مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حزب “الوفد” المصرى يدخل الدوامة

نعمان جمعة، زعيم حزب الوفد ومرشحه إلى الإنتخابات الرئاسية الأخيرة في مصر في اجتماع انتخابي عقد يوم 4 سبتمبر 2005 swissinfo C Helmle

يمر حزب الوفد، أعرق الأحزاب المصرية منذ عدة أشهر بأزمة طاحنة وصلت إلى ذروتها في الأيام الأخيرة.

ورغم خصوصياتها، تبدو أزمة الوفد تجسيدا لأزمة الأحزاب المصرية جميعها، ودليلا آخر على أن غياب الديمقراطية الداخلية واستمرار الرؤساء دون محاسبة أو مساءلة، وانعدام التواصل السياسى بين الأجيال تؤدي مجتمعة إلى نتائج كارثية.

على غير المعتاد خرجت صحيفة حزب الوفد المصرى يوم الخميس 19 يناير الجارى دون أن تشير بكلمة واحدة لما يجرى فى الحزب من انشقاقات وصراعات، أدت بمجموعة من أعضاء الهيئة العليا للحزب ـ 33 عضوا من بين 60 عضوا حضر منهم 45 فقط الاجتماع ـ بفصل رئيس الحزب نعمان جمعة، فى حين تمترس الأخير ومجموعة من أنصاره فى مقر الحزب، معتبرين أن قرار فصل الرئيس غير قانونى وفقا للوائح الحزب نفسه.

فى الوقت نفسه أرسل كل فريق مذكرة للجنة الأحزاب يطلب الاعتراف بوضعيته القانونية، القديمة لنعمان، والجديدة لمحمود أباظة الذى أعلنت رئاسته للحزب بصورة مؤقتة لحين انتخاب رئيس جديد من الجمعية العامة.

مشهد متكرر وعبارة شهيرة

وتكاد هذه الواقعة أن تكون مشهدا متكررا فى كل الأحزاب المصرية التى تعرضت لنوع من التجميد الفعلى لاحقا، حيث امتنعت لجنة الأحزاب عن اتخاذ موقف يناصر أى من الفريقين المتصارعين، واعتمدت عبارة شهيرة، نصها “يُجمد الحزب إلى حين إنهاء الخلاف اتفاقا أو قضاء”. وعادة لا تحدث التسوية، ويدخل الحزب فى ثلاجة التجميد القانونى والفعلى.

حزب الوفد وما جرى فيه يجعله على أعتاب التجميد، وهو الآن فى مرحلة الدوامة التى تشهد بدورها موجات من الرفض والقبول تلاحقها موجات من الاستقطابات الداخلية التى يصاحبها عادة استخدام “بلطجة” من طرف فريق ضد آخر، تماما كما حدث ليلة اجتماع الهيئة الفدية العليا التى تعرض فريقها الإصلاحى إلى تحرشات مجموعة من المحسوبين والمناصرين لنعمان جمعة، ثم تنتهى هذه الموجات بمذكرات قانونية مختلفة أمام لجنة الأحزاب التى تفضل دائما إغلاق الحزب بدلا من ترك آلياته الداخلية تأخذ دورها إلى النهاية.

معضلة الوفد وتاريخه

معضلة الوفد هنا انه ليس حزبا صغيرا، أو هامشيا ككثير من الأحزاب التى حصلت على رخص قانونية فى مصر طوال العقدين الماضيين، وليس لها من الوجود الحزبى سوى مقر يتيم وعدد ضئيل من الأعضاء، ورئيس لا يعرف المصريون اسمه أو إلى ماذا يدعو.

فالوفد الجديد المنشأ فى 1978 هو وريث طبيعى لحزب الوفد الذى يمثل الحركة الوطنية المصرية طوال القرن العشرين ضد الاستعمار البريطانى، وشكل تقاليد ما يعرف بالليبرالية المصرية والوحدة الوطنية التى تعلى مبدأ المواطنة وتحترم مبدأ الكفاءة ولا تنظر إلى معيار الهوية الدينية، فالدين لله والوطن للجميع.

ولذلك فإن تجميد الوفد لا يمثل خسارة حزب، بل خسارة للوطن ككل، سوف تتجسد فى حرمان أفكار عظيمة من بعض من يمثلونها حزبيا.

لا داعى للمفاجأة

دخول الوفد دوامة الصراعات الداخلية لم يكن مفاجئا للكثيرين الذين يتابعون ما يجرى منذ فترة ما بعد الانتخابات النيابية الأخيرة التى كشفت ضعف الحزب بين الناس، حيث حقق الحزب فقط ثلاثة مقاعد، مما أثار التحليلات والتساؤلات الكثيرة عن من المسئول عن هذه الحصيلة الهزيلة.

ولم يكن هناك مفر من اعتراف الكثيرين لاسيما داخل الهيئة العليا للوفد، التى تمثل القيادة الجماعية للحزب، بالدور السلبى الذى لعبه رئيس الحزب فى إضعاف هياكله التنظيمية بما عرف عنه من فقدان السمات القيادية والنزوع نحو “شخصنة” الأمور وتوظيف سلطات رئيس الحزب الواسعة جدا حسب لوائحه الداخلية التى أقرت منذ العام 1996 فى طرد أى صوت مخالف له من الحزب دون الرجوع إلى هياكل الحزب المعنية بمساءلة الأعضاء وتأديبهم عند الضرورة.

ومن خلال متابعة أزمة فصل السيد منير فخرى عبد النور نائب رئيس الحزب، ورئيس الهيئة البرلمانية للوفد فى مجلس الشعب السابق، وذلك بقرار أحادى من رئيس الحزب، دون الرجوع إلى الهيئات الحزبية الأخرى، ثم ما تلى ذلك من ضغط الهيئة العليا ونجاحها فى إلغاء قرار الفصل، والمطالبة بتشكيل لجنة لإعادة النظر فى لوائح الحزب الداخلية لغرض تجديدها بما يتلاءم مع مبدأ إشاعة الديموقراطية الداخلية، اتضح للجميع أن حزب الوفد يعيش لحظة صراع بنائى ستحدد مصيره ككل فى المرحلة المقبلة، فإما أن يتحول إلى حزب يقود الفكر الليبرالى استنادا إلى تاريخ سياسى طويل، وإما أن يظل حزبا ديكوريا يفتقر إلى مقومات التغيير والتطور الذاتى.

شكل الازمة

أخذت الأزمة شكل انقسام رأسى بين تيارين رئيسيين داخل الهيئة الوفدية العليا، الأول وصف نفسه بالاصلاحى التجديدى وضم شخصيات قانونية شهيرة وأخرى ذات باع سياسى وفكرى، وهدفه الرئيسى استعادة دور الهيئة المنوط بها أصلا فى عمل الحزب، باعتبارها هيئة للقيادة والتجديد والمشاركة فى اتخاذ القرار، وفى إصلاح الأوضاع الداخلية وفى السهر على شئون الحزب، وفى مراجعة قيادته وفى وضع الضوابط الكفيلة بأن يكون الحزب قوة سياسية فى المجتمع ككل.

ونقطة البدء لدى هذا التيار هى إعادة النظر فى اللائحة الداخلية التى كانت مصممة أصلا لقيادة الوفد زمن زعيمه البارز فؤاد سراج الدين، ولم تعد صالحه لزمن غيره، فضلا عن إعادة النظر فى بل وإلغاء القرار الصادر فى 25 أغسطس 2003 الذى يتيح لرئيس الحزب فصل أى عضو دون الرجوع إلى هيئات الحزب المختلفة إذا ما صدر عن هذا العضو ما يعتبر نقدا للحزب ولرئيسه، وهو القرار الذى ثبت انه مخالف للمادة 5 من لائحة الحزب نفسها، وأن يمنع الأعضاء من مناقشة أوضاع حزبهم ويحرمهم من حق أصيل فى إبداء الرأى فى شأن يخصهم سياسيا، وكان الأساس الذى صدرت وفقا له قرارات عدة بفصل أعضاء بارزين من الحزب لا جريرة لهم سوى انهم اختلفوا فى تقويم أمر ما مع رئيس الحزب.

ويقابل هذا التيار تيار آخر يميل إلى البطء فى أى عملية إصلاحية وأن يستمر الوضع الحالى باعتبار أن اتخاذ أى قرار فى شئون الحزب الهيكلية فى هذه اللحظة المفعمة بالانفعال والحنق من نتائج الانتخابات قد تقود إلى تغييرات تؤثر على وحدة الحزب. وهو تيار يبدو كمن يقف معاكسا لحركة الريح.

دور شخصى وعوامل موضوعية

وهكذا تطورت أزمة حزب الوفد لتضم أبعادا خاصة بشخصية الرئيس وسلوكه الخارج عن اللوائح، وأخرى موضوعية الأخرى تتمثل فى القوانين المنظمة للحياة الحزبية ككل، بما فيها من قيود تمنع التواصل مع الناس وتبيح تسلط لجنة حكومية على نشأة الأحزاب أولا ثم عملها ثانيا. وما الفارق بين حزب وآخر إلا فى درجة التدهور وسرعته، وهذه مرهونة أساسا بأسلوب القيادة وتوزيع الاختصاصات وطرق المحاسبة الداخلية وعمليات التنشئة الحزبية.

ولعل تراكمات السنوات الماضية والتى جسدتها نتائج الانتخابات البرلمانية، قد لعبت دورها فى “إفاقة” بعض القيادات ودفعهم إلى نوع من المراجعة والتفكير بجدية فى استحالة استمرار الأمور على ما هى عليه، لان فى ذلك نتيجة وحيدة، وهى زوال الحزب نفسه و لا شئ آخر.

يذكر هنا إن مجموعة الإصلاحيين الوفديين، التى خلعت نعمان جمعة، ركزت فى تقريرها على أمور داخلية بالأساس، أبرزها اتخاذ الرئيس قرارات فردية مخالفة لللائحة الحزب، ورفض تنفيذ قرارات الهيئة العليا، والسيطرة المنفردة على جريدة الحزب وتحويلها إلى نشرة خاصة يهاجم بها معارضيه ويتهمهم بالخيانة والعمالة لجهات أجنبية، وأخيرا استحضاره مجموعة من البلطجية احتلت قاعة الاجتماعات لمنع الاجتماع الشرعى وتعديه بالضرب على بعض أعضاء الهيئة العليا.

وهى أمور كفيلة بأن تبرز حجم التدهور الذى وصل إليه حال الوفد، وكفيلة أيضا بالإجابة على تساؤل لماذا ضاع الحزب فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

الإصلاحيون مسئولون أيضا

لكن الإصلاحيين، مع حسن الظن فى دوافعهم هنا ليسوا معفيين من المسئولية، فهم إلى فترة قريبة كانوا إلى جانب الرئيس فى قراراته حين فصل زملاء لهم دون الرجوع إلى هيئات الحزب، وهم أيضا من تنازلوا له عن سلطات الهيئة لعليا، وزينوا له الأسلوب الفردى فى إدارة شئون الحزب تحت زعم أن ذلك يساعد على وحدة الحزب وعدم قابليته للاختراق من الحكومة أو من الحزب الوطنى الحاكم. وهكذا كانوا طرفا فى الإطاحة بآليات والضمانات الواردة فى اللائحة نفسها.

وهم حين يسعون إلى إعادة الاعتبار إلى الحزب، وإن فقدوا الشعور بالمسئولية عما جرى، فسيعد ذلك علامة بؤس للتفكير ودلالة على أن مصير الوفد لن يكون بخير حتى وإن اجتمعت لهم شرعية القرار لاحقا.

تبدو أزمة الوفد على النحو السابق تجسيدا لأزمة الأحزاب المصرية جميعها، فحين تغيب الديموقراطية الداخلية ويستمر الرؤساء دون محاسبة أو مساءلة أو قدرة على إبدال رئيس بآخر وفق آليات ديموقراطية ونزيهة، وتختفى الأجيال الجديدة وينعدم التواصل السياسى بين الأجيال، وتنخفض تباعا عضوية الحزب وشعبيته بين الناس، يصل الحال إلى نقطة الصفر، ولا يبقى بعدها سوى الدخول فى دائرة اللا معلوم، بلا أدنى حسرة أو ذرة حزن.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية