مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مؤتمر الحزب الحاكم في تونس: هل لا بديل عن الاستمرارية؟

كرّس مؤتمر الحزب الحاكم في تونس بقاء الرئيس بن علي في السلطة لولاية أخرى على الأقل... Präsident Ben Ali

اختتم حزب التجمّـع الدستوري الديموقراطي الحاكم في تونس أعمال مؤتمره الرابع بانتخاب لجنة مركزية جديدة وتزكيّـة ترشّـح الرئيس زين العابدين بن علي لولاية رابعة.

ويُـذكر أنه تمّ عام 2002 تحوير الدستور التونسي لتمكين بن علي من البقاء في السلطة.

حدث ما كان مُـنتظرا. فقد أعلن الرئيس زين العابدين بن علي في افتتاح أشغال مؤتمر التجمع الدستوري الديموقراطي عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة عام 2004 والتي ستُـمكّـنه من ولاية رابعة منذ تولّـيه السلطة يوم 7 نوفمبر 1987، بعد إزاحة الرئيس الحبيب بورقيبة لأسباب صحية.

جاء هذا الإعلان الذي اختزل المؤتمر برمّـته تتويجا لحملة مُـنظّـمة انطلقت قبل حوالي سنتين، واعتبرتها بعض أطراف المعارضة “حملة انتخابية سابقة لأوانها”، نظمّـها الحزب الحاكم في شكل نداءات مُـلحّـة ومتوسّـلة أحيانا إلى رئيس التجمّـع ورئيس الدولة، تُـناشده الترشح والبقاء في السلطة.

والسؤال الذي قد يطرحه المهتمون بشؤون تونس: كيف سيكون المشهد السياسي بعد أن أنهى “التجمع” مؤتمره، وبدأت آلتا الحزب والدولة في الإعداد لمحطة أكتوبر القادمة، التي ستضمن بقاء الحزب ورئيسه في الحكم، وتُـمكّـن هذا الحزب الذي سيحتفل العام المقبل بالذكرى الـ 70 لتأسيسه، من مواصلة قيادة البلاد؟

تبدو الاستمرارية هي الطابع المُـميّـز لهذا المؤتمر على جميع الأصعدة: استمرار القيادة التي يعود لها الفضل تاريخيا في بقاء الحزب الدستوري الذي قاد حرب الاستقلال ضد المستعمر الفرنسي، واستمرار الوجوه الأساسية التي لا تزال محلّ ثقة، واستمرار الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية التي تضمّـنتها اللوائح، والتي هي اختيارات الحكومة، واستمرار التداخل والتشابك القوي بين الحزب والدولة، واستمرار بنية الخطاب السياسي والشعور بالثقة والتفوق، واستمرار أسلوب إدارة البيت الداخلي والشأن العام والعلاقة مع المنظمات والأحزاب والمجتمع المدني.

ثقافة الانصهار بين الحزب والدولة

إن الانسجام التام ميزة أخرى يتمتّـع بها الحزب الحاكم في تونس، حيث لا توجد في صفوفه خلافات معلنة أو مكبوتة تخُـصّ الالتفاف حول القيادة والعمل بكل قوة لمزيد دعم هيمنة الحزب على جميع دواليب الدولة والمجتمع.

فالثقافة السياسية التي ترسّـخت عبر عشرات السنين، وتصفها كل تنظيمات المعارضة بـ “ثقافة الحزب الأوحد”، لا تزال فاعلة ومُـحدّدة لعلاقة الحزب بمختلف الأطراف والفعاليات. لهذا، فإن الحديث الذي تناقلته بعض الأوساط حول وجود صراع أو تنافس بين المتسابقين إلى اللجنة المركزية، لا يرتكز على تباين في وجهات النظر حول قضايا جوهرية تتعلق بواقع الحزب ومستقبله، بقدر ما هو نتاج لتناقضات جهوية أو مصلحية أو شخصية، ونزعة طبيعية نحو التّـشبيب وضخّ دماء جديدة في الحزب.

فكل حزب يبقى في الحكم مدة طويلة، تشقه حتما تجاذبات أصحاب المصالح، ويُـصاب بالضرورة بأمراض السّـلطة، خاصة في غياب صحافة حرة ومعارضة قوية ومجتمع مدني مستقل وفاعل.

ومع ذلك، هناك البعض من أعضاء الحزب الحاكم من يتحدّث في الكواليس عن وجوب القيام ببعض الإصلاحات الداخلية. لكن اللافت للنظر أن الراغبين في إعادة ترتيب “البيت التجمّـعي” لم تُـرفع أصواتهم ولم يُـشكّـلوا “جناحا” واضح المعالم.

ويعتقد معظم خبراء الاقتصاد التونسيين بأن التحدي الاقتصادي سيُـغطي في المرحلة القادمة الملف السياسي، أو على الأقل سيُـحدّد مساراته وتداعياته.

فتراجع نسبة النمو بشكل حاد خلال السنتين الماضيتين، لم يفقد البلاد توازناتها الاجتماعية والمالية، لكنه أثّـر على مدى حساسية الاقتصاد التونسي، وشدّة تأثّـره بأي طارئ يُـدخل ارتباكا ما على الاقتصاد العالمي.

تحديات كبيرة في مرحلة حاسمة

وإذا كانت العلاقات بين السلطة والاتحاد العام التونسي للشغل، النقابة الرئيسية في تونس، لا تزال مستقرة ولم تخرج عن مجال السيطرة، إلا أن أصوات النقابيين تزداد ارتفاعا بسبب تدهور القُـدرة الشرائية للطبقات العاملة، وتداعيات سياسة تخصيص المؤسسات العمومية، وتفاقُـم مُـعضلة البطالة بدون حلول جذرية.

فنسبة اللجوء إلى الإضراب في تزايد ملحوظ، ونزوع النقابات والاتحادات الجهوية نحو “الاستقلالية” مستمر، رغم حرص المركزية النقابية على تجنّـب الدخول في أي مواجهة مع الحكومة.

فقد قدّم الأمين العام للاتحاد، عبد السلام جراد، تهانيه للرئيس بن علي بإعلانه الترشح للرئاسيات القادمة، واعتبر أن الحزب الحاكم “شهد نقلة تحديثية هامة”، وأكّـد بالخصوص على أن “نجاح المقاربة التونسية للتنمية فنّـد أقوال التيار المشكّـك فيها”. ومع ذلك، فإن الحركة النقابية التونسية لا تزال تبحث عن نفسها في ضوء اشتداد رياح العولمة، واستمرار المطالبة بإصلاحات جذرية لأوضاع الاتحاد.

معارضة مشتّـتة وغياب البدائل!

أما بالنسبة لتيارات وأحزاب المعارضة السياسية، فهي تقف بعد مؤتمر “التجمّـع” أمام استراتيجيتين:

– تستند الأولى على الأوضاع الراهنة للبلاد وحقيقة القوى السياسية والاجتماعية، وتعتبر أن الحديث عن التداول السلمي والديمقراطي على السلطة سابق لأوانه، وبالتالي، فهو مُـهمّـة غير مُـمكنة في المرحلة الحالية. ويعتقد أصحاب هذه الاستراتيجية أن المطلوب هو “ممارسة الضغط” من أجل تحقيق قدر أعلى من الإصلاح السياسي. لكنهم مختلفون حول أساليب هذا الضغط، وحول سقف هذه الإصلاحات.

وقد سعت المعارضة البرلمانية أن تُـمارس نوعا من “المقايضة السياسة” مع السلطة، حين حاولت إقناع الحكومة بضرورة التراجع عن مسألة معاقبة كل تونسي يُـدلي بتصريح لإحدى وسائل الإعلام الأجنبية أو المحلية الخاصة أثناء الحملة الانتخابية، باعتبار أن قانونا من هذا القبيل لا يخدم السلطة ويتناقض مع الحق في حرية التعبير.

لكن جهود هذه المعارضة باءت بالفشل، وكل ما حققته هو إلغاء عقوبة السجن والترفيع في الغرامة المالية إلى حدود 25 ألف دينار. لهذا، تستمر هذه الأحزاب في التعبير عن أملها عن اتخاذ السلطة إجراءات سياسية تسبق الانتخابات، وتنقي المناخ، وتشعر الجميع بأن البلاد ستدخل فعلا مرحلة جديدة.

– أما الاستراتيجية الثانية، فتطرح الانتقال فورا إلى مرحلة فرض البديل السياسي، بحجّـة أن نظام الحكم قد استنفد أغراضه. لكن أصحاب هذا الرهان يجدون صعوبات وتعقيدات لإقناع حُـلفائهم الموضوعيين بسلامة تحليلهم. وقد كشفت ندوة التأمت في يونيو الماضي بفرنسا وشاركت فيها العديد من الشخصيات والتيارات السياسية المعارضة، المعترف بها والمحظورة، عن نوعية القضايا التي لا تزال عالقة وحجم المشكلات المعقدة التي تواجه أصحاب هذه الاستراتيجية لجمع فصائل المعارضة حول برنامج الحد الأدنى. لهذا، يطالب البعض بضرورة الالتزام بالواقعية السياسية، وتجنّـب القفز على الواقع.

وبين اطمئنان السلطة، الذي يصل إلى حدّ الثقة المُـطلقة بالنفس ورفض أي تشكيك مهما كان مصدره، لاختياراتها وأسلوبها في إدارة شؤون البلاد، وبحث المعارضات عن الاستراتيجية الأفضل للخروج من مأزقها السياسي، يقف التونسيون، وفي طليعتهم شرائح الشباب، متسائلين عمّـا قد يُـخفيه، المستقبل من مفاجآت في ظروف محلية وإقليمية ودولية تتّـسم بعدم الاستقرار وتراجع الموارد المُـتاحة.

ولئن لم تكن أولويات الشباب التونسي سياسية بالدرجة الأولى، فإن الذي يتطلّـع إلى الرّخاء والاستقرار الاجتماعي والحد الأدنى من المشاركة، ويتفاعل كل لحظة مع ما تُـمطره به الفضائيات والشبكات الإلكترونية، يصعب التكهّـن بردود أفعاله واستشراف ميولاته الحقيقية.

صلاح الدين الجورشي – تونس

تونس:
المساحة: 167 ألف كلم مربع
عدد السكان: 9،5 مليون نسمة
تاريخ الاستقلال: 20 مارس 1956
معدل الدخل الفردي السنوي: 2300 دولار

يعود تأسيس التجمّـع الدستوري الديموقراطي الحاكم في تونس إلى عام 1934، حيث أسسه الرئيس السابق الحبيب بورقيبة تحت مسمى الحزب الحر الدستوري التونسي الذي خاض حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي ونال استقلال البلاد عام 1956. وفي عام 1962، أصبح مسمى هذا التنظيم الحزب الاشتراكي الدستوري الذي رافق الرئيس الحبيب بورقيبة طوال ولاياته وحتى إزاحته لأسباب صحية يوم 7 نوفمبر 1987. وبعد تولّـي الرئيس زين العابدين بن علي السلطة، تغيّـر اسم الحزب مجددا ليُـصبح التجمع الدستوري الديموقراطي، الذي عقد من 28 إلى 31 يوليو 2003 مؤتمره الرابع. وتقول إدارة هذا الحزب إن عدد أعضائه يناهز المليونين…

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية