مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الاستعراض الدوري الشامل: هل يُصبح خشبة الخلاص لمجلس حقوق الإنسان؟

رغم انتقادات النشطاء والحقوقيين والنقائص المسجلة، تُـمثل آلية المراجعة الدورية الشاملة بصيص أمل لجميع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان Keystone

يوم 8 مايو، تُـمتحَـن سويسرا، على غِـرار جميع دول العالم، أمام مجلس حقوق الإنسان حول مدى احترامها لهذه الحقوق.

برن تُـقيِّـم إيجابيا الخُـطوات الأولى لهذه الأداة الجديدة، لكن منظمات حقوق الإنسان، التي تُـشاطرها الرأي، تُـبدي تحفُّـظات جدية.

يبدو أن بصيصا من الأمل يظهر في الأفُـق لضحايا الجلادين والممارسين لكافة أشكال الرقابة، حيث يرى البعض أن شبكة الأمان، التي يُـمثّـلها مجلس حقوق الإنسان، تزداد متانة بفضل آلية جديدة تحمل اسم “الاستعراض الدوري الشامل”.

هذا التقييم لمدى احترام حقوق الإنسان في العالم أجمع من طرف أعضاء المجلس، يسمح بمراجعة وضعية كل دولة عضو في الأمم المتحدة كل أربعة أعوام، وقد استكمل في شهر أبريل الماضي استعراض سلسلة أولى، تشمل 16 بلدا، من بينها 4 بلدان عربية (البحرين وتونس والمغرب والجزائر).

تحفّـظات

تُـشير ماريان ليلليبييرغ، وهي قانونية تعمل في منظمة العفو الدولية، أن “الاستعراض الدوري الشامل يُـمثل الآلية الوحيدة الكونية حقا فيما يتعلق بحقوق الإنسان، إذا يجب على كل دولة من الدول الـ 192 الأعضاء في الأمم المتحدة، وبدون استثناء، المرور بالاختبار، في حين أن خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان (أي المقررون الخاصون)، لا يُـمكن لهم الذهاب إلى بلد ما، إلا بناءً على دعوة من حكومته”.

وترى السيدة ليلليبييرغ أن هذا الاستعراض الدوري “يستند إلى ثلاثة مصادر: تقرير الحكومة وتوصيات خبراء الأمم المتحدة والمعلومات المقدَّمة من طرف المنظمات غير الحكومية المستقلّـة”.

وبالاعتماد على هذه الوثائق المتنوِّعة المصادر، يُـمكن للمراقب أن يكوِّن فِـكرة دقيقة إلى حدٍّ كبير عن وضعية حقوق الإنسان في بلد معيّـن، وذلك حتى في صورة تقديم حكومته لحصيلة مثالية عنها.

من جهتها، تشدِّد الدبلوماسية السويسرية مورييل بيرسي – كوهين على إشارات إيجابية أخرى، وتقول “لقد تعاملت الدول الممتحنة بجدّية فائقة مع هذا الامتحان، ويشهد على ذلك حجم (19 شخصا في المتوسط) ومستوى الوفود الحكومية (سُـجِّـل حضور عدد كبير من الوزراء أو من نوابهم)”.

المواجهة بين الشمال والجنوب

وتشدِّد الدبلوماسية المكلّـفة بحقوق الإنسان في البعثة السويسرية لدى الأمم المتحدة في جنيف أيضا على، أن الأسئلة التي طرحتها الدوَّل المُـمتحِـنة خلال هذا الامتحان، التي يستمرّ على مدى ثلاث ساعات، لم تُـعد إنتاج المواجهة القائمة بين الشمال والجنوب، بل كان مُـلفِـتا أن دولا اعتادت التزام الصمت، أخذت الكلمة وقدّمت بعض التوصيات.

وتُـؤمِّـل الدبلوماسية السويسرية أن يؤدّي تطوُّر الأجواء المسجّـلة خلال دورات الآلية الجديدة (الاستعراض الدوري الشامل)، إلى إنشاء ديناميكية جديدة مغايِـرة للمواجهة التقليدية بين المجموعات الإقليمية.

لا شك أيضا أن هذا الإجراء الجديد لا زال في بداياته، وهو ما يعني أن الأمور لم تُـحسَـم بعد، خصوصا وأن الدورة الأولى شهِـدت أيضا بعض الانحرافات الخطرة.

وفي هذا الصّـدد، تشير المنظمات غير الحكومية بأصابع الاتِّـهام إلى امتحاني الجزائر وتونس بوجه خاص، اللتان استفادتا بشكل كبير من تضامن البلدان الإفريقية وأسئلتها المجامِـلة.

وتذهب ماريان ليلليبييرغ إلى أن ما حدث كان “يُـشبِـه تجاذبا لأطراف الحديث بين أصدقاء”، ولهذا السبب، تقول الخبيرة القانونية لدى منظمة العفو الدولية “نظرا لأن الدوَّل لا تختار أولئك الذين سيتدخّـلون، هناك دور يجب على البلدان التي تريد فعلا أن يكون هذا الامتحان ناجعا، أن تلعبه. يجب عليها أن تكون مُـبادِرة وأن تطرح أسئلتها بسرعة شديدة وأن تتقدّم بتوصيات واضحة للدوَّل، فهذه هي الطريقة الوحيدة لإقرار تحسينات ملموسة”.

العودة إلى عقوبة الإعدام

خلال هذه الدورة، لم يتردّد البعض في التقدُّم بتوصيات خيالية، وخاصة أثناء عرض ملفّ هولندا للامتحان. فبعد أن أورد المندوب المصري نتائج استطلاعات حديثة للرأي تشير إلى أن 72% من الأشخاص المستجوَبين يؤيِّـدون إعادة العمل بعقوبة الإعدام، وتساءل عن الإجراءات التي تعتزم الحكومة الهولندية اتِّـخاذها للردّ على “هذه الرغبة الشعبية، التي لا تُـقاوم”، أوصى بأن تُـطلِـق الحكومة الهولندية نِـقاشا حول هذه المسألة.

في سياق متَّـصِـل، شدّدت ماريان ليلليبييرغ على مسألة أثارت العديد من الانتقادات، وقالت “إننا نأسف أيضا لعدم تمكُّـن الخبراء والمجتمع المدني من التدخُّـل أثناء الامتحان والحوار التفاعلي، الذي يرافقه”، لكن تجدر الإشارة إلى أنه يُـمكن للمنظمات غير الحكومية أخذ الكلمة لدى اعتماد التقرير، الصادر عن جميع هذه الامتحانات، أي أثناء جلسة عامة تُـعقد في شهر يونيو القادم، ستتطرّق أيضا إلى آليات متابعة التوصيات المقدَّمة.

أهمية المتابعة

مهما يكن من أمر، فإن هذه الآلية لن يكون لها أي معنى، إلا إذا ما أدّت إلى حدوث تحسينات فعلية لمواطني البلدان المعنية. وتتساءل سامية أحمدي من الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان (مقرها باريس)، “كم من الوقت ستنتظر البلدان لتفعيل التعهّـدات، التي قطعتها على نفسها”؟

وتضيف ماريان ليللينبييرغ من جهتها، “المنظمات غير الحكومية، التي تعمل على الميدان، تُـصاب في مُـعظم الحالات بخيبة أمل، لأنها تنتظر تغييرات فورية وتريد مشاهدة التطبيق الملموس لهذا الامتحان في البلدان”.

أما مورييل بيرسي – كوهين فتُـشدِّد على الجوانب الإيجابية، وتقول “إن العديد من الدول التي تمُـرّ بمرحلة انتقالية نحو الديمقراطية، والتي تعرِف مشاكِـل جدّية في مجال حقوق الإنسان، تريد فعلا تحسين أوضاعها، كما أن إعداد الامتحان يدفعها إلى التناقش مع المنظمات غير الحكومية، وهو أمر يحدُث للمرة الأولى للعديد من هذه البلدان”.

سويس انفو – فريديريك بورنان وكارول فان (Tribune des Droits humains)

(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)

تأسس مجلس حقوق الإنسان رسميا، يوم 19 يونيو 2006، ليُـعوِّض لجنة حقوق الإنسان، التي تعرّضت لانتقادات شديدة بعد تحولها في نهاية حقبة الحرب الباردة إلى ساحة مواجهات عقيمة بين الكتل السياسية والجغرافية.

يتألف المجلس من 47 دولة، تُـنتخب مباشرة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة وتتراوح مدة عضويتها ما بين عام وثلاثة أعوام.

عقد المجلس في أقل من عامين 6 دورات استثنائية، خُـصِّـصت للنظر في قضايا عاجلة تعلقت بالحرب الإسرائيلية على لبنان والأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وميانمار ودارفور.

رغم الإصلاحات الجديدة، ظلت المواجهة قائمة داخل المجلس بين بلدان الشمال والجنوب، ولم يتمكن الهيكل الجديد من تجاوز الخلافات المزمنة ومنطق الكتل الإقليمية المتصارعة بشكل نهائي.

في الدورة الأولى، التي خصصها المجلس للاستعراض الدوري الشامل، خضعت 4 دول عربية لهذا الإجراء، وهي البحرين وتونس والمغرب والجزائر في الفترة الممتدة من 7 إلى 18 أبريل 2008.

في الدورة الثانية، التي تلتئم في جنيف من 5 إلى 16 مايو 2008، سيتمّ امتحان 16 بلدا، من بينها سويسرا وفرنسا وباكستان ومالي واليابان.

تتطلب المراجعة الدورية لوضع حقوق الإنسان في كل دول العالم وفقا لنفس الشروط
تتكون عملية المراجعة من تقديم الدولة المعنية لتقرير حول أوضاع حقوق الإنسان فيها من 20 صفحة.

يقدم مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان ملخصا من 10صفحات حول توصيات آليات حقوق الإنسان الخاصة والمقررين الخاصين بخصوص وضع حقوق الإنسان في الدولة المعنية.

كما يقدم مكتب المفوضية تقريرا من 10 صفحات يتضمن ملخصا لكل ما قدمته المنظمات غير الحكومية من معلومات حول وضع حقوق الإنسان في الدولة المعنية.

يناقش المجلس في جلسة عمل لمدة ثلاث ساعات محتوى كل هذه التقارير .

يقوم ثلاثة مقررين بجرد ملخص هذا النقاش وتقديم التوصيات الضرورية.

يناقش مجلس حقوق الإنسان لمدة ساعة إضافية تلك التوصيات ويصادق على ما يتم الاتفاق بشأنه وبموافقة الدولة المعنية. أما ما لا تقبله الدولة المعنية فيتم تدوينه جانبا ويأخذ المجلس علما به فقط.

يتوجب على مجلس حقوق الإنسان معالجة ملفات 48 دولة كل سنة على أن يتم تقديم كل دورة للمراجعة كل أربع سنوات.

اختار المجلس نظاما لاختيار الدول الأعضاء التي يجب استعراض تقاريرها بحيث يراعي الدول المتطوعة لذلك وتلك التي تقرب مدة عضويتها من الانتهاء وبتنويع بين الكتل الجغرافية وبين الدول الغنية و النامية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية