مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

من يكون الرئيس القادم لمصر؟!

لم يعين الرئيس المصري حسني مبارك نائبا له منذ أن وصل إلى السلطة في خريف عام 1981.. Keystone

حرص الرئيس مبارك على الظهور على شاشة التلفزيون المصري مساء يوم 16 يونيو لينفي شائعات عن تعرضه لأزمة صحية رددتها وكالة أنباء غربية بالقاهرة بعد ظهر نفس اليوم.

لكن الحادثة أعادت الحديث مجددا – داخل مصر وخارجها – عن احتمالات الخلافة وحظوظ المرشحين المحتملين للمنصب.

على الرغم من نفي الرئيس المصري حسني مبارك، المتكرر، نيته توريث نجله جمال حكم مصر، ورغم تصريحاته المتعددة بأنه يفحص عددا من الأسماء المرشحة لشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، إلا أن جميع المصريين، خبراء ومحللين ومواطنين، يكادوا يجزمون بأن جمال مبارك سيكون أول رئيس مدني، وخامس رئيس جمهوري لمصر.

لم يقف الأمر عند نفي مبارك وحسب، بل إن جمال نفسه في حوار امتد قرابة ثلاث ساعات مع جمهور معرض القاهرة الدولي للكتاب في شهر يناير الماضي، قال ردًا عن سؤال حول إمكانية ترشيحه لرئاسة مصر أسوة بما هو سائد في العالم الآن، إنه “لن يسعى لترشيح نفسه كرئيس لجمهورية مصر بعد والده”، مشيرا إلى أن هذا غير وارد، حسب قوله، في دولة مؤسسات كمصر، ولا ينبغي أن يسرح البعض في الأوهام أو الخيالات.

ويشار إلى أن الدستور المصري ينص على أن يتولى رئيس مجلس الشعب (البرلمان) رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة في حالة وفاة الرئيس لمدة 60 يوما، على أن يختار مجلس الشعب خلال هذه المدة مرشحا لرئاسة الجمهورية، ويشترط لذلك حصوله على موافقة ثلثي عدد نواب البرلمان (454 عضوا)، ثم يتم طرح اسمه على الشعب للاستفتاء العام.

ظروف مبارك الصحية

لقد حرص الرئيس مبارك على الظهور على شاشة التليفزيون المصري مساء الأربعاء 16 يونيو الجاري لينفي شائعات رددتها وكالة أنباء غربية بالقاهرة بعد ظهر نفس اليوم، نقلا عن بيان وصلها عبر الفاكس من “مركز المقريزي للدراسات التاريخية” في لندن، والذي يديره الناشط المصري هاني السباعي، يؤكد أن مبارك “تعرض لأزمة صحية نُـقل على إثرها إلى إحدى مستشفيات الحرس الجمهوري مساء الثلاثاء 15 يونيو الجاري، وأنه توفي هناك” حسب زعمه.

وسارع مصدر رسمي مصري للتأكيد على أن مبارك قرر تقديم مقابلته مع المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع، والتي كان محددا لها صباح الخميس 17 يونيو، كما أذاع التلفزيون المصري قبلها بقليل نبأ استقبال مبارك لمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (المستقيل) جورج تينيت، مشيرا إلى أن السفير الأمريكي بالقاهرة ديفيد ولش، ومدير المخابرات العامة المصرية اللواء عمر سليمان قد حضرا المقابلة.

وكان مبارك قد أُغمِـي عليه عقب إصابته بـ “هبوط مفاجئ” يوم 19 نوفمبر 2003 خلال إلقائه خطابه السنوي في افتتاح الدورة البرلمانية أمام مجلسي الشعب والشورى في القاهرة، والذي اعتاد أن يتناول فيه كل عام الخطوط العريضة لسياسته الداخلية والخارجية، كما تحولت كاميرات التليفزيون المصري التي كانت تنقل اللقاء على الهواء عن المنصة، وساد جو من القلق داخل أروقة البرلمان، غير أن مبارك عاد بعد نحو 45 دقيقة ليستكمل الخطاب وسط تصفيق حاد من نواب الشعب.

أقوى المرشحين

وفي أعقاب تلك الأزمة الصحية المفاجئة، سادت أجواء من القلق في الأوساط المصرية، وثار الجدل مجددا حول خلافة الرئيس، خاصة في ظل عدم تعيينه نائبا له، رغم بقائه في السلطة منذ أكثر من 23 عاما، وعلى الرغم من أنه، مبارك، كان نائبا لسلفه الرئيس السابق محمد أنور السادات الذي كان بدوره نائبا للرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.

وهناك 5 شخصيات تقفز إلى الذهن كلما أثير موضوع تعيين نائب لرئيس الجمهورية، وهي حسب ترتيب أهميتها كالتالي: اللواء عمر سليمان، مدير جهاز المخابرات العامة المصرية، السيد جمال مبارك، نجل الرئيس، المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع، واللواء حمدي وهيبة، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وأخيرا السيد صفوت الشريف، الأمين العام الحالي للحزب الوطني الحاكم ووزير الإعلام.

تقديم اللواء عمر سليمان، مدير المخابرات العامة في الترتيب على نجل الرئيس مبارك، مرجعه عدة أمور، في مقدمتها تلك الثقة التي يُـوليها الرئيس مبارك لسليمان والتي يلحظها المراقبون والمتابعون للشأن المصري، حيث يكلفه الرئيس بالمهام والملفات ذات الاهتمام والحساسية الخاصة حتى اشتهر بأنه “رجل المهام الصعبة”. فهو المسؤول عن متابعة ملف العلاقة مع الولايات المتحدة وليس أحمد ماهر، وزير الخارجية، كما عُـرف بأنه “مهندس الملف الفلسطيني”، حيث يُـعتبر سليمان المسؤول الأول عن الملف الفلسطيني الأكثر أهمية منذ نقل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من الخارجية المصرية.

كما لاحظ دبلوماسيون أجانب في القاهرة ظهور سليمان في الآونة الأخيرة باستمرار إلى جانب الرئيس مبارك في حفلات الاستقبال، إضافة إلى طول مدة الثقة بين الرجلين، فكلاهما خريج المؤسسة العسكرية. كما يُـعتقد أن سليمان هو أول من استخدم تعبير (مصر أولا) الذي يحلو كثيرا للرئيس مبارك استخدامه في أحاديثه وخطبه .

ويرى الدكتور محمد السيد سعيد، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة أن “المؤسسة العسكرية المصرية ستبقى حامية لإرادة الشعب، وستظل الشريك الأساسي لشعبها في قضايا التنمية والاستقرار، فضلا عن دورها الأساسي في حماية التراب الوطني من أي اعتداء خارجي”، غير أنه يعتقد أن هناك “ثلاثة مرشحين محتملين” لخلافة مبارك من المؤسسة العسكرية هم: وزير الدفاع، المشير حسين طنطاوي، ورئيس المخابرات اللواء عمر سليمان، ورئيس الأركان اللواء حمدي وهيبة.

وقال السيد سعيد: “إنه خلال الثلاثين عاما الماضية كانت الخلافة السياسية في مصر مسألة تلقائية بسيطة بحكم وضوح التسلسل الهرمي على رأس السلطة السياسية. فعندما توفي جمال عبد الناصر (سبتمبر 1970) كان أنور السادات هو نائب الرئيس الوحيد، وعندما اغتيل السادات (أكتوبر 1981) كان حسني مبارك هو النائب الوحيد كذلك”، غير أنه استبعد سيناريو خلافة جمال مبارك لوالده.

وفي حال تعيين مبارك رئيس المخابرات عمر سليمان نائبا له، فإنه سيكون بذلك قد مهّـد الطريق أمامه ليخلفه في منصبه، كما سيبقى منصب الرئاسة بأيدي أبناء المؤسسة العسكرية المصرية. فعلى مدى أكثر من نصف قرن، أي منذ اندلاع ثورة 23 يوليو عام 1952، لم يتول الحكم بمصر رجل من المدنيين، بداية من محمد نجيب أول رئيس مصري بعد الثورة وانتهاء العهد الملكي، مرورا بجمال عبد الناصر وأنور السادات وانتهاءً بحسني مبارك، وكلهم خريجو المؤسسة العسكرية.

صعود مستمر لجمال

على صعيد آخر، ما زال الصعود الإعلامي لجمال مبارك مستمرا، سواء من خلال وسائل الإعلام الحكومية أو من داخل الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، حيث أصدر (والده) قرارا في 17سبتمبر 2002 بتعيينه مسؤولا عن التوجيه السياسي الداخلي للحزب الحاكم، ثم أصبح بعدها رئيسا للجنة السياسات بالحزب، وهو منصب أنشئ حديثا ليصبح، حسب تقدير المراقبين، الرئيس الفعلي للحزب تمهيدا لتقديمه بشكل آخر.

ويلحظ المراقبون، كما يلحظ رجل الشارع المصري، ارتفاع أسهم جمال وظهوره المتكرر على الساحة السياسية، من خلال لقاءاته بقطاع شباب الجامعات الذي يحرص على الحديث إليهم كل عام في المعسكرات والمؤتمرات التي يقيمها الحزب بالتنسيق مع الجامعات.

كما قاد جمال ثورة صامتة للتغيير داخل أروقة الحزب، أزاح خلالها بعض أركان الحرس القديم في الحزب (الدكتور يوسف والي، نائب رئيس الوزراء والأمين العام للحزب منذ زمن طويل)، “أرهبت الآخرين” على حد تعبير خبراء ومحللين مصريين، كما فتح الباب أمام جيل الشباب في محاولة لتجديد دماء الحزب الذي كان قد أوشك على الوفاة السياسية في الشارع المصري، حيث اختار 200 من الشباب ورجال الأعمال والمتخصصين في السياسة والاقتصاد والاجتماع والإعلام، وشكل منهم ما عرف بـ “مجلس السياسات” بالحزب الحاكم.

وتعتبر أحدث محاولات تقديم جمال للرأي العام، ما قام به الدكتور جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني، من خلال كتابه الجديد الذي جعل عنوانه “جمال مبارك وتجديد الليبرالية الوطنية”.

وأول ما يلفت نظر القارئ في الكتاب، غلافه الذي وضع عليه صورة جمال مبارك يتقدم كافة رموز العمل الوطني المصري على مر التاريخ، بدءا من محمد علي باشا وانتهاء بالرئيس مبارك نفسه، مرورا بجمال عبد الناصر، وسعد زغلول، ومصطفى كامل وغيرهم.

ويتضمن الكتاب فصلا كاملا عن جمال مبارك عنوانه “جمال مبارك.. (بروفيل) شخصي وفكري”، استعرض خلاله عودة بدايات ظهور نجل الرئيس على مسرح الحياة السياسية في مصر، بدءا من عمله في مجال الأعمال التجارية، وانتهاء بانضمامه لعضوية الحزب الوطني، مشيرا إلى سرعة صعوده السياسي داخل الحزب وإلى دوره في لجنة السياسات.

ويشير الكتاب إلى أن رئيس الدولة، حسب الدستور، اختص بمفرده بـ35 صلاحية، وهو ما يمثل 36% من جملة الصلاحيات الممنوحة بحكم الدستور، في حين بلغت سلطات الوزراء وصلاحياتهم 4 صلاحيات بنسبة 2% فقط، كما تمتّـعت السلطة القضائية بـ 2% أخرى، أما السلطة التشريعية بمجلسيها (الشعب والشورى)، فلديها 14 صلاحية بنسبة 25%، فيما حصل المدعي الاشتراكي على صلاحية واحدة، وكذلك المجلس الأعلى للصحافة.

ويعتبر الخبير والمحلل السياسي الدكتور وحيد عبد المجيد، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أن تولي جمال مبارك أمانة السياسات يعني أن “مراكز النفوذ والقوة في الحزب انتقلت إلى جيل جديد” على حد قوله.

من جهته أعرب الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون لحقوق الإنسان، وأستاذ جمال مبارك، عن اعتقاده بأن “الجيش والبرلمان معا يستطيعان الاتفاق على مرشح لرئاسة الجمهورية في حالة خلو المنصب”، داعيا إلى “إجراء تعديل دستوري لاختيار رئيس الجمهورية من خلال انتخابات يتنافس فيها أكثر من مرشح، على أن يضع ذلك التعديل حدا أقصى لمدة بقاء الرئيس في السلطة، بما لا يتجاوز ولايتين، ولفترة لا تزيد عن عشر سنوات” على حد تعبيره.

همام سرحان – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية