مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

محاولة الثبات وسط الهزّات

محمود عباس (أبو مازن) رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ومرشح حركة فتح لانتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية في 9 يناير 2005 swissinfo.ch

لا يتردد البعض في التصريح بأنه يليق بالفلسطينيين المنتقلين إلى عهد ما بعد الزعيم التاريخي ياسر عرفات، أن يحصلوا على شهادة تقدير عالية في حسن الأداء والثبات.

بيد أن استمرار هذا الاستقرار والتوازن معلق أيضا بأسباب أخرى.

في حين تُـواصل حركة فتح، محرك الفلسطينيين الرئيسي، إدارة عجلة القيادة بانسياب، نافية كل تكهنات الاقتتال والصراع على السلطة، يظل الموقف النهائي رهنا بانجلاء الضباب عن مسائل داخلية وخارجية.

ولعل ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني، لاسيما في إطار حركة فتح، ومن ثم العلاقات ومواقف حركات المعارضة الإسلامية وعلى رأسها حركة حماس، يبقى المؤثر الأساسي في تشكيل القيادة الفلسطينية المقبلة.

وفي بعض التفاصيل المهمة، إن إجراء الانتخابات الرئاسية ومعها أيضا الانتخابات التشريعية التي تُـطالب فصائل المعارضة بضرورة إنجازها، ما يؤشر على مستقبل القيادة الفلسطينية الجديدة وطريقة عملها.

ولا يمكن بأي حال، استبعاد موقف رئيس منظمة التحرير الجديد الذي سيتولى كذلك رئاسة سلطة الحكم الذاتي، من مسألة التعامل مع فلسطيني الشتات، وقدرته على تنظيم واستمرار عمل مؤسسات المنظمة في الخارج.

غير أن في الأسباب والعوامل الخارجية المتمثلة في موقف إسرائيل ومعها الإدارة الأمريكية، ما يضع قدرة القيادة الجديدة تحت رحمة إجراءات وسياسات هذين الطرفين المغرقين في التأثير على القضية الفلسطينية بشكل عام.

وإن كانت قائمة الأسباب والمؤثرات تتعدى هذا إلى دور القوى الإقليمية، بالذات مصر والسعودية، في التأثير سلبا وإيجابا على القرار الفلسطيني، فإن العلاقة هنا تبقى أقل عُـرضة للخطر والتغير، من غيرها من الأسباب والعوامل.

وليس بوسع القيادة الفلسطينية الحالية سوى أن تتحرك في مدار لا يمكن التنبّـؤ بمدى تغيير درجاته نحو الأفضل والأسوأ، لتظل حالة العمل الآنية محصورة بعملية تموضع جديدة وانتظار ما ستحمله الأشهر القليلة القادمة.

فتح أولا

ولعل المؤثر الأكبر في رسم السياسة الفلسطينية يظل بين يدي حركة فتح، الفصيل الأكبر على الساحة الفلسطينية، والذي ظل يدير دفة السفينة على مدار العقود الأربعة الماضية.

وقد تساعد الطريقة التي تحركت بها اللجنة المركزية للحركة منذ اللحظات الأولى لمرض الرئيس عرفات ثم وفاته وما بعد مماته، في توضيح كيفية إدارة قيادة الحركة للعملية السياسية، وللوضع الداخلي والخارجي.

لم يترك المنفذون في داخل اللجنة المركزية، وعلى رأسهم الطيب عبد الرحيم، أمين عام الرئاسة المطّـلع على أدق تفاصيل الحكم في عهد عرفات، مجالا ولا وقتا لأحد لاختراق هذه الجماعة القوية، التي كانت تقوّت بوجود عرفات، وأظهرت أنها تتماسك من بعده.

إذ تفيد المعومات والمصادر، أنه ومنذ الساعات الأولى التي أقعدت عرفات في الفراش وحتى نقله إلى باريس ومن ثم وفاته وجنازته، تولى عبد الرحيم ومعه فريق الرئاسة القديم زمام الأمور وأخذ المبادرة بيده.

لم تكن تلم مجرد مبادرة ملء فراغ ثم المُـضي إلى كرسي التقاعد، بل كانت دعوة واضحة إلى أركان مركزية فتح بأن تقف ثابتة، ليس فقط أمام الطامعين من جيل الحركة الجديد في الحكم، بل ولترسم ملامح عملية اتخاذ القرار في المستقبل أيضا.

وهكذا، عبر سلسلة اجتماعات متتالية على طريقة الرئيس الراحل، راحت اللجنة المركزية تفرض شروطها على فرسان فتح الجدد أولا، ثم على بقية الفصائل والحركات الفلسطينية، وطنية أو إسلامية.

ولم تجد المركزية أي عقبة في فرض رئيسها على اللجنة التنفيذية للمنظمة، ومن ثم ليكون مرشحها إلى رئاسة السلطة الفلسطينية ضاربة بعرض الحائط كل الانتقادات حول استمرار نهج وضع كل المناصب بيد رجل واحد.

تحرّكت مركزية فتح على نفس طريقة عرفات القديمة، ولم يشأ محمود عباس، الرئيس الفعلي الجديد للمنظمة وللسلطة ولفتح أيضا إضاعة الوقت، إذ تحرك فورا نحو غزة، حيث احتمال المواجهة الداخلية العنيفة.

تحرك داخلي ناجح ولكن..

وفي غزة هاشم، لم يكن بمقدور حادثة خيمة العزاء أن تنجح في ردع فتح عن طريقها، بل إن محمود عباس استطاع خلال لقاءات متتالية ومكثفة أن يُـلين موقف فصائل اليسار ويدفعها باتجاه قبول الانخراط لأول مرة في مؤسسات الحكم الذاتي من خلال قبولها بخوض انتخابات رئاسة سلطة الحكم الذاتي.

ولم يكن مثل هذا النجاح ممكنا دون المصالحة التي عقدها عباس بين رجلي السلطة وفتح القويين في غزة، اللواء موسى عرفات، مدير الأمن العام، والعقيد محمد دحلان، وكذلك بين مختلف أطراف تنظيم فتح في القطاع.

في لحظة مصالحة فتح تلك، تغلبت مبادرة عباس، المبرمجة أصلا في مقر المقاطعة برام الله، في اجتماع للجنة المركزية، على توقعات وتكهنات حركة المعارضة التي اعتقدت أن فتح ستنهار تحت وطأة الصراع على السلطة.

وقد كان رد فعل محمود الزهار، قائد حماس في غزة، الذي تراجع فيه عن موقف الحركة السابق بالمشاركة في الانتخابات المحلية المنفعل والمتوتر دليلا على انتصار فتح الداخلي على الأرض الفلسطينية.

ربما تسهم مشاركة اليسار في انتخابات الحكم الذاتي المقبلة في تقوية موقف حركة فتح، وفي تأكيد انتصارها في الانتخابات المقبلة.

لكن حماس، التي ستظل تراقب كيفية إدارة حركة فتح للعملية، ستتخذ عما قريب قرارها بالمضي في سياساتها، خصوصا بعدما أعلن رئيس المنظمة الجديد أن أي دخول وتوسيع للمنظمة سيتم وفق أنظمتها، وليس وفق شرط الراغبين أو كما تريد حماس.

ستظل أسباب نجاح فتح أو لجنتها المركزية القوية التي رفضت الانصياع لفرسان الحركة الجديدة، منوطة بنتائج ما بعد الانتخابات المقبلة عندما يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وتعلن إسرائيل ومعها الإدارة الأمريكية شروطا جديدة للتسوية.

وستبقى قوة رئيس المنظمة الجديد رهنا أيضا بقدرته على التعامل مع جمهور الشتات، وعلى توفير الإمكانيات المالية لاستمرار المؤسسات الخارجية التي تعيل عشرات آلاف اللاجئين والموظفين والمقاتلين القدامى.

يمكن القول أن ثمة صورة ثابتة ترسمها قيادة الفلسطينيين الجديدة بعد غياب عرفات، لكن مستوى الوضوح يحتاج إلى ما هو أكثر من لجنة مركزية قوية في حركة فتح.

هشام عبد الله – رام الله

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية