
حماس تظهر سيطرة في غزة والغموض يخيم على مستقبل وقف إطلاق النار

من نضال المغربي ومعيان لوبيل
القاهرة/القدس (رويترز) – أجلت إسرائيل دخول المساعدات إلى غزة وأبقت حدود القطاع مغلقة يوم الثلاثاء، بينما أظهر مقاتلو حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) سيطرة على الوضع في غزة بعدما عادوا الظهور قبضتهم ونفذوا علنا عمليات إعدام، مما ألقى بظلال على آفاق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب.
وأظهرت مذكرة اطلعت عليها رويترز وأكدها مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين أن إسرائيل أبلغت المنظمة الدولية بأنها لن تسمح إلا بدخول 300 شاحنة مساعدات إلى غزة، تمثل نصف العدد اليومي المتفق عليه، اعتبارا من غد الأربعاء، ولن تسمح بدخول أي وقود أو غاز إلا لاحتياجات محددة تتعلق بالبنية الأساسية الإنسانية.
وقال ثلاثة مسؤولين إسرائيليين إن إسرائيل قررت تقييد المساعدات إلى قطاع غزة المدمر وتأجيل خطط فتح المعبر الحدودي مع مصر حتى يوم الأربعاء على أقل تقدير، لتباطؤ حماس الشديد في تسليم رفات الرهائن الذين لقوا حتفهم. وقالت الجماعة المسلحة إن تحديد مكان الرفات أمر صعب.
في غضون ذلك، أعلن ترامب يوم الثلاثاء أن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بدأت، لكنه أشار أيضا إلى التأخير في تسليم رفات القتلى.
وقال في منشور على تروث سوشيال “لم يُعد القتلى وفق التعهدات! المرحلة الثانية تبدأ الآن!!!”
وفي الوقت نفسه استعادت حماس سريعا السيطرة على شوارع المناطق الحضرية في غزة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية جزئيا من القطاع الأسبوع الماضي.
وفي أحد المقاطع المصورة التي تم تداولها في وقت متأخر من يوم الاثنين، ظهر مقاتلون من حماس وهم يجرون سبعة رجال إلى داخل دائرة من الناس في مدينة غزة ويجبرونهم على الجثو ثم أطلقوا النار عليهم من الخلف، على مرأى من عشرات الأشخاص.
وأكد مصدر من حماس أن المقطع صُور يوم الاثنين، وأن مقاتلين من حماس شاركوا في عمليات الإعدام. وتمكنت رويترز من تأكيد الموقع من خلال المعالم الجغرافية المرئية.
* تأخير في تسليم الرفات
منح ترامب حماس الضوء الأخضر لاستعادة بعض سيطرتها على غزة مؤقتا على الأقل، أما المسؤولون الإسرائيليون الذين يؤكدون أن أي تسوية نهائية يجب أن تنزع سلاح حماس بشكل دائم فقد امتنعوا حتى الآن عن التعليق علنا على عودة ظهور مقاتلي الحركة.
وتحدث ترامب عن “فجر تاريخي لشرق أوسط جديد” أمام الكنيست الإسرائيلي يوم الاثنين في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل وحماس تتبادلان آخر 20 رهينة إسرائيليا على قيد الحياة في غزة مقابل ما يقرب من ألفي معتقل وسجين فلسطيني.
لكن حتى الآن لم تسلم حماس سوى أربعة توابيت من رفات الرهائن، ليبقى ما لا يقل عن 23 رهينة يُفترض أنهم لقوا حتفهم ورهينة لم يتضح مصيره بعد في غزة.
وذكر مسؤول لرويترز أن حماس أخطرت الوسطاء بأنها ستبدأ في نقل رفات أربعة رهائن إلى إسرائيل من الساعة 1900 بتوقيت جرينتش يوم الثلاثاء.
ولم يُسمح بعد لشاحنات المساعدات بدخول غزة بالمعدل المتوقع وهو مئات يوميا، ولم تنفَّذ بعد خطط لفتح المعبر بين غزة ومصر للسماح لبعض سكان غزة بالخروج، وهو ما يهدف أولا لإجلاء الجرحى لتلقي العلاج.
* ممارسة حماس لسلطتها مجددا تسلط الضوء على العقبات
تسلط ممارسة حماس لسلطتها من جديد في غزة واستمرار موجات العنف الضوء على وجود عقبات ضخمة أمام الجهود الرامية إلى تحويل وقف إطلاق النار الأولي، وهو المرحلة الأولى من خطة ترامب، إلى حل طويل الأمد للصراع من شأنه منع تجدد اندلاع القتال.
وقال سكان في غزة إنهم لاحظوا يوم الثلاثاء زيادة أعداد المقاتلين وانتشارهم على الطرق التي يتعين السير عليها لتوصيل المساعدات.
وتقول مصادر أمنية فلسطينية إن عشرات الأشخاص قُتلوا في اشتباكات بين مقاتلي حماس وخصوم للحركة في الأيام القليلة الماضية.
ومن ناحية أخرى، قالت سلطات الصحة في القطاع إن خمسة أشخاص قُتلوا في قصف بطائرات مسيرة في أثناء توجههم لتفقد منازلهم في أحد الأحياء بشرق مدينة غزة، وقُتل شخص وأصيب آخر أيضا في غارة جوية قرب خان يونس.
واتهمت حماس إسرائيل بانتهاك وقف إطلاق النار. وقال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق النار على أشخاص اجتازوا خطوط الهدنة واقتربوا من قواته متجاهلين نداءات بأن يعودوا أدراجهم.
وانتهت قمة شارك ترامب في استضافتها بمصر يوم الاثنين دون الإعلان عن أي تقدم يذكر باتجاه تشكيل قوة عسكرية دولية أو حكومة جديدة في غزة.
* حماس تؤكد سيطرتها
يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستمرار أن الحرب لن تنتهي إلا بإلقاء حماس سلاحها وتخليها عن إدارة غزة، وهو مطلب رفضته الحركة، مما أدى إلى نسف كل مساعي وقف الحرب السابقة.
لكن ترامب، الذي أعلن انتهاء الحرب، قال يوم الاثنين إن حماس حصلت على ضوء أخضر مؤقت للحفاظ على الأمن والنظام.
وقال ترامب “يريدون بالفعل وقف المشكلات، وكانوا منفتحين في هذا الشأن، وأعطيناهم الموافقة لفترة من الوقت”.
وقالت مصادر في حماس لرويترز يوم الثلاثاء إن الحركة لن تتسامح مجددا مع الإخلال بالنظام في غزة وستستهدف المتواطئين واللصوص المسلحين وتجار المخدرات.
وضعفت قوة الحركة إلى حد بعيد بعد قصف إسرائيلي عنيف وتوغل بري على مدى عامين، إلا أنها بدأت تستعيد حضورها تدريجيا مع عودة المقاتلين المتبقين إلى الشوارع منذ سريان وقف إطلاق النار قبل أيام.
ونشرت الحركة، التي تدير غزة منذ عام 2007، مئات العمال للبدء في إزالة الأنقاض من الطرق الرئيسية اللازمة للوصول إلى المساكن المتضررة أو المدمرة وإصلاح أنابيب المياه المكسورة. وستتعين إزالة الأنقاض من الطرق وتوفير الأمن لزيادة إيصال المساعدات.
*المساعدات والرهائن
أنهى وقف إطلاق النار حربا مدمرة استمرت عامين في غزة والتي اندلعت بعد هجوم قادته حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 وتقول إسرائيل إنه تسبب في مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز 251 رهينة.
أما السلطات الصحية في غزة فتقول إن الحرب الإسرائيلية على القطاع أدت إلى مقتل نحو 68 ألف شخص، ويُخشى أن يكون هناك آلاف آخرون لقوا حتفهم تحت الأنقاض. وقال الدفاع المدني الفلسطيني في غزة إنه تسنى انتشال 250 جثة منذ بدء وقف إطلاق النار.
وتحولت مساحات شاسعة من غزة إلى أنقاض، وأفاد مرصد عالمي للجوع في أغسطس آب بوجود مجاعة في القطاع. وأظهر مقطع مصور نشرته رويترز يوم الثلاثاء أشخاصا يزيلون الحطام من الشوارع وشاحنة مساعدات تتحرك في سوق يحميها رجال مسلحون جالسون فوقها.
وقالت المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تيس إنجرام إن مساعدات تصل إلى غزة تضم الخيام والأغطية المشمعة والملابس الشتوية ومستلزمات النظافة الصحية للأسر وغيرها من المواد الضرورية، لكنها تأمل في زيادة كبيرة في تدفق المساعدات في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
(شاركت في التغطية إيما فارج في جنيف-إعداد نهى زكريا ومحمود رضا مراد وأميرة زهران ومحمد أيسم وعلي خفاجي للنشرة العربية – تحرير محمود سلامة)