مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مؤتمر تاريخي لاكبر الاحزاب المغربية

المؤتمر السادس للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية محطة حاسمة في الحياة السياسية المغربية swissinfo.ch

تحتضن مدينة الدار البيضاء ابتداء من يوم الخميس، اهم مؤتمر في تاريخ اقوى الاحزاب المغربية. فبعد اثني عشر عاما، يعقد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مؤتمره الوطني السادس، وسط اهتمام الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين المغاربة.

فهذا الحزب الذي تأسس عام الف وتسع مائة وتسعة وخمسين واعطى المغرب نخبته السياسية والثقافية، يقود منذ عام ثمانية وتسعين اول حكومة تناوب في تاريخ المملكة، التي جاءت تتويجا لخمس سنوات من المفاوضات المتعثرة بين القصر الملكي من جهة والاتحاد الاشتراكي وحلفائه من جهة اخرى.

واذا كانت الحكومة تتكون من تحالف سبعة احزاب ووزاء القصر، فإن موقع الاتحاد الاشتراكي فيها (الرئاسة و ثلث الحقائب) يعطي اهمية خاصة لما سيتخذه مؤتمره من قرارات، نظرا لانعكاسها بشكل واضح على اداء الحكومة وتنفيذ برامجها التنموية والاصلاحية ومصير البلاد عموما، تمهيدا للاستحقاقات الدستورية المتمثلة بانتخابات عام الفين واثنين.

ولذلك كان مؤتمر الاتحاد، محل اهتمام مختلف الفاعلين في المغرب ومحيطه والمعنيين بأوضاعه وتابع الجميع ما شهده الحزب من نقاش داخلي احتد احيانا منذ الاعلان عن انطلاق العد العكسي لانعقاده.

النقاش الداخلي كان ساخنا وكان للصحافة دور هام في تسخين هذا النقاش، الذي لم يبق حبيس أطر الحزب وهياكله. ولم تكتف الصحف بنشر التقارير عن الحدث، بل اجرت حوارات مع مسؤولين اتحاديين يحملون وجهات نظر متباينة حول عدد من القضايا المتعلقة بالشؤون الداخلية للحزب او بتسييره للحكومة وتدبير الشأن العام وقضايا البلاد المتعددة الوجوه، وابرزها قضية الحريات العامة والاستعداد للانتخابات التي تعتبر المهمة الاساسية للحكومة الحالية بالنسبة للاتحاديين بمختلف مشاربهم.

عقد المؤتمر يعتبر انجازا في حد ذاته، اذ تصاعد التشكيك في امكانية اجرائه لاسباب عديدة. اولها تأخره عن موعده القانوني لاكثر من تسع سنوات وظروف صعبة مرت بها قيادته طيلة التسعينات، مثل رحيل زعيمه عبد الرحيم بوعبيد سنة اثنين وتسعين واستقالة كاتبه الاول عبد الرحمن اليوسفي ما بين عامي ثلاثة وتسعين وخمسة وتسعين. تضاف الى ذلك ظروف البلاد والتعديلات الدستورية التي اقرت عامي اثنين وتسعين وستة وتسعين، اضافة الى اجراء الانتخابات البلدية عامي اثنين وتسعين وسبعة وتسعين، والتشريعية عامي ثلاثة وتسعين وسبعة وتسعين، ثم تشكيل حكومة التناوب.

وتصاعد التشكيك في امكانية عقد المؤتمر بعد تأجيل اول موعد حدد له في ابريل نيسان لعام تسعة وتسعين، وكذلك تأجيل المواعيد اللاحقة. لكن انطلاق لجنة الاحصاء التابعة للجنة التحضيرية للمؤتمر في انجاز عملها من خلال اجراء مسح كامل للمنتمين للحزب، بدد كل الشكوك واكد ان يوم التاسع والعشرين من مارس هو الموعد المؤكد لعقد المؤتمر.

اعد الاتحاديون مؤتمرهم وهم يستحضرون كل ما حملته السنوات الاثنى عشر التي فصلتهم عن المؤتمر الخامس من تطورات وخلافات داخلية وكل ما شهده المغرب من تحولات وتطورات. ولعل اساس النقاش تمحور حول مشاركة حزبهم لاول مرة منذ تشكيله في الحكومة وانتقاله من المعارضة الساخنة في كثير من الاحيان، ليس فقط الى تأييد الحكومة والمشاركة فيها، بل الى قيادتها. هذا النقاش الحزبي الواسع ربط المرحلة السابقة بما شهده الحزب طيلة السنوات الماضية من خلافات حزبية داخلية وصلت الى حد الحديث احيانا عن امكانية انشقاقات واسعة في صفوفه.


لكن كفة الحريصين على عقد المؤتمر في موعده لم ترجح الا بعد نشر وثيقة نسبت الى الفقيه محمد البصري، المعارض الشهير المحسوب على التيار المتشدد في الحزب والمتحفظ على المشاركة بالحكومة، تحدث فيها عن دور رموز حزبية تاريخية امثال بوعبيد واليوسفي في محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها الجنرال محمد اوفقير ضد الملك الحسن الثاني عام اثنين وسبعين.

نشر الوثيقة وتداعياته، احرج اليوسفي كرئيس للحكومة لمنعه الصحف التي نشرتها او تحدثت عنها، لكنه سمح له في المقابل من الحصول على زعامة فعلية للحزب التي كان يبحث عنها منذ ان اصبح كاتبا اولا للاتحاد الاشتراكي.

لذلك تسارعت الخطى لاستكمال الاستعدادات بإنهاء لجنة الاحصاء لمهمتها واجراء انتخابات اعضاء المؤتمر، الا ان التيار المتشدد، الذي ادرك الضرر الذي الحقته به وثيقة البصري، لم يستكن الا بعد الاعلان عن النتائج النهائية للاحصاء، وعندها انطلق تبادل الاتهامات بين الاطراف الحزبية، لكن ذلك لم يحل دون الاستمرار في التحضير للمؤتمر.

يوم الخميس التاسع والعشرين من مارس اذار الفين وواحد، هو يوم الاتحاد الاشتراكي، وسينصت المؤتمرون والضيوف لكلمات كثيرة، قد لا تحمل الجدي في طياتها، لكن الجديد سيتمخض عن القرارات التي ستصدر عن اعمال اليومين اللذين سيليانه وما ستسفر عنها من هياكل تقريرية وتنفيذية ستشد اليها الاهتمام داخل المغرب وخارجه مستقبلا.


محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية