مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

محليات الجزائر.. مشاركة محدودة ورهانات شبه غائبة

نورالدين الزرهوني، وزير الداخلية الجزائري خلال الندوة الصحفية التي عقدها يوم 30 نوفمبر 2007 في فندق الأوراسي بالجزائر العاصمة للإعلان عن نتائج الانتخابات الولائية والبلدية Keystone

أبدى نور الدين يزيد زرهوني، وزير الداخلية ارتياحا بالغا بنتائج الانتخابات المحلية والولائية (المحافظات) التي جرت يوم الخميس 29 نوفمبر 2007.

وأكد في نفس الوقت أن جهود الدولة والأحزاب السياسية لم تذهب أدراج الرياح، بعد أن تمكنت من إقناع 44% من الجزائريين، بالتوجّـه إلى صناديق الاقتراع.

يبدو من النتائج المُـعلنة، أن الائتلاف الحاكم قد أكد قُـوَّته على الساحة السياسية، ويتعلق الأمر بحزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السِّـلم الإسلامية، غير أن “حزب الجبهة الوطنية الجزائرية” قد وجد لنفسه مكانا بين الثلاثة الأوائل ودفع بحركة “حمس” إلى المركز الرابع، فيما خطف منها مركزها التقليدي الثالث.

وأرجع وزير الداخلية هذا الأمر إلى ما وصفه بـ “لجوء المناضلين المحتجِّـين من جبهة التحرير والتجمع الوطني إلى الجبهة الوطنية، بعد المشاكل التي عرفها الحزبان قبل الحملة الانتخابية، ويبدو لي أن السعيد تواتي، رئيس الحزب قد عرف كيف يستغل شعور المحتجِّـين”، على حد تعبيره.

ويضيف زرهوني: “لا يمكننا اعتبار ما جرى تقدّما حِـزبيا، بالمعنى النضالي، بل لابد من التحقق من الأمر في المستقبل، لأن اعتبار الجبهة الوطنية الجزائرية قوة سياسية جديدة، سابق لأوانه قبل معرفة كل تفاصيل هذا الفوز المُـهم الذي حقّـقه خلال الانتخابات البلدية”.

الاستثناء الذي يؤكد القاعدة

وبطبيعة الحال، لا زال حزب جبهة التحرير الوطني، أكبر حزب في البلاد، رغم أنه فقد قُـرابة 80% من قوته، تماما كما هي الاستثمارات الفرنسية في الجزائر والتي نزلت بدورها عن حاجز 20%، لتصبح كأي دولة أخرى تستثمر في الجزائر، ولم تعد تلك الدولة الاستعمارية القديمة، التي إن أغلقت الأبواب، جاع الجزائريون.

فكذلك الأمر على الساحة الحزبية. فرغم أن جبهة التحرير تحتل المركز الأول، لم يمنع هذا من تسجيل نقاط في غاية الأهمية، أولها، أن نتائج الانتخابات الحالية كانت أدنى من نتائج الانتخابات المسجلة في عام 2002، أي عندما كان علي بن فليس، القائد الأول لسفينة الحزب.

وثانيها، أن جبهة التحرير الوطني مضطرة للعمل مع كل الأحزاب الأخرى في البلديات، التي لم تفُـز فيها بالأغلبية المطلقة، وهي تعد بالمئات، وهذا في حدّ ذاته يمثل مشكِـلة كبيرة، لأن توجيهات الحزب لن تنال حقها من الالتزام وسط مجلس بلدي لا تمثل فيه الجبهة إلا 30% منه، وسط ادِّعاء خفيف بالأغلبية لا فائدة عملية منه.

أما ثالثها، فهو الضُّـعف الهائل في التمثيل النِّـسوي، وبسبب جبهة التحرير الوطني، اعتمدت التيارات الأخرى نفس الأسلوب في تحييد السيدات عن التنافس، رغم أن وزارة الداخلية قد أصدرت تعليمات تُـفيد بضرورة تدعيم القوائم بالسيدات، كي يتغير الشكل السياسي العام وكي تربح الجزائر بعض النقاط في عيون المجتمع الدولي.

وشذت عن القاعدة سيدة واحدة في حزب جبهة التحرير الوطني، وهي السيدة سعيدة بوناب، التي حصلت على أغلبية مُـريحة في بلدية القبة، أكبر بلديات العاصمة، والسيدة بوناب من ترشيح الأمين العام للحزب شخصيا، أي رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم.

ويبدو أن الاستثناء جاء ليثبت القاعدة! ففي حين اشتكى بلخادم من ضعف مستوى التمثيل النسوي بشكل عام، وخاصة في ميدانَـي القدرات السياسية والعلاقات العامة، فضَّـل أن يضع ثقته في السيدة بوناب، التي صرحت لسويس إنفو عقب فوزها: “أنا جد سعيدة بهذا الفوز وأتمنى أن أكون في مستوى المسؤولية التي أنا بصددها وأريد أيضا أن أحقق الرخاء لسكان بلديتي عبر جلب الاستثمار والمشاريع النافعة”.

بيت القصيد

هنا بيت القصيد، فكل بلديات البلاد، إما أنها تعاني من الديون وضعف الحيلة في جلب الاستثمار بسبب تقييد يد رئيس البلدية بقوانين تحرِّم عليه المرونة، وإما أنها تعاني من إحدى المشكلتين دون الأخرى، وهذا ما عبّـر عنه وزير الداخلية بأسلوبه الخاص قائلا: “إن رؤساء البلديات يتصرّفون خارج الأطر القانونية، ولكننا سندرُس في الأشهر المقبلة أحسن السُّـبل لتغيير الوضع، لأن الشكوى منه كبيرة، وقد ثبت وجود بعض الخلل”.

إلا أن ما ميّـز الحملة الانتخابية هذه المرة فقد كان مؤشرا على الوزن الكبير الذي يملكه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة داخل الأحزاب السياسية، فالقرب والبعد منه، يحدِّد الانشقاق والوحدة داخل أي حزب، وأكبر مثال على هذا، هو مناداة عبد العزيز بلخادم، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني بعُـهدة ثالثة للرئيس الجزائري وبتعديل دستوري يسهِّـل هذا الأمر.

أما داخل جبهة التحرير، فإن جناح الإطارات الشابة، وهو بأغلبيته الساحقة معارض لبوتفليقة ومؤيد لعلي بن فليس، الأمين العام السابق، قد أعرب عن غضبه من هذا الأسلوب لأن معناه إبقاء الأمور على حالها خمس سنوات أخرى بعد 2009، وهو الموعد المرتقب لإجراء الانتخابات الرئاسية.

وأما في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، فالفهم مختلف، أي أن بلخادم لا حق له في استعمال اسم الرئيس خلال حملة انتخابات بلدية، وأن اسم الرئيس مشترك بين الجميع، وبالتالي فهم بعض العارفين أن أحمد أويحيى لا يملك نفس معطيات بلخادم، الذي قد يكون تصرّف من تِـلقاء نفسه، دون الالتفات إلى نصائح هذا وذاك.

الأغلبية الصامتة

ثم على فرضية تعديل الدستور، فإن بوتفليقة سيكون رئيسا للمرة الثالثة على التوالي، ومعه كل حاشيته (القادمة أساسا من غرب البلاد)، وكأن سرايا الحُـكم خالية من أهل الشرق ومن أهل الوسط ومن القبائل، الذين يريدون جميعا خوض تجربتهم في ممارسة الشأن العام ولا يُخفون رفضهم لأن تتكلّـس الأمور كتكلُّـسها في مصر أو تونس وغيرها، وكأن مسألة الجهوية والقبلية والعائلية والعشيرة، قد انتهت إلى غير رجعة.

لذا، يبدو أن تصريحات بلخادم سابقة لأوانها، ليس من حيث الرغبة في التعديل الدستوري ووضع مادة تنُـص على ثلاث عهد لا عهدتين، إلا أن أصحاب الكلمة الأخيرة لم يُـسمع بعدُ رأيهم بشأن مَـن سيكون المرشح أو لا يكون، وقد تتحول التعديلات الدستورية في صالح الخَـصم الذي يُـراد الإطاحة به الآن…

على أن مشكلة الجميع في الجزائر هي الأغلبية الصامتة، فقد أثبتت الانتخابات البلدية الأخيرة أن عشرة ملايين جزائري من أصل ثمانية عشر مليونا، لم يُـصوِّتوا على أي من القوائم والمرشحين، وهذه الغالبية لا تُـصوِّت غالبا، ومنها مجهول المعادلة السياسية والاقتصادية والأمنية، بل ويمكن تفسير نسبة 40% المسجلة، أنها تمثل أقصى نسبة مشاركة يمكِـن الوصول إليها، إذا ما أقحمنا كل المصالح الاجتماعية والحزبية والاقتصادية والسياسية والجهوية والعائلية في مكان واحد، ليبقى الصامِـتون الآخرون، المجهول الكبير الذي يتقاسم فيه الأمل والخيبة مكانا واحدا.

هيثم رباني – الجزائر

الجزائر – حقق حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري فوزا منقوصا في الانتخابات المحلية أول من أمس في الجزائر، حيث فقدت الجبهة التاريخية الأغلبية المطلقة في ثلث المجالس البلدية رغم فوزها بالأغلبية على المستوى الوطني.

وبحسب النتائج الرسمية، التي أعلنها يوم 30 نوفمبر وزير الداخلية الجزائري يزيد زرهوني، فإن حزب جبهة التحرير، الحزب الواحد سابقا، فاز بـ 4201 مقعد على المستوى الوطني في الانتخابات البلدية، غير أنه خسر الأغلبية المطلقة في 507 من 668 بلدية، كان يهيمن عليها سابقا، ولم يحتفظ حزب جبهة التحرير الوطني (وطني) بالأغلبية المطلقة إلا في 161 بلدية من إجمالي بلديات الجزائر البالغ عددها 1541 بلدية، لكن الحزب يملك أغلبية نسبية مريحة في 294 بلدية لم يعد بإمكانه إدارتها، دون دعم حليفيه في التحالف الرئاسي، وهما التجمع الوطني الديمقراطي (ليبرالي) وحركة مجتمع السلم (إسلامية).

وفاز التجمع الوطني الديمقراطي بـ 3426 مقعدا على المستوى الوطني ونال الأغلبية المطلقة في 107 بلديات، في حين فازت حركة السلم بـ 1495 مقعدا وسيطرت على 16 بلدية، وهما على التوالي ثاني وثالث القوى الممثلة في البرلمان الجزائري.

وكانت مفاجأة هذه الانتخابات، التي تتمحور حول القضايا المحلية، الجبهة الوطنية الجزائرية (وسط) التي فازت بـ 1578 مقعدا على المستوى الوطني متفوقة على حركة مجتمع السلم، التي شهدت تراجعا واضحا مقارنة بنتائجها في انتخابات 2002.

وحصلت الجبهة على الأغلبية المطلقة في 15 بلدية بالتساوي مع المستقلين، وكانت أحرزت تقدما انتخابيا هاما في الانتخابات التشريعية في شهر مايو الماضي.

وسجل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (معارضة علمانية) بزعامة سعيد سعدي، الذي كان قاطع الانتخابات المحلية 2002 للاحتجاج على القمع في منطقة القبائل، عودة قوية في هذه المنطقة، وحصل على 4.33 بالمائة وفاز بـ 605 مقعدا على المستوى الوطني، وحاز الأغلبية المطلقة في 12 بلدية تقع في منطقة القبائل وأغلبية نسبية في 32 بلدية أخرى.

وفازت منافسة التجمع من أجل الثقافة، جبهة القوى الاشتراكية بزعامة حسين آيت احمد بـ 566 مقعدا على المستوى الوطني وهيمنت على 12 بلدية، خصوصا في منطقة القبائل وحازت أغلبية نسبية في 23 بلدية أخرى.

أما حزب العمال (يسار) بزعامة لويزة حنون، الزعيمة الحزبية الوحيدة في الجزائر، فقد فاز بـ 6.85 بالمائة من الأصوات وبـ958 مقعدا على المستوى الوطني، ونال الأغلبية المطلقة في ثمان بلديات وأغلبية نسبية في 25 بلدية أخرى.

وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية 44% وانتخابات المجالس الشعبية الولائية 43.45% من 18 مليون ناخب مسجل، وفق ما أفاد به وزير الداخلية الجزائري.

ورغم ضعف نسبة المشاركة، فإنها شهدت ارتفاعا مقارنة بالانتخابات التشريعية في 17 مايو الماضي، التي شهدت أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات في الجزائر حين بلغت 36%.

وأعربت أغلب الأحزاب المتنافسة عن رضاها بشأن “حُـسن سير” اقتراعي أول، مشيرة إلى أنها “لم تلحظ تجاوزات كبيرة، عدا عن بعض التجاوزات المحدودة في بعض مراكز الاقتراع”.

(المصدر الوكالة الفرنسية للأنباء أ.ف.ب. بتاريخ 1 ديسمبر 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية