مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مظاهر تدهور في الوضع الداخلي الفلسطيني

الملاسنة الحادة الاخيرة بين الرئيس عرفات والعقيد الرجوب، يسار الصورة، لفتت انتباه الصحافيين والمراقبين لاسباب عديدة Keystone

التدهور المتواصل في الوضع الفلسطيني–الإسرائيلي، او حالة عملية السلام، لا يقتصر على المظاهر السطحية المتمثلة في التدهور الامني اليومي بل تشمل كذلك مظاهر تدهور او انهيار في جوانب أخرى اعمق وربما اكثر خطورة..

إن التغير في المزاج السياسي للجمهورين الفلسطيني والإسرائيلي بما فيه تراجع الثقة بين الشعبين وتزايد التأييد للعنف والعداء هو مظهر أول. كما أن انتقال المعارضة لعملية السلام في إسرائيل من معارضة للحكومة الى حكومة هو مظهر ثان. أخيرا يسجل مزيد من التراجع في تأييد الرأي العام الفلسطيني لعملية السلام وتنامي قوة المعارضة مقرونا بمظاهر تفسخ وعدم انسجام في داخل معسكر السلام الفلسطيني بما فيه او نواته السلطة الفلسطينية وحركة فتح.

المراقب الغير منفعل للأوضاع الداخلية الفلسطينية يستطيع ان يلاحظ ثلاثة مظاهر تدهور داخلية وخاصة في داخل معسكر السلام وربما ان جميعها ناتجة عن اختلال التوازن المستمر بين معسكري السلام والمعارضة لصالح الثاني.

أولها البلبلة السياسية، فبعد التباين في الاجتهادات بين بعض أعضاء الوفد الفلسطيني الى كامب ديفيد حول طريقة تعامل القيادة مع تلك المفاوضات وبعد حوالي سنة واشهر من الصراع الدامي مع إسرائيل، والذي جعل النقاش حول كامب ديفيد غير ذا بال، بدأت في الأشهر الأخيرة بلبلة سياسية في داخل القيادة نفسها.

البداية كانت مع مدخل الدكتور سري نسيبه الجديد في التعامل مع قضايا هامة بما فيها مسائل اللاجئين والمستوطنات والقدس. ففي الأسابيع القليلة الماضية ظهرت مجموعة مقالات لشخصيات بارزة توجت بمقال للرئيس عرفات تضمن لغة جديدة ومفاهيم جديدة لطرح جزء من المواضيع السياسية (مثل دمج المفهوم الديمغرافي في إطار حل مسالة اللاجئين)، ولقد أثارت هذه النقطة من مقال الرئيس عرفات في صحيف نيويورك تايمز كثيرا من عدم الارتياح والبلبلة للشعب الفلسطيني لأنها تمثل خروجا عن المفهوم الفلسطيني الرسمي لحل مشكلة اللاجئين.

أما ثاني مظاهر التراجع في الوضع الفلسطيني الداخلي وبالذات ضمن معسكر السلام فيه هو ان قدرة القيادة على القيادة آخذة في التراجع. ومن مظاهر ذلك إهمال السلطة والقيادة عموما لمهمة إدارة شؤون المجتمع مثل الأمن الداخلي وفرض النظام والقانون. كذلك الفشل في توزيع أعباء الانتفاضة الاقتصادية على قطاعات الشعب المختلفة وبقائها على كاهل الفئات الأضعف.

تراجع في التماسك السياسي الداخلي

وبالطبع تقلل هذه الاخفاقات من الثقة بالسلطة، وفي المحصلة يلعب ذلك دورا لصالح المعارضة الغير مطالبة أصلا بهذه المهمات لأنها ليست سلطة. ولا شك ان سبب هذا العامل مزيج من أمرين، السياسة الإسرائيلية التي تصعب على السلطة أداء هذه المهمات، حيث تضعف إسرائيل السلطة من اجل ان يلومها الجميع خارجيا وداخليا مما يشكل مساهمة إسرائيلية في هذا العامل أما الأمر الثاني فهو تركيبة هذه السلطة وسوء أدائها وذاتية عدد من أعضائه.

أما العامل الثالث فيتمثل في ازدياد التناقضات الشخصية وغير الشخصية بين أقطاب القيادة. ومن ابرز الأمثلة على ذلك الصراع الذي نشب في اجتماع المجلس الثوري لحركة فتح المنعقد في العاشر من شهر شباط فبراير الجاري بين أشخاص يرغبون في حل كتائب الأقصى المشاركة في المقاومة المسلحة وبين الذين يرفضون ذلك.

كذلك من الأمثلة التوتر والحدة في العلاقة بين الرئيس عرفات والعقيد الرجوب في ليلة الثاني عشر من هذا الشهر وقبل ذلك بأسابيع كانت استقالة العقيد دحلان في غزة. وقبل بضعة شهور أدى خلاف بين الرئيس عرفات وابو مازن، الشخص الثاني في القيادة الفلسطينية، الى قطيعه بين الرجلين استمرت لأكثر من شهرين.

هذه فقط أمثلة بارزة كانت قد طفت للعلن وانتشرت بين الجمهور ولكن هناك الكثير من الحوادث المشابهة، ربما على مستوى اقل لكن جميعها يعبر عن تراجع في التماسك الداخلي السياسي الفلسطيني.

ومن بين كل هذه العوامل السلبية ومظاهرها المختلفة برزت حادثة الملاسنة الحادة بين الرئيس عرفات والعقيد الرجوب بشكل خاص. ولفتت انتباه الصحافيين والمراقبين لاسباب عديدة. منها ما عرف من ولاء الرجوب لعرفات، ومنها الحديث الكثير من قبل اسرائيلين عن وجود بدائل لعرفات في الساحة الفلسطينية، ومنها ان الرجوب يمثل القطاع الأمني والعسكري في السلطة، هذا القطاع الذي اخذ وزنا متناميا في السياسة الداخلية الفلسطينية.

ولكن في واقع الأمر، فان هذه الحادثة، وان جسدت مظهرا آخر مؤسفا وسلبيا، الا انها ليست بالخطورة التي وصفت بها. فقد تم تسوية الخلاف بعد يومين بإجراء مصالحة بين الرجلين وقد أمكن ذلك لأن الخلاف بينهما لم يكن حول قضايا سياسية بل حول كيفية إدارة الأمور الفلسطينية.

د. غسان الخطيب – القدس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية