مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اختبار قوة .. دموي

مراسم تشييع جنازة العقيد راجح أبو لحية قائد قوات حفظ النظام والتدخل في الشرطة يوم الخميس 10 أكتوبر في غزة Keystone

تتلبد سماء السياسة الفلسطينية بغيوم سوداء شتى، كثيرها إسرائيلي وأمريكي، وبعضها فلسطيني.

وهذه الاخيرة كفيلة باثارة عواصف هوجاء لو اشتدت رياح المواجهة ولو أن ما يجري على ساحة الوطن المحتل لا يخرج – حتى الان – عن كونه محاولات اختبار قوة.

تتلبد سماء السياسة الفلسطينية بغيوم سوداء شتى، كثيرها اسرائيلي وامريكي وبعضها فلسطيني. وهذه الاخيرة كفيلة باثارة عواصف هوجاء لو اشتدت رياح المواجهة، لكن ما يجري على ساحة الوطن المحتل، لا يخرج، حتى الان، عن كونه محاولات اختبار قوة.

وقد يروق المشهد الدموي الاخير في غزة، اثر اغتيال قائد قوات الشرطة الخاصة هناك ومصرع اربعة اخرين في مواجهات بين الشرطة وانصار حماس، لسيناريو اقتتال داخلي، بيد ان قوانين اللعبة والجغرافيا السياسية لا زالت تقف حائلا دون ذلك.

وربما كان مصطلح الثأر الذي استعارته حركة حماس الاسلامية المعارضة للتدليل على طابع جريمه اغتيال قائد القوات الخاصة، العميد راجح ابو لحية وسيرة الرجل والسياق العام لمجريات الامور في الاراضي المحتلة، جميعها قرائن، تأخذ منطق التفسير الى ما هو ابعد من دلائل تصدع وانقسامات فلسطينية.

ولعل تصريحات مسؤولي الحركة الاسلامية ذات النبرة الحازمة القوية، وردة فعل السلطة الفلسطينية، او حركة فتح المقترنة بحادثة مقتل المسؤول الامني، تحمل ما هو اكثر من التصريحات الرسمية الخاصة بالاستهلاك المحلي الى احتمالات قوية بان ما يجري سيؤسس لمراكز القوة في مراحل لاحقة.

الاغتيال او الثأر

لم يكن راجح ابولحية، من اطلق النار على الشابين اللذين قتلا قبل عام على اغتياله في تظاهرة مؤيدة لطالبان في غزة، لكنه تلقى اوامر عليا بقمعها. ولم يكن للرجل اي ظهير قوية في فتح او في غزة التي لا يتحدر منها، لكنه في النهاية وقبل كل شيء كان رجل سلطة.

قد لاتشكل هذه السيرة مبعثا ولا دافعا للقتل، وهي في هذا السياق لا تقع في خانة التحريض على الثار، لكن مكونات مثل هذه الشخصية في بيئة سياسية متقلبة غير مستقرة مفتوحة على الصراعات، قد تشكل كما يرى مراقبون، فرصة لاقتناص ضربة.

وقد سارعت حماس، الحركة السياسية الاسلامية، الى استخدام مصطلح الثأر في تعريفها وتفسيرها للجريمة، دون ان تلتفت الى تناقض ذلك مع مبادئها الدينية. لكن الامر لم يكن له ليمنع إطلاق نعت “أنصار حماس” على أولئك الذين خرجوا الى الشوارع لمنع الشرطة الفلسطينية من اعتقال المتورطين في عملية الاغتيال أو الثأر.

ولم يكن لذلك كله أن يمنع او يحجب حقيقة أكيدة، وهي ان القتيل ممثل رسمي للسلطة الفلسطينية التي تعارضها حماس، وأن المتورطين في قتله من عائلة تقترن باسم حماس ولا تخفي الحركة الاسملامية صلاتها بها.

وفي غضون الساعات التي تلت المواجهات والتي سبقتها، فان ثمة امر آخر تاكد وزاد يقينا ومفاده: ان حماس كانت تقف -إما جهرا او علنا – وراء الاف المتظاهرين الذين كانوا يخرجون الى الشوراع في تحدّ واضح للسلطة الفلسطينية ولمنعها.

حماس .. فتح

بيد أن الحوار القاسي الذي لم يشهده ويسمعه احد، كان يدور بين فتح وحماس في حلقات بعيدة عن الاضواء، وفي لقاءات كانت في بعض الاحيان تضم طرفا ثالثا ممثلا لفصيل او حركة او مؤسسة، ولكنها في اغلب الوقت، كانت تظل محورا لنقاش واحد:”من يستطيع فرض رأيه”؟.

في حركة فتح، بين اركانها، ثمة من يقول منذ وقت طويل انه لا بد من وقف حماس عند حدودها بغض النظر عن الطريقة والاسلوب والظروف التي خلقتها الانتفاضة، وهو رأي كرره هؤلاء في الايام الاخيرة معتبرين أن ما يجري في حادثة اغتيال ابو لحية دليل على صحة رأيهم.

هؤلاء، يتهمون حماس بانها كانت تقف هناك في مكان ما عندما جرى التخطيط لاغتيال المسؤول الامني، ويدللون أن اختيار شخص مثله لايجـرّ أحقادا في غزة، حيث تتركز حماس وأن عملية مقتله بهذه الطريقة ما هي الا محاولة من قبل حماس لاختبار قوتها.

ويرى اصحاب هذا الراي، الذين ساهموا في الحوارات الاخيرة مع حماس للتوصل الى وقف اطلاق نار تضع حماس بموجبه حدّا لعملياتها الانتحارية، ان الحركة الاسلامية غير جدية وغير معنية بالتوصل الى اتفاق وانها لا تسعى الا لكسب المزيد من الوقت.

حماس من جهتها، وعلى لسان اكثر من مسوؤل فيها، كررت في الاونة الاخيرة ان تعريفها للمقاومة سيشمل جميع اشكال العمليات المسلحة بما في ذلك الهجمات الانتحارية داخل اسرئيل. وفي حماس تيار قوى يعتقد ان اتخاذ قرار وقف العميات في الوقت الحالي سيكون كارثيا.

الانتفاضة .. الانتفاضة

اما المرحلة الحالية، فانها ولا شك، تقع في سياق الانتفاضة وتتبوُأ مكانا متقدما في اولى افرازاتها، وتتعلق بحقيقة الموقع المتقدم الذي حققته حماس بفعل تذكرة “المقاومة” التي حازتها نتيجة تنفيذ عملياتها الانتحارية ومستوى المد الشعبي الذي تتوق الى وصوله.

وفي هذا السياق، تسعى حماس الى الاقتراب من نسبة الاربعين في المائة التي اشترطتها لتكون حصتها في مؤسسات منظمة التحرير، لو وافقت على الانضمام عليها، في حين ان استطلاعات الراي الحالية لا تعطيها اكثر من عشرين بالمائة.

وعليه، فانه سيبدو من غير المنطقي للحركة الاسلامية القبول بالتنازل عن سلاح العمليات الانتحارية في الوقت الحالي، الامر الذي من شانه ان يؤثر في مستوى تاييد الشارع لها، خصوصا وان المرحلة الحالية تشهد ضعوطات كبيرة على القيادة الوطنية الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات.

وهناك في فتح، وعلى مستوى القيادة الفلسطينية، من يتهم حماس بانها واصلت عملياتها الانتحارية لما تاكدت ان حكومة ارييل شارون سترد بضرب عرفات وقيادته بدلا من الالتفات إلى قيادة حماس.

احد مسؤولي فتح البارزين، أسـرّ لسويس انفو، ان “قبيلة فتح ادركت اخيرا الخطر الذي يتهددها، خصوصا بعد حصار عرفات الاخير ومحاولة شخصيات بارزة في فتح تقويض سلطة عرفات خلال ساعات حصاره من قبل الجيش الاسرائيلي”.

وأكد المسؤول أن فتح تعمل على لملمة اركانها والمضي قدما، وتعرف – على حد قول مسؤولين آخرين فيها – أن لحظة اختبار القوة مع نفسها ومع حماس بالتحديد قد حانت وان لا مفر من المواجهة .. الداخلية!

هشام عبد الله – رام الله

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية