The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

الاحتباس الحراري يهدد لقمة العيش: مزارعو سويسرا يقاضون حكومة بلادهم

التغير المناخي
بسبب التغير المناخي، تزداد وتيرة موجات الجفاف وشدتها، ما يؤدي إلى تراجع الغلال الزراعية Keystone

تُعتَبَر الزراعة مصدرًا من المصادر الرئيسية لانبعاثات غازات الدفيئة، لكنها باتت في الوقت عينه من أكثر القطاعات تضرراً منها. وقد تدفع دعوى قانونيّة في سويسرا، بالكوادر العاملة في الزراعة حول العالم، إلى مقاضاة حكوماتها بسبب التقاعس في مواجهة التغيّرات المناخية.

لطالما عُرفت الكوادر الزراعيّة بقدرتها على الدفاع عن مصالحها. فلم تتردّد هذه الفئة العام الماضي، في أنحاء متفرّقة من أوروبا، بما في ذلك سويسرا، في رفع صوتها احتجاجًا على السياسات البيئيّة، وارتفاع تكاليف الإنتاج، والمنافسة الدوليّة؛ من خلال قطع الطرقات بالجرّارات، وتفريغ أكوام من السماد في الشوارع.

غير أنّ مجموعة من المزارعين والمزارعات في سويسرا اختارت وسيلة أخرى أقلّ إثارة، وأكثر فعالية للتعبير عن استيائها.

فقد رفع تسعة مزارعين ومزارعات، وخمس جمعيّات زراعيّة صغيرة من كانتونات مختلفة، دعوى قضائيّة ضدّ السلطات السويسريّةرابط خارجي. واتُّهِمت السلطات المعنيّة بعدم القيام بما يكفي لحماية المناخ، مما يعرّض القطاع الزراعيّ للخطر. ولا تزال هذه القضيّة قيد النظر، أمام المحكمة الإداريّة الفدراليّة.

وتأتي هذه الخطوة القضائيّة في سويسرا، في سياق عالميّ ترتفع  فيه نسبة القضايا المتعلّقة بالمناخرابط خارجي (من 540،2 في عام 2023 إلى ما يقارب 900،2 في عام 2024). ويزداد لجوء الأفراد والجمعيّات إلى المحاكم لمساءلة الحكومات بسبب سياساتها المناخية، أو لتحميل شركات الوقود الأحفوريّ مسؤوليّة انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون.

المزيد

ولم تَسْلم قطاعات أخرى من الاتّهامات، بما في ذلك صناعة الأغذية الزراعيّة، وخاصّة تربية المواشي، كما حدث في الدانمارك، والولايات المتّحدة، ونيوزيلندارابط خارجي. فوفقًا لمنظّمة الأمم المتّحدة للأغذية والزراعة، يساهم إنتاج اللحوم ومنتجات الألبان بحوالي 15% من الانبعاثات العالميّة، الناتجة عن النشاط البشريّ، خاصة غاز الميثان، وهو غاز دفيء قويّ تنتجه عمليّات الهضم لدى الأبقار، والحيوانات المجترّة الأخرى.

وغالبًا ما تُعتَبَر مزارع تربية المواشي مصدرًا للتلوّث؛ إذ تُفاقم انبعاثاتها من ظاهرة الاحتباس الحراريّ، بحسب ما تقول إميلي برادين، محلّلة السياسات في معهد غرانثام لأبحاث التغيّر المناخيّ والبيئة، في رسالة عبر البريد الإلكترونيّ إلى موقع سويس إنفو (SWI Swissinfo.ch).

وتضيف أن الدعوى القضائية التي رفعها مزارعون ومزارعات في سويسرا “مثيرة للاهتمام، لأنها تقلب هذه النظرة رأساً على عقب، وتدّعي أن المجتمع الزراعي هو أيضاً ضحية التغير المناخي”.

وتتّفق مع هذا الرأي شارلوت إي. بلاتنر، أستاذة القانون العامّ والقالبيئيّ في جامعة لوزان، التي تعتبر أنّ هذه المبادرة تشكّل نقلة نوعيّة. وتقول: “إنّها تُجسّد تغييرًا كبيرًا في مكانة المزارعين والمزارعات، في القضايا البيئيّة”.

مظاهرة المزارعين
“اتحاد المزارعين والمزارعات الشباب” يقطع الطريق عند تقاطع الطريق السريع E42 القادم من ألمانيا إلى فرنسا، والطريق السريع E411 الرابط بين بروكسل ولوكسمبورغ، في منطقة دوسو، نامور، بلجيكا، في 29 يناير 2024 Keystone

دعوى قانونية لاحترام الالتزامات المناخية

وتُعدّ الزراعة من القطاعات الأضعف في مواجهة الاحترار المناخيرابط خارجيّ. فارتفاع درجات الحرارة، وتسارع وتيرة موجات الجفاف، واشتداد الظواهر المناخيّة المتطرّفة، كلّها عوامل تؤدّي إلى انخفاض المحاصيل. كما يسهّل المناخ الأكثر دفئًا انتشار الآفات، فيما يُسهم ارتفاع تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجويّ في تقليص الإنتاجيّة الزراعيّة.

وقال إيف باتاردون، مزارع كروم من جنيف، لصحيفة لوتونرابط خارجي (Le Temps): “نحاول التأقلم قدر المستطاع، لكن هناك حدود لا يمكن تجاوزها. فإذا أصبحت درجات الحرارة التي تصل إلى 40 درجة مئوية، حالة متكررة في الصيف، فلن ينمو شيء بعد الآن”. وقد تسبّبت موجة الجفاف التي ضربت سويسرا في عام 2022، في خسارته لعشرات الآلاف من الفرنكات.

وإيف باتاردون هو أحد المشتكين في الدعوى القضائيّة المناخيّة المقامة ضدّ السلطات السويسريّة. ففي مارس 2024، طلب باتاردون، ومجموعة أخرى من المزارعين والمزارعات، من وزارة البيئة الفدراليّة اتّخاذ التدابير اللازمة، لضمان التزام الكنفدراليّة بتعهّداتها الوطنيّة والدوليّة بشأن خفض الانبعاثات.

وقد صادقت الحكومة السويسرية على اتفاق باريس للمناخ في عام 2017، وحددت هدفاً لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.

محتويات خارجية

تغيّر المناخ يخّفض الإيرادات الزراعية بنسبة 40%

وتعتبر جمعية “محامون ومحاماة من أجل المناخرابط خارجي” السويسرية، التي تمثل المزارعين والمزارعات في الدعوى القضائية، أن السياسة المناخية، التي تنتهجها وزارة البيئة، غير كافية. وهي تضر بالحرية الاقتصادية للكوادر العاملة في الزراعة، وتهدد ضمان ممتلكاتها. وتشير الجمعية إلى أن موجات الجفاف والأمطار الغزيرة والبرد، التي شهدتها السنوات الثلاث الماضية، أدّت إلى تراجع إيرادات هذه الفئة بنسبة تراوحت بين 10% و40%

“إذا أصبحت درجات الحرارة التي تصل إلى 40 درجة مئوية شائعة في الصيف، فلن ينمو شيء بعد الآن”.

إيف باتاردون، مزارع كروم

ويعتمد الفريق القانونيّ على تقرير صادر عن الوكالة الدوليّة للطاقةرابط خارجي عام 2023. ويؤكّد أنّ سويسرا تُعد من بين أسوأ الدول في العالم من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، إذ يبلغ متوسّط الانبعاثات فيها 14 طنًّا للفرد، مقابل متوسّط عالميّ يبلغ 6 أطنان فقط للفرد. كما يستند هذا الفريق إلى تقريررابط خارجي سويسريّ يتوقّع “موجات جفاف متكرّرة وطويلة الأمد بشكل متزايد، تحديدًا في الفترات التي تكون فيها درجات الحرارة واحتياجات الزراعة من المياه مرتفعة”.

>> اقرأ.ي: لماذا بصمة سويسرا الكربونية أكبر مما يمكن توقعه؟ 

وتقول كورينا هيري، وهي أستاذة مساعدة في القانون الدستوري والإداري في جامعة تيلبورغ بهولندا: “يهدد ارتفاع نسبة الظواهر الجوية المتطرفة سبل عيش الكوادر الزراعية، وأسلوب حياتها، ومساهمتها في الأمن الغذائي”.

ويستند فريق “محامون ومحاماة من أجل المناخ” إلى قضايا أخرى، أدّت إلى اعتراف المحاكم بمسؤولية الحكومات في حماية السكان من آثار التغير المناخي. ومن بينها قضية جمعية “كبار السن من أجل المناخ” السويسرية، التي حققت في عام 2024 نصراً تاريخياً أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

“سنناضل حتى الرمق الأخير”

ومن جهتها، اعتبرت وزارة البيئة الفدرالية أن هذه الطلب، موضوع الدعوى، غير مقبول. وتفيد أن سويسرا تقوم بما يكفي من أجل المناخ، وأن القطاع الزراعي لا يتضرر من التغير المناخي أكثر من غيره مقارنةً بفئات المجتمع الأخرى.

وقد أعلنت السلطات الفدراليّة أنّها لا تعتزم الأخذ بالحكم الصادر عن المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان في قضيّة “كبار السنّ من أجل المناخ”. وهو قرار وصفه أرنو نوسباومر-لغزاوي، رئيس جمعيّة “محامون ومحاماة من أجل المناخ”، بأنّه “لا يُصدّق، وهو انتهاك لمبدأ فصل السلطات”.

وقد قدّم الفريق المدّعي طعناً لدى المحكمة الإدارية الفدرالية، ويأمل في نتيجة إيجابية. ومن المتوقع صدور رد بحلول نهاية هذا العام. وفي حال الخسارة، سيتم اللجوء إلى المحكمة الفدرالية، وإذا لزم الأمر، إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ويؤكد أرنو نوسباومر-لغزاوي قائلاً: “سنناضل حتى الرمق الأخير”.

خفض الانبعاثات من أجل الأمن الغذائي

وليست الدعوى المناخيّة في سويسرا، الأولى من نوعها في العالم. ففي عام 2015، حكمت المحكمة العليا في لاهور في باكستان، لصالح مزارع اتّهم حكومة بلادهرابط خارجي بعدم تنفيذ سياسات التكيّف مع التغيّر المناخيّ، واعتبرها انتهاكًا لحقوقه وكرامته الإنسانيّة.

غير أنّ كورينا هيري تشير إلى أنّ مثل هذه القضايا، القائمة على حقوق المزارعين والمزارعات، لم تحقّق منذ ذلك الحين نجاحات تُذكر؛ فلم تتغيّر القوانين، ولم تُنفّذ أحكام المحاكم. وتضيف قائلةً قد تكون القضيّة السويسريّة “ذات تأثير”.

وتوضّح الخبيرة القانونيّة أنّ صغار المزارعين والمزارعات وسكّان الريف، هما من الفئات الأكثر عرضة لتأثيرات التغيّر المناخيّ، ولا يمكن للدول أن تتوقّع من هاتين الفئتين تطبيق تدابير التكيّف بمفردها. وتقول: “وقد تُثبت أيضًا أن خفض الانبعاثات هو السبيل الوحيد لحماية الزراعة، وضمان الأمن الغذائيّ”.

“جاءت القضية السويسرية في الوقت المناسب، وأعتقد أننا سنشهد زيادة في مثل هذه المطالب من قبل المزارعين والمزارعات”

داينا براي، كلية الحقوق في جامعة ييل

وتعتمد المجموعة السويسريّة في دعواها على تأثير التغيّر المناخيّ في حياتها، سواء من حيث الخسائر الاقتصاديّة أو تكاليف التكيّف، كما توضّح إميلي برادين، من معهد “غرانثام”، فتقول: “لا تستثمر الحكومات بما يكفي في تدابير التكيّف لضمان قدرة المجتمعات على الصمود في وجه الظواهر المناخية المتطرّفة، والجفاف، وغيرها من آثار الاحتباس الحراريّ”.

وتضيف برادين أنّ هذه الدعوى القانونيّة في سويسرا، تُعدّ من أولى القضايا التي تحلّل آثار التغيّر المناخيّ الضارّة على القطاع الزراعيّ. وتؤكّد برادين قائلةً: “يمكن للحكم الإيجابيّ أن يشكّل سابقة مهمّة تلزم الحكومات باتّخاذ إجراءات للتخفيف من هذه الأضرار”.

محطة مفصلية في مسار الدعاوى المناخية

وتقول داينا براي، أستاذة قانون في كلية الحقوق بجامعة ييل، في رسالة إلكترونية إلى سويس إنفو: “جاءت القضية السويسرية في الوقت المناسب، وأعتقد أننا سنشهد زيادة في مثل هذه المطالب من قبل المزارعين والمزارعات”. وبراي هي أيضًا مؤلفة مشاركة في دراسة حول الدعاوى المناخية ضد ما يُعرف بعمالقة الميثانرابط خارجي، أي شركات الأغذية الزراعية الكبرى المسؤولة عن الجزء الأكبر من انبعاثات الميثان في العالم.

وتشير إلى معاناة مجموعة المزارعين والمزارعات من فشل الحكومات في تنظيم الشركات الكبرى التي تدير تربية الماشية الصناعيّة، كما تتضرّر من غياب السياسات المناسبة لدعم الزراعة في انتقالها نحو ممارسات أكثر مرونة واستدامة.

وتؤكد داينا براي أن إصلاح النظام الغذائي يمكن أن يعود بفوائد على المزارعين والمزارعات، عبر خلق مصادر دخل جديدة، لكنها تشير إلى أن ذلك يتطلب استثمارات كبيرة لمساعدة الفئات الأكثر تضرراً.

ومن جهتها، تعتبر إميلي برادين أنّ القضيّة السويسريّة، حتى وإن لم تصل إلى المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان، يمكنها أن تلهم تحرّكات مماثلة في أوروبا، والولايات المتّحدة، ودول أخرى. وتوضح أنّ أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في هذه الدعاوى المناخيّة هو التبادل الدوليّ المكثّف بين الكوادر القانونيّة، والفرق القضائية، التي تتجاوز حدودها الوطنيّة، وتستلهم تجارب دول أخرى في معالجة القضايا البيئيّة.

وتقول برادين: “يولي المجتمع الزراعيّ وكلّ الجهات المعنيّة بقضايا المناخ، اهتمامًا كبيرًا بتطوّرات هذه القضيّة”.

وبغضّ النظر عن نتيجة الطعن أمام المحكمة الإداريّة الفدراليّة، ترى شارلوت بلاتنر أنّ هذه الدعوى “تمثّل محطّة مفصليّة أخرى في المسار الطويل للدعاوى المناخيّة، التي تُشجّع على اتّخاذ المزيد من الإجراءات لصالح المناخ”.

تحرير: غابي بولارد

ترجمة: إيفون صعيبي

مراجعة: ريم حسونة

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية