مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مهنية الجزيرة تعرضها لاختبار هام

صورة لغرفة الأخبار بقناة الجزيرة في الدوحة swissinfo.ch

استقطبت قناة الجزيرة اهتمام وسائل الإعلام بنشرها يوم الاثنين بيان أسامة بن لادن المطلوب دوليا بسبب اتهامه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بكونه وراء التفجيرات التي استهدفت نيويورك وواشنطن. اهتمام وسائل الإعلام الدولية بقناة الجزيرة يأتي بعد اكتسابها مكانة في الساحة الإعلامية العربية وفي وقت تمر فيه بمرحلة إعادة هيكلية.

أثناء زيارة وفد إعلامي من جنيف لمقر قناة الجزيرة صبيحة الإثنين الرابع عشر من شهر سبتمتر الجاري في إطار جولة إعلامية بقطر تحضيرا للمؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية، ركز الصحفيون إهتمامهم حول كيفية تغطية القناة للمواجهة الحالية بين الولايات المتحدة الأمريكية وتنظيم بن لادن المتهم من قبل واشنطن بأنه وراء الاعتداء الذي استهدف كل من واشنطن ونيويورك في الحادي عشر سبتمبر.


وقد أكد نائب مدير القناة السيد عبد الله الحاج بأن القناة عززت قدراتها تحسبا للتطورات المتوقعة كما أنها تعتبر الوحيدة المتواجدة في بعض المناطق الأفغانية. كما عبر رئيس تحرير قسم الأخبار السيد أحمد آل الشيخ عن ان الجزيرة استخدمت في هذه المناطق أجهزة إرسال حديثة لتسهيل مهمة المراسلين المتواجدين في بعض المناطق الحساسة مثل قندهار.


وقد نقلت وسائل الإعلام الدولية على اختلافها بعد ظهر الاثنين بيان أسامة بن لادن الذي استفردت به الجزيرة.استفراد قناة الجزيرة كقناة عربية بهذا البيان، يثير فضول الكثيرين لمعرفة المزيد عن هذه القناة التي يعرف المشاهد العربي مدى تأثيرها في زعزعة الساحة الإعلامية العربية ” بإرضاء الشعوب وإغضاب الحكومات” على حد تعبير نائب مدير القناة السيد عبد الله الحاج.


وقد تمخض عن هذا الاهتمام إبرام عدة محطات عقودا مع الجزيرة لتبادل الصور أو شرائها. وقد يزداد الطلب مع قرب وقوع الضربة الأمريكية المتوقعة ومع ظهور مقالات إعلامية إضافية تتحدث عن واقع هذه التجربة الفريدة في العالم العربي.


أسست قناة الجزيرة في عام 1996 أي بعد عام من تولي الأمير الحالي الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني السلطة عقب إطاحته بوالده في انقلاب أبيض. وقيام محطة تلفزيونية عربية ترفع شعار “الدقة والموضوعية” انطلاقا من أرض عربية، ترك كثيرا من الشك لدى العديد من المهتمين بهذه التجربة، خصوصا أن تجربةالمحطات العربية في البلدان الأوربية لم تسمح بتلبية رغبات المواطن في مجال حرية الإعلام بل كرست الممارسات الاعلامية العربية.


لكن التجربة التي خاضتها قناة الجزيرة وبالرغم من كل اللإنتقادات الموجهة لها عن باطل أو عن حق، تدفعنا الى اعتبار أن تاريخ الإعلام العربي ينقسم الى مرحلتين، مرحلة ما قبل ظهور قناة الجزيرة وما بعد ظهورها. فقد سمحت للمشاهد العربي بأن يصبح شريكا فعالا في مناقشة القضايا الساخنة التي تمر بها منطقته.


كما سمحت للإعلام العربي بأن يكون سباقا في بعض الحالات الى تغطية الأحداث وأن يصبح مصدرا ينقل عنه الإعلام الدولي. وقد جسمت الجزيرة ذلك أثناء تعرض العراق لقصف امريكي بريطاني في عام ثمانية وتسعين وفي أحداث أفغانستان الحالية.


وعن تساؤلات أولائك الذين يشككون في التزامها بشعار الدقة والموضوعية عندما يتعلق الأمر بأحداث قطرية أو خليجية ومدى تدخل السلطة في نشاط القناة الإعلامي، يجيب نائب رئيس القناة السيد عبد الله الحاج “اننا تعرضنا لضغوط من كل الدول ما عدى قطر”. كما عدد التهم الموجهة للجزيرة على “أنها قناة إسلامية واخرون يتهمونها بالعلمانية بينما يرى آخرون بانها قناة موالية لإسرائيل”.


واستشهد السيد عبد الله الحاج على جرأة الجزيرة في التطرق لقضايا قطرية ساخنة مثل محاولة الإنقلاب على الأمير ومحاكمة المورطين في تلك العملية أو قضية الخلاف الحدودي بين قطر والبحرين التي يرى أن الجزيرة “غطت مراحلها بمهنية وبدون اي تحيز”.

“علبة كبريت” ناجحه .. لكنها تحتاج إلى تطوير

من يعرف الجزيرة من خلال مشاهدة برامجهاK يصاب بصدمة عند زيارة مبناها في الدوحة، حيث يكتظ أكثر من 80 صحفيا إضافة الى التقنيين والإداريين. وقد كان الرئيس المصري حسني مبارك محقا في وصفها بعلبة الكبريت لما قال أثناء زيارته لاستوديوهاتها “كل ده من علبة الكبريت دي”.

وليست الجزيرة في حاجة فقط الى تحسين في المباني بل يبدو أن بعد نجاح التجربة أصبح الوقت مناسبا لإدخال بعض الإصلاحات على البرامج وعلى طريقة معالجة بعض القضايا الساخنة.

فالبرامج الحوارية لا يجب بالضرورة أن تضل حلبة للتنافس على الصراخ، وأن تقاس مصداقية المتدخلين بقوة أصواتهم، بل يجب أن تسمح بتعويد المشاهد العربي على الاستماع للآخر ومحاولة المواجهة بالحجة والدليل.

حان وقت الاختبار

من بين العوامل المشجعة التي ارتكز عليها مؤسسو الجزيرة في إقامة محطة تلفزيونية عربية تمارس الإعلام وفقا لقواعده الصحيحة وتصر على “الرأي والرأي الآخر” وتفتح المجال للمواطن لكي يساهم مباشرة في النقاش بدون رقابة أو انتقائية، انطلاقهم من واقع أن الأحداث القطرية ذات الأبعاد الدولية ضئيلة جدا وبالتالي لن تضطر القناة للتطرق لها إلا نادرا.

لكن قطر عام ستة وتسعين تختلف عن قطر في عام ألفين وواحد، نظرا للدور الذي بدأت تلعبه إقليميا ودوليا إلى حد كبير بسبب تأثير قناة الجزيرة. كما أن فرض قناة الجزيرة لنفسها على وسائل الإعلام الدولية باستفرادها بتغطية بعض المناطق سواء في أفغانستان او العراق وإعطائها الكلمة لأطراف تسير عكس التيار السائد دوليا، قد يعرض قطر وإدارة الجزيرة إلى ضغوط كبيرة.

وقد نجد في إقدام الإدارة الأمريكية على محاولة منع إذاعة صوت أمريكا من بث حديث أجرته مع زعيم طالبان الملا محمد عمر بالرغم من تمسك الأمريكيين الشديد بالدفاع عن حرية التعبير، خير دافع لتصور حجم الضغوط التي قد تمارس على إدارة الجزيرة في الظروف الحالية.

ويأمل الكثيرون أن تتمكن هذه القناة من اجتياز هذا الاختبار بنجاح مثلما استطاعت أن تجتاز اختبار ضغوط الحكومات العربية، لكي تظل ذلك الصوت المستقل الذي يعبر عن تطلعات شعوب المنطقة بعيدا عن الحسابات السياسية.


محمد شريف – الدوحة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية