مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل يصنع الاعلامُ الراي العام؟

الاعلام الفضائي غير معطيات كثيرة في بلورة وصنع مواقف الراي العام العربي Keystone

في السماء العربية تسبح العشرات من الاقمار الاصطناعية وتبث منها مئات القنوات التلفزيونية. ومن الفقراء من لا يملك ثمن جهاز الاستقبال يذهب الى المقهى ليشاهد ويسمع ما يجري من احداث هنا وهناك، في جغرافيته او خارجها، ليصبح جزءا منها.

لانها باتت جزءا من صنع القرار العربي، كثرت الاسئلة حول الفضائيات العربية والدور الذي تلعبه في مرحلة تعيش مخاض تحولات تاريخية في المنطقة العربية. بعيد حرب الخليج الثانية، وبعد ان شاهد المقتدرون، مسار هذه الحرب على شاشة السي ان ان الامريكية، ادرك صانع القرار العربي ان فضاءه بدأ يخرج من تحت سيادته وسيطرته، وان شاشة التلفزيون باتت تساهم في صنع قراره وتكوين رأيه العام.

كانت المملكة العربية السعودية صاحبة المبادرة في تجربة الاعلام التلفزيوني الفضائي، تبعتها الدول العربية الاخرى، لينتهي القرن الماضي وما من دولة عربية الا واشارتها تظهر على هذا القمر او ذاك، تتباين ساعات بثها ومهنيتها، لكنها حاضرة مثل الاعلان عن الوجود كدولة. وبعض الدول ظهرت اشارتها على اكثر من قناة.

كانت القنوات المصرية، بحكم مكانة مصر وتراثها الفني والثقافي، الاكثر حضورا، مما شجع على اطلاق قمر صناعي حمل العشرات من القنوات المصرية المتخصصة الى جانب القنوات العربية التي حجزت قناة على هذا القمر.

الحضور المصري المكثف في الميدان الثقافي والفني رافقه ضعف في ميدان الخبر وما يحتاجه من برامج حوارية ووثائقية وايضا حرية في التعبير واستيعابا لتعدد الاراء.

كانت هذه حال القنوات العربية الاخرى التي لم تستطع الا ان تكون بثا فضائيا للبث الارضي مما جعلها قنوات مصرية بإستثناء نشرات الاخبار والتي كانت ممجوجة ومرفوضة من المشاهد.

المعادلة الجديدة

في هذه الاجواء، جاءت قناة الجزيرة القطرية لتقلب المعادلة وتضع الاخبار وبرامجها محور بثها، ونجحت نهاية 1998 خلال الهجمات الامريكية البريطانية على العراق ان تكون المرجع الاكثر مصداقية، وفي نهاية 2001 في الحرب الامريكية على افغانستان المرجع الوحيد ليس للمشاهد العربي فقط، بل لكل ارجاء العالم.

المصداقية التي تمتعت بها قناة الجزيرة لدى الجمهور العربي في معظم شرائحه، جعلت الظهور على شاشتها مطلبا ليس للمسؤولين العرب فقط، بل لكبار مسؤولي الادارة الامريكية وقادة دول العالم. اطلقوا على قناة الجزيرة اسم سي ان ان العربية، وجعلتها مقياسا للمقارنة فسارت على دربها عدد من الفضائيات العربية.

بداية خمسينات القرن الماضي كان الراديو، واذاعة صوت العرب توجت جمال عبد الناصر زعيما للعرب من محيطهم الى خليجهم، وبعد هزيمة حرب يونيو 1967 كان للراديو اضافة لعوامل اخرى دور في حفاظ عبد الناصر على زعامته وهيبته، رغم الهزيمة القاسية. كانت سهولة البث وقدرته على الوصول عبر الاثير تضع الراديو دائما امام التلفزيون المحدود البث الجغرافي، لكن مع انطلاق البث الفضائي للتلفزيون وقدرة الصورة على ايصال الرسالة تقدم التلفزيون وبات المصدر الاساسي للمعلومة والخبر.

الانتفاضة على الهواء

في الانتفاضة الفلسطينية الثانية المندلعة منذ خريف 2000 كانت الفضائيات العربية، البطل الحقيقي الى جانب الطفل الفلسطيني في مرحلتها الاولى والى جانب المقاوم في مرحتلها الثانية، نجحت الفضائيات عبر مراسليها واستديوهات، البث في غزة ورام الله والقدس والاتصال المباشر مع هذا المسؤول او ذاك، ان تكون الحدث وتصنعه وان تأوي المواطن مبكرا الى بيته ليتابع من خلالها ما يجري داخل فلسطين او في العواصم العربية والعالمية وان توحد العرب من البحرين الى نواكشوط .

هذا النجاح يثير تساؤل المواطن العربي الشكاك والفاقد الثقة بحكومته، اذ يبدي دهشته من تناقض رهيب يعيشه. ففي الوقت الذي يوجد على الارض محروما من الحرية، تسمح له حكومته بأن يعيش في الفضاء متنقلا ما بين هذه القناة او تلك يستمع الى كل الاراء ويشاهد كل ما يجري.

بالتأكيد ان الحكومات لم تعد تستطيع السيطرة على فضائها ومنع الاقمار الاصطناعية من السباحة ليلا نهارا في هذا الفضاء، لكن المبررات التي كان يمكن ان تجدها هذه الحكومة او تلك لاحكام سيطرتها على الاتصال بين الفضاء ومواطنها متوفرة لكنها لم تفعل، وهو ما يعمق التساؤل حول انسجام دور الفضائيات مع برامج الحكومات.

الشكاكون يقولون ان دور الفضائيات المرسوم هو تفريغ شحنة الغضب العربي وصنع رأي عام سلبي يكتفي بالتلقي وتقتصر ردة فعله على التألم والتعاطف والحزن ثم التعود، لكن هؤلاء ينسون ان الغضب المتولد من الصورة لا يمكن ان يبقى دائما تحت السيطرة، خاصة حين تتوفر الادوات ليصبح الغضب جزءا من الوعي العام ويتحول الى فعل على الارض.

محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية