة، إن رؤاهم ليست واقعية وهذا هو الذي سيُظهره لهم العراق خلال الأعوام المقبلة. وإثر ذلك سيأتون لطلب مساعدة المجموعة الدولية لكنهم لا زالوا يعتقدون – إلى حد الساعة – أن بإمكانهم فعل أي شيء بدون اللجوء إلى الأمم المتحدة”.

إسرائيل غير مستعدة!

من جهة أخرى، يرى أرنولد هوتينغر أن الحرب في العراق ستؤدي إلى نوع من “تجدد التبرير للعمليات الإرهابية في كل العالم الإسلامي” في الوقت الذي يتراجع فيه اهتمام الولايات المتحدة بملف الإرهاب بسبب تركيز كل اهتمام الإدارة في واشنطن على هذه الحرب.

أخيرا، لا يتصور الصحافي السويسري إمكانية إحلال سلام دائم في الشرق الأوسط ويرى أنه بالإمكان التوصل إلى هدنة لأنه “لا يمكن إنجاز السلام الحقيقي والدائم إلا إذا ما تمت تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي” حسب رأيه.

ويضيف بأن هذا ممكن لأن الفلسطينيين مستعدون اليوم للقبول بدولة أصغر حجما تقع ضمن الأراضي المحتلة حاليا إلا أن المشكلة تتمثل في أن الإسرائيليين ليسوا مستعدين لمنحهم إياها.

سويس إنفو

أرنولد هوتينغر صحافي سويسري

متخصص منذ فترة طويلة في شؤون الشرق الأوسط

عمل مراسلا لصحيفة النويه تسورخر تسايتونغ وللإذاعة السويسرية الناطقة بالألمانية

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية