The Swiss voice in the world since 1935

الديمقراطية “في أنقى صورها”: زيارة إلى تجمع شعبي في الهواء الطلق

غلاروس
في غلاروس، يتم اتخاذ القرارات في غلاروس بأغلبية الأيدي المرفوعة. Keystone / Gian Ehrenzeller

يشبه التجمّع الشعبي، أو الجمعيّة السنويّة "Landsgemeinde" في غلاروس، مهرجانا شعبيا، وحفلة في الهواء الطلق، ودورة مكثّفة في العلوم السياسيّة مجتمعة في مناسبة واحدة. ولكن، ما أهميّة هذا التجمّع الشعبيّ من الناحية الديمقراطيّة؟  

في أوّل يوم أحد من شهر مايو، تتفرّغ القطارات والحافلات في الكانتون السويسريّ الصغير، غلاروس، لنقل الركاب مجانا، ويبدأ الناس في التحرّك مبكِّرًا. وفي الساعة الثامنة صباحًا، يكون الباعة المتجوّلون في أماكنهم في العاصمة، التي تُسمّى أيضًا غلاروس؛ وقد بدأت فرقة نحاسيّة بالعزف خارج مبنى البلديّة، والجنود، والسياح، والأشخاص الأنيقون، يتجوّلون. 

 وبالنسبة إلى الرجال، يبدو أنّ ارتداء قبّعة ذات حافة عريضة يمنحهم الاحترام، وقد لا يكون الوقت مبكّرًا لتناول أوّل جعة.  

و المناسبة؟ “لاندسغماينده”، جمعيّة الكانتون السنويّة في الهواء الطلق، التي تعود جذورها إلى القرن الرابع عشر، حيث يجتمع الآلاف من المواطنين للتصويت على كلّ شيء؛ من الضرائب إلى سياسة النقل. 

و بالنسبة إلى السكان المحلّيين، إنّها من أبرز أحداث التقويم. فقد نشأ شون مولر في غلاروس، وكان يحضر الجمعيّة مع والديه عندما كان صغيرًا. ولا يتذكّر الكثير مما نوقش، لكنّه يقول في مكان صغير، حيث لا يحدث الكثير، يمثّل التجمّع السنوي “حدثًا” بالتأكيد.  

 وبعد بضعة عقود، أصبحت اهتمامات مولر أوسع. وعاد إلى موطنه هذا العام، مع مجموعة من الطلّاب، كأستاذ للعلوم السياسية في جامعة لوزان، يريدون اختبار ما يراه المتحمّسون أنقى أشكال الديمقراطيّة المباشرة؛ نظاما يتيح لكل شخص يحمل بطاقة تصويت، أخذ الميكروفون والمجادلة من أجل قوانين جديدة أمام أقرانه، إذا امتلك الجرأة الكافية. 

عدد الناخبين
لا توجد أرقام رسمية لعدد الناخبين في غلاروس. ويقدر متوسط العدد بحوالي 3000 ناخب. Keystone / Gian Ehrenzeller

الديمقراطية في الواقع  

من الساعة 9:30 صباحًا، يحصلون على فرصتهم.  

وبعد موجة رسميّة من أداء القسم، يفتتح اللاندامان الإجراءات، واللاندمان هو فرد يشبه رئيس الحكومة الكانتونيّة، الذي يعمل كمقدم ومنظّم. وفي أثناء الانتقال عبر جدول الأعمال، يوضّح باختصار ما تدور حوله بنود اليوم الـ 12، قبل أن يعلن بوقار شعائري: “الكلمة حرّة”. فإذا تبع ذلك صمت، يمرّ القانون الجديد دون تصويت. وإذا اعترض أحد، تحدث موجة من الخطابات القصيرة قبل اتخاذ قرار جماعيّ من قبل الجمعيّة، فتُرفع آلاف البطاقات البرتقاليّة كعلامة على الموافقة.  

وبعض القضايا أكثر إثارة للجدل من غيرها؛ فبينما يُقبل معدّل الضريبة الكانتونية للعام المقبل دون اعتراض، تثير خطّة اعتماد عدّة أيّام “خالية من السيّارات” سنويًا، حول بحيرة محليّة ذات مناظر خلّابة، ست مداخلات (بعد المساومة، يُحَدَّد عدد” الآحاد الخالية من السيارات عند ثلاثة آحاد سنويا). 

 وفي الوقت نفسه، يكون المتحدثون أكثر رصانة وأقلّ توترا. ويتبع العديد منهم النصائح الخطابية التي ظهرت في إصدار نهاية الأسبوع من الصحيفة المحلية: تحدث ببطء، نظم حجتك بوضوح، وتذكر أن “الشجاعة أهم من الكمال أما بالنسبة لأقرانهم الذين يحاولون إقناعهم، فيبقون صعبي الفهم. ويكون هناك بعض التذمر عندما يطيل المتحدثون الكلام، أو تتعالى بعض الضحكات على المداخلات الغريبة (هل يجب السماح بالدراجات الكهربائية في أيام الأحد الخالية من السيارات؟). لكن بشكل عام، لا يُشَوَّش على المتحدثين ولا يُشَجَّعُون؛ يُتَّبَع طلب اللاندامان – “لا تصفقوا للمداخلات الفردية” – وكل شيء يسير بشكل جيد. 

المزيد
الديمقراطية السويسرية

المزيد

من الفكرة إلى الاقتراع: كيف يضع الشعب السويسري قوانينه؟

تم نشر هذا المحتوى على ترغب الكثير من الشعوب في رؤية بلدانها تنظم اقتراعات شعبية مثل تلك الموجودة في سويسرا. ولكن ما هي آليات الديمقراطية المباشرة في هذا البلد؟

طالع المزيدمن الفكرة إلى الاقتراع: كيف يضع الشعب السويسري قوانينه؟

عدّ الأيدي المرفوعة

لكن لا ينفي ذلك أنّ المشهد مثير للإعجاب؛ إذ يعرف عشّاق كرة القدم، ورواد المهرجانات الموسيقيّة، ما يمكن أن يحدث عندما يركّز الآلاف من الناس انتباههم على الشيء نفسه. وعندما يكون هذا الشيء هو صياغة القوانين، يمكنك أن تفهم سبب ارتباط البعض الشديد بهذه التجمّعات. وقد وصفت مجلّة “فيلتفوخه” المحافظة حدث غلاروس بأنّه “جوهرة الديمقراطيّة”. وفي الوقت نفسه، عندما تنطلق العواطف من عقالها، قد تبدأ أيضًا في التساؤل عن بعض الأمور.  

 على سبيل المثال، هل ينبغي أن تُحسم نتائج التصويتات الملزمة بواسطة فارق صوت واحد في بحر من الأيدي، قبل تقدير ما إذا كانت الأغلبيّة موجودة؟ ألا يمكن أن يساعد استخدام طريقة عدّ تناسب العصر الرقميّ في تعزيز المصداقيّة؟  

 لا! شكرًا، قال الناخبون والناخبات في غلاروس في عام 2016، عندها رفض أيّ تدخّل من أدوات التصويت الإلكتروني. إنهم يضعون ثقتهم الكاملة في رئيسهم ذي النظارات الكبيرة. وعندما تكون النتيجة قريبة جدًا من التعادل، تُرفع البطاقات وتُفصح الأصوات عن نفسها مرة ثانية؛ ويمكن أيضًا إجراء اقتراع ثالث. ولا يصل الأمر إلى هذا الحدّ اليوم، فقد يثير طابع الجمعيّة العلنيّ جدًا دهشة زائر حديث العهد. ففي معظم الديمقراطيّات، سريّة الاقتراع مقدّسة.  

 وهنا في غلاروس، ترفع يدك علنًا، فيعرف جارك ما تفكّر فيه، على سبيل المثال، بشأن حقوق التصويت للأجانب. ألا يمكن أن يؤدي هذا إلى مشاكل؟  

 يقلل مولر من شأن هذا فيقول: “إذا كنت تريد الاختباء حقّا، يمكنك الانتقال إلى مكان ما في الحشد حيث لا يعرفك أحد”. ومع وجود عدة آلاف من الناس (لا توجد أرقام دقيقة)، لا يزال هناك بعض من الخصوصيّة. ولهذا، إذا أصبح الحشد نادرًا جدًا، فستكون المشكلة أقلّ بشأن السريّة، وأكثر بشأن الشرعية؛ إذ لا تتجاوز نسبة المشاركة الحالية 10%، وهي منخفضة جدًا، حتى بمعايير سويسرا. 

الطقس
من الطبيعي أن يكون الطقس موضوعًا لا مفر منه للحديث في لاندسغماينده. ظل الطقس هذا العام جافًا بشكل عام؛ ففي الماضي، شابت الأمطار بعض الدورات كما في هذه الصورة من عام 2015. Keystone / Samuel Truempy

ألا تزال هذه الطريقة مجدية؟  

وفي الوقت نفسه، ننتقل من الصباح إلى الظهيرة، ويستمرّ العرض، لكنّ الأرجل أثقلتها الوقفة الطويلة، والمعدة تتضوّر، ومع مناقشة مسألة النقل العام المجاني في يوم التجمّع، قد تبدأ في التساؤل عن شيء آخر.  

 ومع انتشار الأنظمة الاستبدادية حول العالم، هل المساومة على تذاكر الحافلات تُعتبر حقا من عجائب الديمقراطية؟ هل هذا الحدث الذي يعود إلى القرن الرابع عشر – والذي لا يزال موجودًا فقط في كانتونين سويسريين، غلاروس وأبنزل الداخلية – يتعلق بالشكل أكثر منه من  المضمون؟ أم، كما يتساءل أحد المتحدثين يوم الأحد، هل يُشتت انتباه الجمعية العامة أحيانًا بـ “مشاكل هامشية”؟ 

 لن تجد الكثيرين ممن يجرؤون على الموافقة على ذلك. فالمعارضة العامة للجمعية تكاد تكون غير موجودة. وأشخاص مثل مولر مصرون على أنه، بالرغم من العيوب، تتخذ الجمعية قرارات مهمة – وغالبًا ما تكون مفاجئة.  

 ففي عام 2006، على سبيل المثال، قررت هذه الجمعيّة بشكل عفوي، دمج البلديات الـ 23 السابقة في غلاروس في ثلاث فقط، مما أثار عناوين الصحف في جميع أنحاء سويسرا. وفي عام 2017، أصبحت غلاروس الكانتون الوحيد الذي يمنح حقوق التصويت لمن هم في سن 16 عامًا. وفي عام 2017 أيضا، رُفِض حظر البرقع الإسلامي، وهي قضيّة قُبلت على المستوى الوطني بعد أربع سنوات.  

 يقول مولر: “هناك مجال لاتخاذ قرارات تقدّمية ضمن إطار تقليدي جدًا، ويمكن أن يكون هناك نوع من التباين”. 

تحرير: سامويل جابيرغ

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

مراجعة: مي المهدي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية