The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
الديمقراطية السويسرية
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

الحرّ الشديد يعرّض حياة مئات الملايين من العمّال للخطر

عامل بناء
عامل البناء جوستينو يبرد نفسه خلال موجة حر في تكساس. Copyright 2025 The Associated Press. All Rights Reserved

من المزارع إلى المصانع، يؤدي الارتفاع الكبير في درجات الحرارة إلى تقليص مستوى الإنتاجية، وتعريض حياة العمّال للخطر، بينما تدفع الفئات الأكثر فقرًا الثمن الأكبر. 

وأشار تقرير مشترك، صادر عن منظمة الصحة العالمية (WHO) والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) نُشر مؤخرًا، إلى تعرُّض نصف سكان العالم للتأثيرات الناتجة عن موجات الحر الشديدة. وتوضح الإرشادات المقدمة التوصيات الموجهة لكل من الشركات والحكومات، في ظل تأثير تغير المناخ، ولا سيما الإجهاد الحراري بشكل كبير في عالم العمل. 

وقال الدكتور روديجر كريش، مدير الصحة والبيئة وتغير المناخ في منظمة الصحة العالمية، خلال مؤتمر صحفي مقتضب الأسبوع الماضي:” تشكّل موجات الحر الشديد أزمة في مجال الصحة العامة، وتلحق أضرارًا بصحة مئات الملايين من العمّال والعاملات ومعيشتهم.ن، في مختلف أنحاء العالم”.  

ويأتي هذا التحذير في الوقت الذي أكدت فيه المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن عام 2024 كان الأكثر دفئًا على الإطلاق، إذ بلغ متوسط درجات الحرارة العالمية 1،45 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. وكان العقد الماضي الأكثر سخونة في تاريخ البشرية. وشهد صيف 2025 درجات حرارة تجاوزت 50 درجة مئوية في الشرق الأوسط، و40 درجة مئوية في جميع أنحاء أوروبا، حيث واجهت البلدان الواقعة جنوب أوروبا مرة أخرى حرائق غابات مدمرة. 

وأشارت التوجيهات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن “تغير المناخ يعني أن التحديات الصحية الناتجة عن الإجهاد الحراري البيئي ستزداد شدتها، وستتوسع آثارها السلبية، المباشرة وغير المباشرة، جغرافيًا”. 

اليد العاملة في الصفوف الأمامية

وفي ظل تصدّر موجات الحر الشديد عناوين الأخبار بسبب الزيادة الملحوظة في حالات الاستشفاء والوفيات، يظهر التهديد المستمر بشكل يومي في أماكن العمل. ولفت التقرير الانتباه إلى استمرار ملايين العمال، من النساء والرجال، النشطين في مجالات الزراعة، والبناء، والصيد، في أداء الأعمال المنوطة بهم في ظل ظروف خطرة. 

وتُوثّق العواقب الصحية للإجهاد الحراري من خلال مجموعة من الأدلة، مثل جفاف الجسم، وأمراض الكلى، والخلل في الجهاز العصبي، وقد تصل بعض الحالات إلى الوفاة. وغالبًا ما يتم تجاهل الأعراض، أو تشخيصها بشكل غير صحيح، ما يؤدي إلى تأخير العلاج. ويشير التقرير إلى معاناة الأشخاص العاملين بشكل منتظم في ظروف مناخية حارة  من “ضغط نفسي إضافي، فضلا عن تزايد مخاطر الإصابة بالأمراض”. 

وخلال المؤتمر الصحفي نفسه، أكّد يواكيم بينتادو نانز، مدير قسم السلامة المهنية في منظمة العمل الدولية، حجم المشكلة. وقال:” قد يكون التعرض للحرارة الشديدة من بين المخاطر المهنية الجسيمة في عالم العمل اليوم”، مشيرًا إلى أنّ أكثر من 2.4 مليار عامل وعاملة معرّضون للحرارة المفرطة، ممّا يؤدي إلى إصابة أكثر من 22 مليون شخص ووفاة 19.000 منهم ومنهن سنويًا.  

الخسائر الاقتصادية بالمليارات

لا تقتصر المشكلة على الجانب الصحي فقط، بل يؤثر ارتفاع درجات الحرارة أيضًا في الإنتاجية. وتشير توجيهات منظمة الصحة العالمية، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن “إنتاجية العامل.ة تنخفض بنسبة تتراوح بين 2 و3% مع كل درجة حرارة تتجاوز 20 درجة مئوية في مؤشر الحرارة الكروية الرطبة”. ويقيس هذا المؤشر الإجهاد الحراري تحت أشعة الشمس المباشرة، إذ يأخذ في الاعتبار حرارة الهواء، والرطوبة، وزاوية الشمس، ودرجة غطاء السحب. 

وأوضح كريش أن الغرض هو الحفاظ على درجة حرارة جسم العمال.ات أقل من 38 درجة مئوية. لكن رفض الخبراء المتحدّثون في المؤتمر، وضع حد عالمي ثابت لدرجة الحرارة الآمنة لصحة هؤلاء، وهو مطلب تكرره النقابات. وأكدوا تأثير الرطوبة، والجهد البدني، والظروف المحيطة، في مستويات المخاطر بشكل كبير. 

يعتبر الأثر الاقتصادي عنصرًا آخر مهمًا. وينبه التقرير إلى خطر الإجهاد الحراري في أماكن العمل ضمن الاقتصادات المعتمدة على القوى العاملة البدنية، إذ “لا يمكن أن يؤثر ذلك في حياة الأفراد فقط، بل أيضًا في دخل الأسر، ما يعرض جهود مكافحة الفقر للخطر”. 

الطبقة الفقيرة تدفع الثمن الأكبر

قد يكون من الممكن للفئات الغنية تجنب فترات الحرارة الشديدة، أو نقل أنشطتها إلى الأماكن المغلقة. لكن يختلف الوضع بالنسبة إلى المجتمعات ذات الدخل المنخفض، في الدول النامية. ووفقًا للتقرير، “يمكن أن يساعد تجنب التعرض لدرجات الحرارة العالية، أو تقليل النشاط البدني في الحد من المخاطر الصحية، لكن لا يتماشى ذلك مع إمكانية العيش حياة صحية ومنتجة”. 

ويُضطرّ العمّال، الرجال والنساء، إلى مواجهة مقايضة قاسية: المخاطرة بحياتهم أو بمعيشتهم. ويساهم هذا الوضع في تعميق حالة عدم المساواة، ويهدّد بتراجع التقدم المحرز في مجال مكافحة الفقر. كما أشار التقرير إلى زيادة التعرض قصير الأمد لارتفاع درجات الحرارة النهارية، من خطر الوفاة المبكرة لأسباب متعلقة بأمراض القلب والشرايين، لاسيما بين النساء، وكبار السن.  

المسألة لا تتعلّق بالمياه والظل فحسب

أفاد التقرير أنّ الحكومات في العديد من الدول، تصدر تحذيرات صحية عامة متعلقة بموجات الحر، ولكنّها مخصّصة لعامة السكان، وليس لفئة يتوجب عليها متابعة العمل مهما كانت الظروف.    

وأشار إلى أنّه “غالبًا ما تكون هذه المقاربات ذات صلة محدودة بالعمّال الذين يتعيّن عليهم عمومًا الحفاظ على مستوى معيّن من الإنتاجية، للحيلولة دون الإضرار بالنشاط الاقتصادي”.  

وتدعو منظمة الصحة العالمية، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية عوضًا عن ذلك، إلى تطوير برامج مهنية مخصصة للتعامل مع الإجهاد الحراري، وذلك بمشاركة أصحاب العمل، والنقابات، والعمال، والسلطات المحلية. ومن بين الخيارات المقترحة، إعادة تنظيم جداول العمل، وتوفير فترات استراحة في مناطق الظل، وتقديم ملابس واقية، وتطبيق تقنيات التبريد مثل المراوح، أو أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء. 

يؤكد الخبراء والخبيرات أن رفع مستوى الوعي في أفريقيا، حيث يعمل غالبية السكان في القطاع غير المنظّم، يعدّ بنفس أهمية الخطط الوطنية، خاصةً في ظل غياب إجراءات رسمية للوقاية. 

أكد كريش أنه لا يمكن تجاهل هذا التحدي، أو اعتباره مجرد إزعاج، وأوضح أن “الجديد هو شدة ارتفاع درجات الحرارة، إذ لا يعني تفاقمها زيادة عدد أيام الحر فقط، بل يشمل أيضًا ارتفاعًا أكبر في درجات الحرارة. ويعتبر استمرار عمال البناء في أداء عملهم في مدريد عند الساعة الثالثة بعد الظهر، مثالًا واضحًا على وضع يستدعي التغيير”. 

كما يسلّط التقرير الضوء على الثغرات الموجودة في التدريب: “رغم أنّ علاج معظم هذه الحالات أصبح معروفًا، غالبًا ما يتمّ التشخيص بشكل خاطئ، أو لا يتمّ الاعتراف بها، وقد تؤدي إلى آثار سلبية خطيرة على صحة المريض”.    

تحدّي التنمية العالمية   

تربط التوجيهات الصادرة مسألة الإجهاد الحراري بشكل مباشر بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الأربعة: القضاء على الفقر، والصحة الجيدة والرفاه، والعمل اللائق، والعمل المناخي. وتقول إنّ معالجة المشكلة لا تتعلّق بحماية العمّال في أيام الحرّ الشديد فحسب، وإنّما بحماية الاقتصادات بأكملها، وسلاسل التوريد العالمية.  

وتضيف أنّه ينبغي مشاركة الجهات المعنية في وضع السياسات، وإقامة التوازن بين ” الاستدامة البيئية، والجدوى الاقتصادية، والجدوى العملية”. وإذا لم يتمّ اتخاذ هذا الإجراء، فسترتفع التكاليف الصحية والانتاجية، مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب.  

وكان يواكيم نانز صريحًا في الدعوة إلى اتخاذ إجراءات جريئة ومنسقة، معتبرًا أنّ:” تغير المناخ يعيد تشكيل عالم العمل، ويجب التحرك بسرعة”.  

تحرير: فيرجيني مانجان

ترجمة: ناتالي سعادة

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية