
تحليل-بعد انتزاع موافقته.. هل يستطيع ترامب الإبقاء على التزام نتنياهو باتفاق غزة؟

من جرام سلاتري وألكسندر كورنويل وحميرة باموق
واشنطن (رويترز) – أخيرا حقق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي نصب نفسه صانعا للسلام وسعى للحصول على جائزة نوبل نصرا دبلوماسيا أمكنه استعراضه أمام الكاميرات يوم الاثنين مع توجه عدد من قادة الدول إلى مصر لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ومبادلة الرهائن الإسرائيليين بمعتقلين فلسطينيين الذي توسط فيه بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
لكن محللين يرون أن ترسيخ إرادة لسلام دائم يتطلب من ترامب أن يواصل الضغط على الرجل الذي سيحتاج إلى دعمه في المراحل التالية من خطته، وهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ووجد الرؤساء الأمريكيون بدءا من بيل كلينتون وحتى جو بايدن صعوبة في العمل مع الزعيم الإسرائيلي العنيد، وحتى مسؤولو إدارة ترامب شعروا بالإحباط من بعض الضربات العسكرية الإسرائيلية التي يرون أنها تقوض السياسة الأمريكية.
لكن ترامب تمكن هذا الشهر من دفع نتنياهو إلى قبول خطته لإنهاء الحرب في غزة مع إقناع دول بالشرق الأوسط لدفع حماس لإعادة جميع الرهائن الإسرائيليين، وهو أمر كان ورقة الضغط الرئيسية للحركة في الحرب.
لكن العمل الشاق سيبدأ بعد هذه المرحلة.
* خلافات على جوانب من خطة ترامب
لا تزال إسرائيل وحماس منقسمتين بشكل حاد حول عدد من جوانب خطة ترامب المكونة من 20 بندا، وبينما تستعد إسرائيل لانتخابات العام المقبل، ربما يتغير نهج نتنياهو في الوقت الذي يحاول فيه الحفاظ على تماسك ائتلافه اليميني.
وانتقد حليفان لنتنياهو في الحكومة الائتلافية يتمتعان بالنفوذ، وهما إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش، اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس. وهدد بن جفير، وهو وزير الأمن الوطني، بالاستقالة من الحكومة احتجاجا على ذلك.
وقال نمرود جورن رئيس المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (ميتفيم)، وهو مركز أبحاث إسرائيلي “ندخل عاما سياسيا يرتبط فيه كل شيء بالحملات الانتخابية، وربما تنقلب حسابات نتنياهو من الرضوخ للضغوط إلى محاولة لضمان بقائه السياسي”.
ويرى دبلوماسيون ومحللون أن قوة خطة ترامب للسلام هي أيضا مصدر ضعفها.
فالوثيقة التي تشكل جوهر الصفقة تغفل الكثير من التفاصيل، ولم يوافق أي من الطرفين فعليا على التفاصيل الدقيقة لكل بند. وكان هذا الغموض عاملا أساسيا في إقناع الطرفين بالتوقيع، لكن الأمر نفسه يعني أن جانبا من أصعب المهام الدبلوماسية بدأ للتو.
ومن بين نقاط الخلاف المحتملة في خطة ترامب للسلام الاتفاق على نزع سلاح حماس وعدم توليها لأي دور في الإدارة المستقبلية لغزة.
وبينما وافقت حماس على خطة ترامب بشكل عام، لم يتطرق ردها الرسمي لهذه البنود تحديدا. وأشار قادة من الحركة إلى أنهم يرون بالفعل دورا لأنفسهم في إدارة غزة بعد الحرب.
وقال جون ألترمان خبير شؤون الشرق الأوسط في مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية والمسؤول السابق في وزارة الخارجية “هناك العديد من الاحتمالات التي ربما تتطور إليها الأمور”.
ومضى يقول “من الصعب تذكر اتفاق دولي ترك مثل كل هذه الأمور الكثيرة ليتم حسمها لاحقا”.
ولم ترد السفارة الإسرائيلية في واشنطن بعد على طلب للتعليق. وأشار مسؤول أمريكي كبير إلى أن ترامب اكتسب نفوذا لدى نتنياهو بصورة ما من خلال دعمه القوي لإسرائيل في قضايا مهمة أخرى.
واعترفت إدارة ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل وبضم هضبة الجولان إلى إسرائيل، وهما أمران لطالما سعت إليهما الحكومات الإسرائيلية.
وقال المسؤول الأمريكي “أحد الأمور التي فعلها الرئيس ترامب مع إسرائيل… هو أنه لا يحاول أن يكون في منتصف الطريق. لقد وقف جنبا إلى جنب مع إسرائيل بنسبة مئة في المئة. وبفضل ذلك، تمكن من مساعدتهم في السير في الاتجاه الصحيح”.
وذكر خبير استطلاعات الرأي الإسرائيلي ميتشل باراك، الذي عمل مع نتنياهو في التسعينيات، أن الزعيم الإسرائيلي ليس لديه خيار سوى “الامتثال” للولايات المتحدة ما دام ترامب في البيت الأبيض.
* ترامب الأكثر صرامة
لترامب سجل متباين فيما يتعلق بممارسة الضغط السياسي على نتنياهو.
ففي يوليو تموز، قصفت إسرائيل مجمع وزارة الدفاع السورية في دمشق في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة حريصة على توسيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة. ووفر الرئيس الأمريكي لنتنياهو غطاء سياسيا في غزة طيلة أشهر رغم المخاوف الإنسانية المتزايدة بين الحلفاء الأوروبيين والعرب.
لكن ترامب ظهر أكثر صرامة في الأسابيع القليلة الماضية، وأجبر نتنياهو على الاتصال بأمير قطر للاعتذار له بعد غارة غير ناجحة شنتها إسرائيل في سبتمبر أيلول لاستهداف وفد حماس المفاوض في الدوحة. وأجبر نتنياهو على التوقيع على الخطة الأمريكية المكونة من 20 بندا رغم مخاوفه.
وقال ألترمان الخبير في شؤون الشرق الأوسط إن ترامب يستطيع على الأرجح التأثير على نتنياهو بسبب شعبيته الكبيرة في إسرائيل.
وأضاف “أكبر ورقة نفوذ في يد ترامب هي أنه يتمتع بشعبية سياسية في إسرائيل أكبر بكثير من نتنياهو… يمكنه إما دعم مستقبل نتنياهو السياسي أو القضاء عليه”.
وسخر ترامب في الخطاب الذي ألقاه أمام الكنيست الإسرائيلي يوم الاثنين من نتنياهو بطريقة تشير إلى أنه لا يشعر بالحاجة إلى معاملته باحترام خاص.
وقال ترامب ضاحكا “حسنا، كما ترى، يمكنك الآن أن تكون ألطف قليلا يا بيبي (نتنياهو) لأنك لم تعد في حالة حرب بعد الآن”.
لكن انتخابات العام المقبل ربما تغير حسابات نتنياهو السياسية بشكل يصعب التنبؤ به.
ويحذر محللون من أن مماطلة حماس في نزع سلاحها ربما تؤدي إلى قيام عناصر يمينية في الحكومة الإسرائيلية بالضغط على نتنياهو لاستئناف العمليات العسكرية في غزة، مما ينسف عمليا اتفاق ترامب.
وقال سيمحا روتمان، العضو في حزب الصهيونية الدينية وفي الائتلاف الحاكم بزعامة نتنياهو، لرويترز يوم الاثنين “نحن منزعجون من حقيقة أن حماس لا تزال تعلن حتى اليوم أنها ستبقى في السلطة في غزة”.
وأضاف “لسنا سعداء بأي اتفاق لا يحقق استسلام حماس بالكامل… لن نقبل بأي انتصار جزئي”.
وهناك مسألة أخرى قد تكون مزعجة، وهي التي وردت في بند بخطة غزة يعترف بإمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل. ويقول محللون إن معظم الإسرائيليين سيجدون صعوبة في قبوله بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023.
وقال دان شابيرو، وهو سفير أمريكي سابق لدى إسرائيل، إن رغبة الدول العربية في دفع حماس للوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق ترامب ربما تصبح محدودة إذا ما شن السياسيون في الحكومة والمعارضة حملة كبيرة ضد إقامة دولة فلسطينية.
وأردف يقول “كان من الضروري جدا إدراج (هذا البند) للحصول على دعم الدول العربية والقيام بدورها”.
وأضاف “إذا كان الخطاب السياسي هو الرفض التام لقيام دولة فلسطينية إلى الأبد، أعتقد أن ذلك قد يؤثر على حماسة الأطراف العربية في القيام بالأدوار التي يجب أن تقوم بها”.
(شارك في التغطية ديفيد برونستروم ومات سبيتالنيك من واشنطن وبيشا ماجد من القدس – إعداد محمود رضا مراد ومروة غريب ونهى زكريا للنشرة العربية)