مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الولايات المتحدة الافغانية!؟

هل سينجح الباشتون في تجاوز خلافاتهم والاتفاق على ممثلين لهم في الحكومة الافغاية المقبلة؟ swissinfo.ch

دخلت الحرب الافغانية مرحلة حاسمة بعد سيطرة قوات التحالف الشمالي على شمال البلاد والعاصمة كابول وسط تقهقر لقوات الطالبان التي مازالت تحتفظ بمدينة قندهار التي تتخذها مقرا لها.

ولم تكشف الولايات المتحدة عن مخططها الاستراتجيي حتى لأقرب حلفائها باكستان التي بدأت تشكك بالاهداف الامريكية وسط مخاوف من ان تنعكس الاوضاع في افغانستان سلبيا على مستقبل الأمن والاستقرار في البلاد خاصة ان قوات التحالف الشمالي تستولي على المدن والقرى الافغانية الواحدة تلو الاخرى بمباركة امريكية – بريطانية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هو مصير حركة طالبان في أية حكومة مقبلة؟ وهل سيكون التمثيل لقبائل الباشتون التي تشكل واحدا واربعين في المائة من الشعب الافغاني بالمستوى المطلوب؟

هذه التساؤلات وتسارع الاحداث، دفعت بالمجتمع الدولي الى الاسراع في بحث مستقبل الحكومة الافغانية وعقدت مجموعة الدول الست المجاورة لافغانستان والولايات المتحدة وروسيا، اجتماعات مطولة في الامم المتحدة، وتم التأكيد على ضرورة تشكيل حكومة بقاعدة شعبية واسعة، تضم جميع الفصائل والاعراق من شرائح المجتمع الافغاني كافة.

وكانت فصائل من قبائل الهزارة الشيعية قد توجهت الى العاصمة كابول، في قرابة الف مقاتل، مسلحين جيدا للمشاركة في قوات التحالف الشمالي لادارة شؤون العاصمة، وهي اشارة واضحة الى ان الشيعة في أفغانستان الذين يشكلون خمسة في المائة تقريبا من الشعب الأفغاني، يريدون نصيبهم من التمثيل في أية حكومة أفغانية مقبلة.

وهناك ايضا أنباء عن انشقاق داخل صفوف حركة طالبان وانضمام بعض القادة والمقاتلين من قبائل الباشتون الى صفوف قوات التحالف الشمالي، الذى يضم غالبية من أصل طاجيكي وأوزبكي، ولكن هل سيكون هؤلاء الممثلين الحقيقيين للباشتون في أية حكومة مقبلة؟

ويجب ألا تذهب القراءات بعيدا لمثل هذا التبادل في القبعات فوق الرؤوس في أفغانستان، فهذا من الاشياء المتعارف عليها والمألوفة في هذا البلد. فالخريطة السياسة تبدو غامضة حتى الآن ولا زالت فرضية تقسيم أفغانستان احدى الحلول المطروحة، لكن قبائل الباشتون ترفض ذلك بشدة بل انها قاتلت قادة التحالف الشمالي في اواسط التسعينات لمنع حدوث ذلك.

ومن الضروري التذكير هنا بأن حوالي ستين في المائة من المصادر الطبيعية، من نفط وغاز طبيعي ومناطق زراعية خصبة توجد في الشمال اضافة الى ثمانين في المائة من وحدات القطاع الصناعي السابق في افغانستان.

الخاسرون في لعبة الكبار

لذا فان التقسيم لن يكون لمصلحة قبائل الباشتون، الذين يتمركزون في جنوب وشرق البلاد، وهذا ما سيؤدي الى استمرار الحرب الاهلية واحتدام العداوات بين الأقليات وزيادة الضغوط على باكستان، لاستقبال المزيد من اللاجئين الأفغان، لتبقى منهكة اقتصاديا وسياسيا، مما يجعل من السهل ابتزاز أية حكومة باكستانية من قبل الدول العظمى وصندوق النقد الدولي، لابقائها الحليف الاستراتيجي طالما تخدم مصالح هذه الدول.

هذا التصور لا يمثل اخبارا سارة لمستقبل الجنرال برفيز مشرف، في الوقت الذي تزداد النقمة الشعبية عليه لتقديمه الدعم المطلق للتحالف الامريكي في الحملة ضد أفغانستان. وهو ما وضع صانعي القرار في اسلام آباد في دوامة من الجدل حول الانقلاب الجذري الذي طرأ على سياستها تجاه “صنيعتها” حركة طالبان بعد سنين مضنية من الدعم اللامحدود الذي كان يرمي للخروج نهائيا من دوامة الحلم الذي يراود قبائل الباشتون في كلا البلدين باقامة دولة “باشتونستان”.

واشنطن تريد الانتقام من حركة طالبان وقبائل الباشتون لرفضها دعم شركة اليونيكول « UNICOL » ودلتا « DELTA » الأمريكيتين في مشروعهما لمد انبوب لنقل النفط من تركمانستان الى باكستان عبر الأراضي الأفغانية، واعطاء الأفضلية في المشروع لشركة أرجنتينية باريداس PARIDAS وكذلك رفضها تسليم المشتبه به أسامة بن لادن للولايات المتحدة، رغم الوساطة الباكستانية والسعودية والاماراتية. ومن المعروف أن المجلس الذي شكله المولى محمد عمر، الزعيم الروحاني للحركة يشكل أغلبيته من الباشتون القندهاريين.

عدا ذلك، فان التحالف الشمالي وروسيا والهند لا يريدون أي تمثيل لطالبان في حكومة أفغانية، لكن قادة القبائل الباشتون يؤكون أنهم يشكلون الاغلبية من السكان الأفغان وأن كابول ستكون دوما برئاسة الباشتون.

وعلى أي حال، فان مجلس الشورى الأعلى للقبائل الأفغانية الذي يعرف، باللويا جيرغا، سيلعب دورا حاسما في مستقبل أية حكومة أفغانية، اذ من المعروف أن المجلس يعقد اجتماعات كل فترة للبت في القضايا والمسائل الاجتماعية والسياسية التي تعصف بالبلاد.

وخلاصة الأمر أن الجزء الرئيسي من المأساة الأفغانية، هو أن المجموعات العرقية التي تستولي على كابول، كانت دوما تنفرد بالسلطة وترفض مشاركة الأطراف الأخرى.

هذه الاجراءات لم تنجح على مدى العقود الماضية لأن المحرومين من التمثيل في السلطة، كانوا دوما يحاولون الحصول على حقوقهم بقوة السلاح، والدول المجاروة لأفغانستان، لعبت دورا أساسيا في استمرار معاناة الشعب الأفغاني من خلال دعمها لطرف من الأطراف المتناحرة ضد بعضها البعض ولم تنعم هذه البلد بمرحلة الاستقرار أو الازدهار.

فهل يتكرر الخطأ نفسه؟ وهل ستدرك هذه الدول أن مصالحها سيتم الحفاظ عليها لو تركت أفغانستان وشأنها؟ ومن يتحدث عن مصلحة أفغانستان وشعبها البريء من جشع الدول العظمى وأطماع دول الجوار ولعبة الكبار؟

لاأحد يتعلم من دروس التاريخ والحروب الماضية التي سرعان ما تتناساها.

د.وائل عواد – نيودلهي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية