مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مواقف متضاربة للجزائريين من محاكمة أوساريس

أوساريس يحاكم بطلب من جمعيات فرنسية Keystone

جرائم الحرب لا تنتهي بالتقادم، هكذا علق الكثير من الجزائريين على محاكمة، بول أوساريس، أحد جنرالات فرنسا، الضالعين حسب اعترافه – شخصيا-، في جرائم حرب، أثناء الثورة التحريرية ما بين عامي 54 و 62 ، و أدت هذه المحاكمة إلى إبراز الشرخ، داخل الطبقة السياسية الجزائرية، بين المطالبين بمعاقبة مجرمي الحرب الفرنسيين، و بين الداعين إلى عدم إفساد العلاقات الفرنسية الجزائرية.

قبل بضعة أشهر، صدر للجنرال الفرنسي السابق: بول أوساريس، كتاب يحكي فيه ممارسات الجيش الفرنسي أثناء الثورة التحريرية الجزائرية، و ما قام به هو و زملائه الجنرالات الفرنسيين، من أعمال قتل جماعية، و تعذيب، و ذكر أوساريس بالاسم، بطل الثورة التحريرية: العربي بن مهيدي، و أنه قتله بنفسه، في حين تصر فرنسا، منذ مقتل بن مهيدي عام 58 ، على أنه انتحر، بعد اعتقاله، فيما يُعرف: بمعركة الجزائر.

و أثارت هذه التصريحات حفيظة منظمات أبناء المجاهدين و الشهداء في الجزائر، كما أثارت زوبعة كبيرة، داخل حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يتزعمه رئيس الحكومة علي بن فليس، و ينتمي إليه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.

و أظهرت تصرفات الأحزاب السياسية الجزائرية، بالإضافة إلى جبهة التحرير، تخبطا كبيرا
في التحرك حيال جنرال فرنسي، متهم من قبل الجزائريين أنفسهم، بأنه ارتكب جرائم حرب في حقهم، و هو الآن يعترف بها، و تبين أن أغلبية الطبقة السياسية الجزائرية، بما فيها جبهة التحرير الوطني، التي ينتمي إليها بوتفليقة، لم تكن مستعدة لمثل هذه المفاجئة.

عدم إحراج النظراء الفرنسيين

تسبب هذا الوضع في بروز الخلافات التقليدية، بين المتحررين، مما يوصف: – قيود السياسة الرسمية- داخل جبهة التحرير الوطني، و بين الملتزمين، بخط القيادة، و هي في الغالب، إما رئيس الجمهورية، أو رئيس الحكومة، أو هما معا، كما هو الحال الآن.

و اتهم المتحررون من التوجهات الرسمية، الملتزمين بها، بعدم المسؤولية، في حين كان رد الملتزمين بأوامر قيادة حزب جبهة التحرير الوطني، إن هذا انضباط يجب الحفاظ عليه.
و تشابهت المواقف داخل التيارات السياسية الجزائرية إجمالا، مع الموقف داخل جبهة التحرير الوطني، عدا منظمتي أبناء المجاهدين و الشهداء.

أما التفسير لهذا الغموض، فهو ما تسرب، من أن أصحاب القرار في الجزائر، لا يريدون إحراج نظرائهم الفرنسيين، المُحرجين أصلا بتصريحات الجنرال الفرنسي السابق، و لأن العلاقات الفرنسية الجزائرية، تشهد تحسنا، لا ينبغي الإضرار به، كما عبرت عن ذلك مصادر كثيرة داخل الرئاسة الجزائرية.

نتيجة هذا التجاذب، هي وضع شاذ لم يكن متوقعا، فالدعوى القضائية التي رُفعت ضد أوساريس، لم تصدر من طرف جزائريين، بل رفعتها جماعات يسارية فرنسية، و أخرى تُعنى بحقوق الإنسان، كما أن أوساريس لن يُحاكم كمجرب حرب، رغم اعترافه بذبح آلاف الجزائريين، بل سيُحاكم بموجب قانون فرنسي، يمنع التمجيد بجرائم الحرب، و عقوبة هذا الفعل في القانون الفرنسي، هي السجن ثلاثة أعوام، بالإضافة إلى عقوبة مالية.

كما أن سجن أوساريس، غير مؤكد، لأنه لم يقل إنه يمجد جرائم الحرب الفرنسية أثناء
الثورة التحريرية، بل هذا استنتاج الجمعيات الفرنسية التي رفعت دعواها ضد أوساريس
و اتضح أن الجزائريين لا ناقة لهم و لا جمل في أغلب التحركات ضد بول أوساريس.

دروس يجب استخلاصها

غير أن المحاكمة نفسها، أظهرت مرة أخرى، مدى التناقض الهائل، في حركية المجتمعين الفرنسي و الجزائري، ففي الوقت الذي يريد المجتمع المدني الفرنسي، نفض غبار جرائم الفرنسيين في الماضي، و معاقبة المتسببين فيها، أو على الأقل معرفة ما حدث بالضبط
لم تتمكن الطبقة السياسية الجزائرية، من الخروج من مأزق الولاء المطلق للتوجهات الرسمية، و لم يُسمح للمجتمع المدني الجزائري، بالتحرك و ثبت هذا بالاتصالات الكثيرة التي تلقاها جزائريون يريدون معاقبة أوساريس، من طرف جهات نافذة، تنصحهم بالتروي.

لن يُعاقب أوساريس كمجرب حرب، لأنه مصون بقانون العفو الفرنسي، لقوات الجيش عما جرى في الثورة التحريرية صدر في عام: 68 ، و في المقابل، أحرجت تصريحاته المسؤولين الفرنسيين الذين يريدون ممن يعرف الكثير عن الحرب في الجزائر، الصمت و ليس غيره.

و مع أن المحاكمة في حد ذاتها بالغة الأهمية، لأنها تدخل في إطار تاريخي، يشترك فيه الفرنسيون و الجزائريون، إلا أنها لم تُبرز ما كان متوقعا، من جهات، نددت طيلة أربعين عاما بجرائم الحرب الفرنسية، و طالبت بمعاقبة المتسببين فيها…

هيثم رباني.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية