مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ولادة عسيرة ل “اجندة” الدوحة

نجح مؤتمر الدوحة اخيرا في اصدار وثيقة حائزة على الاجماع لكن المصاعب الحقيقية ستبدأ الان swissinfo.ch

وافقت الدول الاعضاء في منظمة التجارة العالمية في الدوحة، على اطلاق جولة جديدة من المفاوضات التجارية، وهي نتيجة اعتبرتها سويسرا تاريخية.

لم يصدق رئيس الوفد الامريكي انها الساعة السابعة من مساء الاربعاء، وهو يلقي كلمة بلاده الاخيرة في مؤتمر اضطر، من فرط تعسره، لتمديد اشغاله يوما كاملا. لكن الايام الخمسة الصعبة لم تمنع ورود نكات في الكلمتين الامريكية والافريقية، وهو ما ادى الى ارتفاع الضحكات في القاعة المحتفلة بالتوصل الى برنامج عمل مستقبلي من مؤتمر الدوحة.

وكان مئات الاعلاميين والمؤتمرين في فندق شيراتون الدوحة امضوا ليلة بيضاء في الساعات الفاصلة بين الثلاثاء والاربعاء، ومضى التاخير يتزايد بين ساعة واخرى، حتى اضطر المنظمون الى الاعلان صراحة عن ان شيئا لن يتم قبل صباح اليوم الموالي، وهو ما اصبح يعني مساء يوم الاربعاء.

فقاعدة (كل شيء او لا شيء) التي تمشي عليها اجتماعات منظمة التجارة العالمية، تقتضي الوفاق العام، وبامكان اي دولة غير راضية ان تعطل اشغال الاجتماع وان تمنع عنه النجاح، وهو بالضبط ما حدث مع الهند، التي كانت دولة “حديدية” في تمسكها الصارم بضرورة تغيير السطر الاخير من الفقرة العشرين من البيان الختامي.

ورغم ان المدير العام لمنظمة التجارة العالمية مايك مور انتحى جانبا بالوزير الهندي لمدة قرابة الساعة عصر الثلاثاء، محاولا زحزحته عن موقفه المتصلب بشان ما يطلق عليه (مواضيع سنغافورة)، فان الوزير عاد الى القاعة ليقول من المنصة مرتين: “اما ان تقبلوا طلباتنا او نعترض سبيل المؤتمر”.

غير ان ذات الوزير الهندي لم يدخل الجلسة الختامية، الا وهو اقل معارضة، فكانت كلمته هي الاقصر، لكنه قال فيها: “اشكر السيد الرئيس على التوضيحات التي قدمها لنا بخصوص النقاط الاربعة في (مواضيع سنغافورة)، لذا، اعلن ان الهند تساند النص النهائي للاجتماع”.

عندها فقط تهللت الأسارير وعقبت كلمته موجة تصفيق حادة تعلن عن تنفس المؤتمرين الصعداء، وغادر الصحفيون منصتهم لاعلان النبأ السعيد الى مؤسساتهم التي كانت تنتظر مخاضا متعسرا لمؤتمر الدوحة.

غير ان الهند لم تكن وحدها العقبة الكأداء امام المؤتمر الوزاري الرابع للتجارة العالمية، فقد امضى المؤتمرون صباح الاربعاء كاملا في معالجة معضلة الموز، التي اثارتها دول افريقيا والمحيط الهادي والكاراييب، وهي دول ضعيفة تقوم تجارتها الخارجية على تصدير الموز، وتطالب الاتحاد الاوروبي باستثناء جمركي على سلعها الى حدود سنة 2007.

لكن الاتحاد الاوروبي حاول التملص من هذا التعهد، نظرا لما سيلقيه عليه من تبعات اخرى. فسرعان ما طالبت الفيليبين وتايلاندا الاتحاد الاوروبي بمنحها استثناء جمركيا مماثلا على صادراتها من اسماك التونة، في صورة قبوله باستثناء كميات الموز الواردة من افريقيا والكاراييب والمحيط الهادي.

وظل المؤتمر معلقا بين الرغبات المتعارضة واصبح في لحظة ما مثل كومة الحجر التي ان سحبت منها واحدة تداعت البقية بشكل فوري، وهي في الواقع الصورة الحقيقية لاوضاع التجارة العالمية المترابطة بشكل يكاد يستحيل معه تحقيق نفع بدون الحاق الضرر باخرين.

لكن الممثل الافريقي حصل بدوره على اهم مطالب دول القارة، فكانت كلمته في الجلسة الختامية، “شكرا على سعة صدر الزملاء وتعبيرا عن رضى القارة السمراء، التي برزت بشكل استثنائي خلال هذا المؤتمر.

جولة جديدة من المفاوضات

وهكذا فتح مؤتمر الدوحة على ما اطلق عليه (برنامج العمل) او (اجندة الدوحة)، وهو ما يفتح الطريق بدوره لجولة من المفاوضات تغطي في نهاية المطاف اربع مجالات اضافية.
الملف الزراعي سيكون من اهم القضايا التي سيجري البحث فيها، ربما ابتداء من موفى شهر يناير المقبل، حيث ستستكمل المفاوضات التي بدأت العام الماضي في مقر منظمة التجارة العالمية في جنيف من اجل متابعة وتوسيع الاتفاق بشان الزراعة، الذي جرى التوصل اليه في اطار جولة اوروغواي.
التعريفات الصناعية والمشتريات الحكومية، كانت من بين النقاط الرئيسية في الاتفاق النهائي. فالتعريفات الصناعية تمثل احدى الاهداف الرئيسية بالنسبة للقوى الكبرى في العالم، مثل دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، اما المشتريات الحكومية فقد هدفت المحادثات المتعلقة بها الى تحديد قواعد جديدة تكون ملزمة لحكومات الدول الاعضاء في المنظمة، وتحدد مواصفات الطريقة التي سيتم بها مستقبلا، اختيار الشركات المكلفة بانجاز المشاريع الممولة من طرف الدولة.
وفي المقابل فان ملف الملكية الفكرية الذي يشمل قطاع انتاج الادوية ومجال الصحة بشكل عام، كان سلسا ولم يواجه الكثير من العقبات، بفضل مقترح امريكي دعا الى اقرار فترة امهال لمدة عشر سنوات، وهو ما يسر انجاح اشغال المؤتمر.
وعلى وقع قوائم السلع وجداول الارقام، كان مؤتمر الدوحة التجاري محكوما بخلفية سياسية واضحة، حيث اجمع المشاركون على حاجة العالم في هذه الظروف الى سماع انباء جيدة افتقدها مند الحادي عشر من سبتمبر الماضي.
وقد نشطت الاتصالات بدوائر القرار السياسي قبل ليلة من اختتام المؤتمر من اجل الحصول على الموافقات الضرورية، خصوصا وان منظمة التجارة العالمية لم تكن لتحتمل فشلا جديدا بعد كارثة مؤتمر سياتل.
وهكذا تحالفت عوامل موضوعية كثيرة من بينها اعداد قطري جيد للمؤتمر، من اجل الخروج بنتيجة معقولة تساعد على بلورة مستقبل افضل لعالم لا يدري احد ما اذا كان سيكون باسما للبشرية ام ملوحا بصعوبات قد لا يدركها كثيرون.

فيصل البعطوط – الدوحة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية