مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

متسناع في الميزان الفلسطيني

إذا كان أحد لا يشك في صدق نوايا عمرام متسناع، فإن هناك شكوكا كثيرة حول قدرته على الفوز في الانتخابات المقبلة Keystone

بعد أن حسم حزب العمل الإسرائيلي وضعه بانتخاب عمرام متسناع زعيما له خلفا لبنيامين بن اليعازر، تتواصل حملة القيادة في تحالف الليكود بين رئيس الوزراء ارييل شارون ووزير الخارجية بنيامين نتانياهو.

ويتساءل الإسرائيليون والفلسطينيون عن حظوظ الحمامة متسناع في الفوز في الانتخابات العامة المقبلة.

يثير هدوء عمرام متسناع، زعيم حزب العمل الجديد فضول الإسرائيليين: أهو قناع القوة أم مجرد التباس وحيرة؟ الفضول ذاته يلح أكثر، ومن زاوية أخرى، على الساحة الفلسطينية التي تبحث عن لحظة انقشاع الضباب كاملا عن البرنامج السياسي لهذا الحمائمي الرصين القادم إلى زمن الحرب والتهور.

فمنذ دخوله السباق على منصب رئيس حزب تيار يسار الوسط الذي انقلب إلى جهة اليمين المتشدد خلال فترة التحالف مع الليكود، وهذا السياسي الإسرائيلي لا يحيد عن التأكيد على ضرورة نسيان خيار القوة العسكرية والانخراط في مفاوضات مباشرة دون قيد أو شرط، حتى وإن تم ذلك تحت النيران.

طبعت هذه العبارات التي ظلت تتردد مع كل فرصة سانحة للتعبير، الجنرال المتقاعد وقائد القوات الإسرائيلية الأسبق في الضفة الغربية بسمة الاعتدال، لا بل إنه غدا “ديغولا” منتظرا لدى بعض أركان القيادة الفلسطينية الذين هرعوا لتنشيط قنوات الحوار والاتصال مع معسكر السلام في الدولة العبرية.

ورغم أن البنود الرئيسية لخارطة متسناع السياسية تشمل معظم قضايا السلام الأساسية، إلا أنها، وإن صيغت في إطار جديد وفي لغة غير معهودة، في بعض جوانبها، حتى على حزب العمل ذاته، فإنها لازالت تقتضي توضيحات أكثر في مسائل جوهرية.

إن الخطاب السياسي لقائد حزب العمل الجديد يخلو حتى اللحظة من أي إشارات واضحة إلى قضية اللاجئين، وهي المسألة التي ألحت كثيرا على مفاوضات كامب ديفيد في صيف عام 2000 قبل أن تعجل في إفشالها.

وإذا كان هناك في إسرائيل وبين الفلسطينيين، من يعتقد بصدق نبوءة سلام متسناع التي حملها معه منذ كان جنديا شابا إبان حرب يونيو 1967، فإن هناك أيضا من يخشى على الإداري الناجح والعسكري الجسور أن يسقط في امتحان القبول خارج ساحات الحزب الذي ضيع آخرين محنكين من سلفه.

وربما كانت تلك المقاربة المتعلقة بشرط الأمن أولا، أو ما يوصف دوما بأنه معادلة البقاء ودستور السياسة الإسرائيلية، قد تكون هي ذاتها كلمة السر نحو الصعود أو الأفول. وفي تفسير ذك، أن متنساع خرج في هذه القضية عن سنة من سبقوه في صفي اليمين أو يسار الوسط.

التخوفات

وفي حين نجح متنساع في إشاعة أجواء التفاؤل لدى الفلسطينيين، فإن المؤشرات تقول إنه لن يخرج عما تم التوصل إليه في كامب ديفيد وطابا وما تلاهما من أفكار بيل كلينتن، خصوصا مع اختلاف فتاوى الجانبين حول حقيقة ما تم التوصل إليه خلال هذه المفاوضات.

ومقابل ذلك، تسود مخاوف حول التعديلات التي سيطرحها في قضية الحدود، والخشية من قضية شكل الدولة الفلسطينية، ومسألة الانسحاب من طرف واحد في حال عدم التوصل إلي اتفاق، وهي مسألة لا يمكن فهم تداعياتها تماما.

وتبقى أيضا تداعيات استمرار العمليات الانتحارية التي تشنها حركات إسلامية داخل إسرائيل. هنا يريد معسكر متسناع أن يقدم الفلسطينيون جائزة بوقف العمليات، تسمح لصاحب الأفكار المعتدلة بحقن دم جديد في صفوف اليسار الإسرائيلي.

ثمة أوجه توحي باستعادة فترة الحملة الانتخابية لرئيس وزراء إسرائيل السابق العمالي ايهود باراك، حيث عرض الرجل على أساس أنه المخلص الوحيد لعملية السلام بعد اغتيال رابين، وفشل بيريز وتشدد نتانياهو.

الصورة لم تكتمل بعد، لكن الملامح ترتسم في المخيلات مع فارق عامين ونيف من شلال الدماء ومتسناع يُسِـرُّ لاتباعه أنه ليس مكملا لباراك بل لرابين. وفي إسرائيل تتكرس نظرية جديدة مفادها، أن كل من جاءوا بعد رابين في حزب العمل، ما لبثوا أن تعثروا بسرعة.

أركان البرنامج

قد يكون انعدام الضغوط تقريبا لعب دورا إيجابيا في منح القائد الجديد فرصة لإطلاق برنامج سياسي غير معهود. فتصريحاته المتعلقة بالتفاوض دون شروط، ونظرية الحل خارج إطار القوة حطت على مدرج السياسة الإسرائيلية دون إثارة أي زوابع.

في إسرائيل يقولون الآن، إن أولئك غير المعروفين يملكون فرصا أكثر في التقدم، وهذا ما كان من نصيب متنساع الذي دخل الحلبة والجمهور يغالبه التعب، فراح يسدد الضربات يمينا وشمالا في قضايا أقل ما توصف أنها جدلية، مثل المستوطنات والانسحابات الفورية، كل ذلك دون أي صخب أو ضجيج.

ولم تنته المسائل عند الإعلانات الصريحة. ففي الوقت الذي أوضح فيه الرجل موقفه من قضايا الاستيطان والتفاوض دون شروط، وحول مسألة الانسحابات، إضافة إلى تلميحات عن القدس، فإنه تجنب الحديث المباشر والصريح عن مسائل شائكة ومعقدة مثل اللاجئين وحق العودة، وحتى شكل الدولة الفلسطينية التي يوافق عليها.

هنا تغيرت الصورة، وما عاد الثبات والوضوح يأخذ ذات القسط من الإقدام والصراحة، كما في معالجة الاستيطان والانسحابات. وفي حين يبدو متسناع واضحا وصلبا في الإعلان عن ضرورة الانسحاب الفوري من غزة ومعظم الضفة الغربية، وتفكيك غالبية المستوطنات في الضفة وجميعها في غزة، فإن مسألة اللاجئين ظلت دون أي إشارة.

يمكن القول أن تناول بند اللاجئين بنفس مستوى الصراحة والجرأة في قضايا أخرى كما زال بعيدا وصعبا حتى على أشخاص من عيار متنساع في إسرائيل، ربما كانت مسألة الحذر والحاجة إلى دروع إضافية في مهمة شق صفوف اليمين واليسار على حد سواء.

لكنن هناك ما هو غير ذلك أيضا، ومن خلف الكواليس، ترشح معلومات أن متسناع يريد أن يقايض اللاجئين وحق العودة، مقابل إخلاء المستوطنين من الأراضي المحتلة، وهو الذي وصف هؤلاء في إحدى مقابلاته أنهم ذووا قيم وأصحاب مبادئ، وليس من الصعب محاورتهم.

إلى جانب عملية المقايضة، فإن هناك أيضا ما يشير أن مستناع مُطلع على التفاهمات التي توصل إليها النشط السياسي الفلسطيني ساري نُسَيبَـة ورجل الأمن الإسرائيلي السابق عامي ايلون، والتي ترتبط على أساس طمأنة إسرائيل أن حق العودة للاجئين الفلسطينيين لا يعني “استيطان” أراضى إسرائيل.

هشام عبد الله – رام الله

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية