مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التنافس الأمريكي الأوروبي .. يحتدم!

تشهد منطقة المغرب العربي منذ فترة احتداما للتنافس بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي swissinfo.ch

وصل وزير الخارجية الأمريكي مساء الثلاثاء إلى العاصمة التونسية في بداية جولة مغاربية تعكس حرص الولايات المتحدة المتنامي على تعزيز حضورها في المنطقة.

في المقابل، يبدأ الرئيس الفرنسي يوم الأربعاء زيارة دولة إلى تونس يشارك إثرها في أول قمة لمجموعة خمسة زائد خمسة في تأكيد جديد على احتدام التنافس بين أوروبا وأمريكا في المغرب العربي.

التنافس الأمريكي- الأوروبي، أو بعبارة أدق الأمريكي الفرنسي، مستمر على قدم وساق. ففي الوقت الذي سيؤدي فيه الرئيس جاك شيراك زيارة دولة إلى تونس ابتداء من يوم الإربعاء 3 ديسمبر يحضر خلالها فعاليات قمة خمسة زائد خمسة، أعلنت الخارجية الأمريكية بشكل فجائي أن كولن باول سيقوم ابتداء من يوم الثلاثاء بجولة مغاربية ستقوده إلى تونس فالجزائر فالمغرب.

تأتي هذه الجولة لتزيد من تسليط الأضواء على هذه المنطقة التي ستشهد خلال شهر ديسمبر حركية دبلوماسية رفيعة المستوى لم يسبق أن شهدت مثلها، من حيث الكثافة ومستوى المشاركين فيها.

كل ذلك يدل على أن منطقة شمال إفريقيا مرشحة لعمليات جذب ودمج واسعة النطاق على الصعيدين، الإقليمي والدولي، وذلك بغرض تحقيق أهداف استراتيجية ليست بالضرورة متناسقة وموحدة السياقات.

قبل أسابيع ثلاث كان ويليام بيرنز في المنطقة، وقد فهم من بعض تصريحاته أن الولايات المتحدة ليست معترضة على صيغة خمسة زائد خمسة، لكن ما يجب أن تدركه أوروبا أن واشنطن أصبحت أكثر من أي وقت مضى شديدة الحرص على تعزيز حضورها، فيما تسميه بشمال إفريقيا.

وبالتالي، يجب على فرنسا وشركائها تجنب القيام بأي عمل يتناقض مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وهذا يعني أنه بالرغم من التسابق الملحوظ على النفوذ بين واشنطن وباريس، إلا أن ذلك لا يمنع وجود نقاط التقاء بينهما حول بعض الأهداف.

“إعادة تأسيس”

هما متفقان مثلا حول الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها منطقة المغرب العربي. فأمريكا التي تغيرت سياستها الخارجية منذ سقوط جدار برلين، لم تعد مقتنعة بتوزيع الأدوار والمصالح مع بعض حلفائها السابقين أثناء الحرب الباردة ومن بينهم فرنسا.

لهذا أصبحت تسعى منذ حرب الخليج الثانية نحو تعزيز حضورها الاقتصادي والسياسي والعسكري والإعلامي والثقافي في منطقة شمال إفريقيا. وقد وسعت مفهوم “الشرق الأوسط” ليشمل هذا الجزء الحيوي من العالم العربي، وأدمجته بشكل كامل حتى يستوعب خطتها الجديدة للهيمنة على هذا الجزء الحيوي من العالم.

وحتى تثبت أنها ستعطي للمغرب العربي دورا أكثر أهمية في هذه الخطة اختارت أن تكون تونس مركزا لمكتبها الإقليمي لمتابعة تنفيذ “مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط”. هذه المبادرة التي أعلن عنها من قبل باول ويسهر مع مساعديه لتجسيدها على أرض الواقع، مما سيعزز من صلاحيات ودور السفارة الأمريكية بتونس.

أما فرنسا، فقد قررت – بعد أن انتابتها حالة من الغفلة – إعادة تأسيس علاقاتها من جديد مع المغرب العربي، الذي شكل تاريخيا إحدى مجالاتها الحيوية، وذلك ضمن توجه أشمل يهدف إلى جعل إفريقيا والدول الفرنكفونية أحد الدروع التي قد تحد من محاولات الاختراق والهيمنة الأمريكية.

التقاء في الأهداف ولكن ..

يتفق الطرفان أيضا حول ضرورة التوحيد الاقتصادي والتجاري لمنطقة المغرب العربي.هذا ما يحاول أن يساعد عليه الاتحاد الأوروبي من خلال اتفاقيات الشراكة الثنائية وتنفيذ برنامج “ميدا” الذي يرمي، حسبما يدعيه واضعوه، إلى دعم الإصلاحات الاقتصادية وتطوير قدرات القطاع الخاص وتأهيله لمواجهة المنافسة بعد التحرير الكامل للتجارة.

نفس تلك الأهداف أكد عليها قبل أيام قليلة بيرينز عندما اعتبر أن مصلحة شمال إفريقيا تكمن في أن يشهد اندماجا أكبر اقتصاديا وتجاريا. وكشف أن جولته التي قام بها كانت بالدرجة الأولى تهدف إلى إبراز الدعم الأمريكي لهذا التوجه. فخلق سوق يتكون من ستين مليون مستهلك يخدم على السواء في ظل العولمة الشركات الأمريكية والأوروبية.

كما يلتقي الطرفان أيضا حول وجوب تسريع نسق الإصلاحات الهيكلية الجارية منذ فترة في دول المنطقة. إذ بدون هذه الإصلاحات، خاصة الاقتصادية والإدارية والتشريعية، فإن توحيد السوق يبقى عملا عسيرا.

وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم يختلف المتنافسان على المغرب العربي حول ربط تلك الإصلاحات المنشودة بالمسألة الأمنية، التي وإن اتخذت بعدا مضخما لدى الإدارة الأمريكية إلا أنها تحتل أيضا موقعا بارزا في سياسات باريس والعواصم المتضامنة معها والتي تشترك معها في المصالح.

الأنظمة بين المخاوف والضغوط

فمجموعة خمسة زائد خمسة هي في الأساس صيغة من صيغ حماية الأمن القومي لدول جنوب أوروبا. وأول أحد المحاور الثلاثة التي ستنظر فيها قمة تونس هو المحور السياسي الأمني المتعلق بمكافحة “الإرهاب”. ويتوقع أن يتبنى الرؤساء العشر مشروع “الميثاق الأوروبي المتوسطي للسلم والاستقرار” بالنظر إلى أن الدول الأوروبية تركز أكثر من الولايات المتحدة على مسألة الهجرة السرية التي ترى فيها “خطرا أمنيا على استقرارها”.

إن الالتقاء في الأهداف لا يعني بالضرورة التقاء المصالح أو تقلص حدة التنافس والتنازع. فكل من أمريكا وفرنسا تعملان على استقطاب دول المنطقة والاستعانة بها في معارك خفية ومعلنة تتجاوز حدود شمال إفريقيا وقد لا تعنيها بصفة مباشرة. والمؤكد أن جولة باول هي رسالة أخرى من الولايات المتحدة مضمونة الوصول إلى أوروبا، للتأكيد بأن المغرب العربي لم يعد منطقة نفوذ فرنسي.

أما بالنسبة للأنظمة المغاربية فإن هذا التنافس بقدر ما يثير المخاوف، إلا أن كل نظام سيعمل على استغلاله لصالحه لتحقيق أعلى قدر من المكاسب السياسية والمالية التي من شأنها أن تخفف من حدة الأزمات المحلية أو الإقليمية. فاختيار تونس مثلا مقرا لفرع البنك الأوروبي للاستثمار والمكتب الإقليمي حول النقل، هو تعبير عن ثقة في الوضع الاقتصادي وربما السياسي التونسي.

لكن ما تخشاه هذه الأنظمة هو أن تمارس عليها ضغوط في مجال حقوق الإنسان والإصلاحات الديمقراطية. فجميعها بدون استثناء ترى في ذلك مسا من السيادة، ومحاولة لإرباكها، لكن إلى أي مدى هي مستعدة لرفض الاستجابة لبعض المطالب؟

جعجعة كثيرة..

فبالرغم من أن حكومات جنوب أوروبا الغربية تحاول أن تتحاشى إحراج حكومات جنوب المغرب العربي في هذا المجال، إلا أن الاجتماع الوزاري الأوروبي الذي احتضنته فرنسا يومي 9 و 10 أفريل الماضي قد أعاد التأكيد على عدم الفصل بين الحريات السياسية والاقتصادية، وأن المسألة الديمقراطية ستكون إحدى المحاور الأساسية في جدول أعمال قمة تونس.

وفي هذا السياق تكثفت مثلا المحاولات في الأيام الأخيرة لإقناع الرئيس شيراك بإثارة عدة ملفات مع الجهات التونسية، وفي مقدمتها ملف السيدة راضية النصراوي المضربة عن الطعام منذ أكثر من أربعين يوما.

نفس الأمر حصل مع وزير الخارجية الأمريكي الذي تلقى مؤخرا رسائل من بعض الجمعيات والجهات الأمريكية تطالبه بطرح مسألة حقوق الإنسان والحريات خلال محادثاته مع المسؤولين في العواصم المغاربية.

من جهة أخرى، لا يبدو أن حكومات دول المغرب العربي تتوفر على المعطيات الدقيقة حول المشروع الأخير الذي كشف عنه الأمريكان للأوروبيين الخاص بما وصف بخارطة طريق خاصة “بالشرق الأوسط الموسع” والهادفة حسب قول الرئيس بوش إلى تعميم الديمقراطية على جميع دول المنطقة.

جعجعة كثيرة لم تنجلي بعدها الصورة الحقيقية للنوايا، لكن بالرغم من كل ذلك فإن مجرد عقد قمة خمسة زائد خمسة بتونس، وتوجه كولن باول إلى المنطقة للإسراع بطرح مزيد من مشاريع التعاون الثنائي، مثل إقامة منطقتي تبادل حر مع تونس والجزائر على غرار ما حصل مع المغرب، يشكل في حد ذاته دعما غربيا قويا لدول المنطقة وأنظمتهاالحاكمة.

صلاح الدين الجورشي – تونس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية