مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لولا أن السيف سبقْ..

أقر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت موللر (يسار) بحدوث تقصير في أداء جهازه الأمني مكن من نجاح هجمات سبتمبر الإرهابية Keystone

جاء تصريح الرئيس حسني مبارك بإن جهاز المخابرات المصري حذر واشنطن قبل أسبوع من أحداث الحادي عشر من سبتمبر من ضربةٍ يخطط لها تنظيمُ القاعدة ليصب النار على زيت الجدل الدائر في الولايات المتحدة.

هل كان من الممكن تفادي أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ عندما ُطرح هذا السؤال على روبرت موللر رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي في أعقاب الهجمات الإرهابية كانت إجابته واضحة ومباشرة: ما حدث كان لا يمكن تفاديه.

لكن هذا التأكيد يبدو اليوم واهيا في ظل الحقائق التي انكشفت خلال الأسابيع الماضية. فما بدأ بمجرد قطرة تحول إلى سيل من المعلومات دل على وجود خلل في أداء الجهازين الرئيسيين المكلفين بحماية أمن الولايات المتحدة، أي مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية.

 ما حدث كان يمكن تلافيه!

لا يشكك أحد اليوم في فشل الأجهزة الأمنية الأمريكية في إستخلاص المعلومات المنذرة بوقوع حدث ما. فالمؤشرات الدالة على أن تنظيم القاعدة كان يعد لعملية ضخمة ضد الولايات المتحدة كانت متاحة لدى تلك الأجهزة. لكن المشكلة الحقيقية تمثلت في قصور في أداء جهازي مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية، وفي طغيان ثقافة التنافس القائمة بينهما التي منعتهما في حالات كثيرة من تبادل معلومات هامة. بعبارة مختصرة، فشل الجهازان في الاستجابة بشكل ملائم وفعال للتحذيرات التي وردت إليهما، وهي كثيرة.

أول تحذير تلقاه مكتب التحقيقات الفيدرالي تمثل في مذكرة أرسلها، في يوليو 2000، موظف تابع له في ولاية أريزونا. نبه الرجل إلى تزايد عدد الطلبة العرب الذين يتدربون على الطيران في الولاية. وعبر عن مخاوفه من أن أتباعا لإسامة بن لادن يفدون على الولايات المتحدة لدراسة الطيران.

وأقترح لذلك إجراء مسح ميداني عن عدد الطلاب العرب الذين يدرسون الطيران في كل أنحاء الولايات المتحدة. لكن المذكرة ظلت قابعة في أدراج المركز الرئيسي للمكتب إلى أن وقعت الكارثة.

بنفس الأسلوب رفض مكتب التحقيقات الفيدرالي، في أغسطس 2001، التصريح للمكتب الميداني في مينابوليس بولاية مينيسوتا لتفتيش جهاز الكمبيوتر الشخصي لزكريا موساوي، الذي ُقبض عليه في نفس الشهر بسبب سلوكه المريب أثناء تدربه على الطيران.

بيد أن الملفت فعلا، هو أن المخابرات الفرنسية كانت قد أبلغت وكالة الاستخبارات المركزية، في منتصف أغسطس، بعلاقة موساوي بتنظيم القاعدة. لكن السي أي إيه لم تدرك أن الرجل قابع في السجون الأمريكية إلا بعد الحادي عشر من سبتمبر.

زادت الصورة تعقيدا بعد ذلك مع اتضاحِ أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت على علم بوجود رجلين، يشتبه بانتمائهما إلى تنظيم القاعدة، في الولايات المتحدة. وأنها تابعت مشاركة أحدهما في اجتماع للتنظيم في كوالا لامبور في يناير 2000. وأنها أرسلت تلك المعلومة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي.

لكنهما، أي الجهازين الأمنيين، لم يكلفا أنفسهما عناء إبلاغ وزارة الخارجية ومكتب الهجرة بضرورة منعهما من دخول البلاد. تبدت الأهمية القصوى لتلك المعلومة بعد اتضاح أن الرجلين، وهما نواف الحزمي وخالد المحضار، كانا على متن الرحلة رقم 77 التي استهدفت مقر البنتاغون.

لماذا؟

لا غرابة إذن، في ظل كل تلك الفرص الضائعة، أن يثير تصريح الرئيس المصري يوم الثلاثاء تلك الضجة. فقد كشف الرئيس حسني مبارك، في حديث مع صحيفة النيويورك تايمز، عن أن المخابرات المصرية حذرت مسئولين أمريكيين، قبل أسبوع من هجمات سبتمبر، من أن تنظيم القاعدة وصل إلى مرحلة متقدمة في تخطيطه لعملية خطيرة ضد أهداف أمريكية. وأوضح أن ذلك التحذير َنبُعَ من معلومات قدمها مخبر له علاقة وثيقة بالتنظيم وتم تجنيده من قبل المخابرات المصرية.

وبالرغم من مسارعة المسؤولين الأمريكيين إلى التخفيف من حجم ذلك التحذير، فإن تصريح الرئيس مبارك تناغم مع الانطباع السائد من أن العديد من أجهزة المخابرات العربية والأوروبية حذرت نظيرتها الأمريكية من وجود خطة ما ُتدبر ضد مصالح الولايات المتحدة.

كل تلك الخيوط المتشابكة دفعت الكونجرس الأمريكي إلى البدء، يوم أمس الثلاثاء، في جلسات استماع للتحقيق في القضية. ففي ظل المعطيات السابقة يبدو الفرق شاسعا بين ما كان مطروحا قبل شهر واحد فقط وبين ما هو قائم اليوم. فالسؤال المطروح اليوم لم يعد يهتم كثيرا بمدى توافر المعلومات لدى الأجهزة المعنية عن زلزال سبتمبر، بل لماذا فشلت تلك الأجهزة في منعها؟ ويأخذ الاستفسار منعطفا جديا مع إقرار مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي شخصيا بأنه كان من الممكن تفادي وقوع الهجمات الإرهابية لو إن المسؤولين في ال ف.ب.أي تعاملوا بأساليب مختلفة مع المعلومات الإستخباراتية التي توافرت لديهم.

سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية