مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في المغرب.. من مـراكـز اعتقال سرية إلى فضاءات لحـفـظ الذاكـرة الجماعية

منزل عبد الكريم الخطابي بالناظور شمال المغرب RDB

يحرص المغرب على صورة إيجابية لِـما قطَـعه في ميدان حقوق الإنسان، ويبرز انفراده إقليميا بتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، التي كُـلّـفت بقراءة صفحة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان وطيِّـها، والمصالحة مع هذا الماضي.

لكن المغرب، كغيره، دولة تُـواجِـهها تحدِيّـات وإكراهات تنتج في كثير من الأحيان، ما يُـضبِّـب هذه الصورة الإيجابية ويقلِّـص من بَـريقها، وإن كان المسؤولون يؤكِّـدون أن “ما وقع لا يعبّـر عن منهج متّـبع أو سلوك ممَـارس بأية شرعية، بل عمل فردي يتحمّـل ممارِسُـه مسؤوليته تحت طائلة العقوبات، التي نصّـت عليها القوانين المغربية”.

جبر الضرر الفردي والجماعي والمجتمعي

قامت هيئة الإنصاف والمصالحة خلال مدّة ولايتها (2003-2006) بقراءةٍ لصفحات الانتهاكات الجسيمة، التي عاشها المغرب ما بين 1956 (سنة الاستقلال) و1999، التي تُـعرف بسنوات الرّصاص (سنوات المواجهة الدموية بين السلطة والمعارضة الديمقراطية) وقدّمت الهيئة على شاشة التلفزيون الرسمية، بمختلف قنواتها، بثا مباشرا لضحايا هذه الانتهاكات وعائلاتهم وأقرت تعويضا ماديا ومعنويا، لجبر الضرر والكشف عن مصير عشرات المخطوفين والمختفين، ونقلت نشاطها من جبر الضرر الفردي إلى جبر الضرر الجماعي (مناطق وأقاليم) والضرر المجتمعي (التعليم والقضاء والصحة والثقافة).

وإذا كانت ولاية الهيئة محدودة زمنيا، فإن مهامّـا لم تُـنجَـز وتوصيات خرجت بها، نُـقلت إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وهي هيئة استشارية ملكية. وفي إطار جبر الضّـرر الجماعي والمجتمعي الذي انطلق سنة 2007، وقّـع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ووزارة الثقافة، اتفاقية شراكة وتعاوُن تهُـمّ مجالات حِـفظ الذاكرة والأرشيف والتأهيل الثقافي للمناطق المشمولة بجبر الضرر الجماعي، تعمل بموجبها وزارة الثقافة، في حدود اختصاصاتها، على حِـفظ الذاكرة والتأهيل الثقافي للمناطق المشمولة بجبر الضرر الجماعي، خاصة من خلال المساهمة في صيانة وحِـفظ الأرشيف الوطني، من خلال عمليات الجرد و”الرقمنة” والترميم ودعم الأنشطة الثقافية الإشعاعية المتعلّـقة بالتنوع الثقافي وحِـوار الحضارات وتشجيع الإبداع والنهوض بثقافة حقوق الإنسان.

وبالنسبة للحفظ الإيجابي لذاكرة المراكز السابقة للاعتقال السرّي، ستعمل وزارة الثقافة على المساهمة في ترميم هذه المراكز وتحويلها إلى فضاءات لحِـفظ الذاكرة ومركّـبات ثقافية، وترتيب المباني، ذات الحمولة الرمزية، وتصنيفها كتُـراث وطني (مراكز الاعتقال أكدز وسكورة وقلعة مكونة ودرب مولاي الشريف ومنزل عبد الكريم الخطابي..)، مع المساهمة في عملية توثيق الذاكرة المحلية.

ويلتزم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في حدود اختصاصاته، بالمساهمة في تطوير شراكات إضافية لدعم برامج التأهيل الثقافي للمناطق المشمولة بجبر الضرر الجماعي وترميم المراكز السابقة للاختفاء القسري، العمل بتنسيقٍ مع الوزارة، على تنظيم ندوات وتظاهرات لنشر قِـيم ومبادئ حقوق الإنسان، وبالخصوص الحقوق الثقافية، وتنظيم دورات تكوينية في مجال المقاربة الحقوقية والحقوق الثقافية.

“الحقوق الثقافية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان”

ويقترح أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، أن الشراكات والاتفاقيات التي يوقِّـعها المجلس ليسَـت شكلية، بل تكتَـسي أهمية خاصة، تليها مرحلة التنفيذ بصِـفة آلية، لأنها مُـمارسة لفعل مواطن يسعى إلى إزالة الشكليات وإعطاء الأولوية للفعل، وأن تاريخ ترميم بعض المعتقلات وترجمة بعض بنود هذه الاتفاقية إلى واقع ميداني خلال سنتين، مؤكِّـدا أن الحقوق الثقافية جزء لا يتجزّأ من حقوق الإنسان، التي يسهر المجلس على حمايتها وترسيخ ثقافتها والنهوض بها.

وتساءل حرزني “أي مستقبل للمرء أو الجماعات، دون إلمام أو معرفة بالماضي؟”، مُـبديا أسفه على عدم إيلاء الأهمية الكافية لموضوع الذاكرة وسلبيات عدم الحفاظ عليها، موضِّـحا أن الأرشيف، وإن كان ظاهريا، يبدو مسألة تِـقنية، يبقى ثغرة كبيرة في الشخصية الجماعية، يجب العمل على تجاوزها في أقرب الآجال.

ومنذ تولّـي العاهل المغربي الملك محمد السادس مقاليد السلطة في بلاده، يتصدّر الخطاب الرسمي في كل الميادين، إضافة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، المفهوم الجديد للسلطة والحكامة الأمنية.

“طي صفحة الماضي دون محاسبة الجلادين”

وإذا كان طيّ صفحة الماضي والمصالحة قد تمّـت وفق المقاربة المغربية، دون محاسبة الجلاّدين، رغم مطالبة عدد من الهيئات والمنظمات الحقوقية بذلك، ومطالبتها أيضا بعدم اقتصار القراءة على سنوات 1956 و1999، فإن هذه المنظمات والهيئات تقول، بحنين أجهزة وجهات بالسلطة إلى الماضي، مستدلة على موقفها بسلسلة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي شهدتها البلاد منذ الهجمات الانتحارية التي استهدفت مدينة الدار البيضاء يوم 16 مايو 2003 والتي أقرت السلطة أحيانا ببعض منها.

وتتمثل هذه الانتهاكات، التي تؤكِّـد الأوساط الحقوقية وجودها ولا تنفيها السلطات، عمليات الاختطاف والاعتقال غير القانوني، فترة تستمر أحيانا أسابيع قبل أن تعلن السلطة عن اعتقالٍ رسمي لهؤلاء، وعمليات التعذيب التي تحدّث عنها تفصيليا عدد من المعتقلين في إطار قانون مكافحة الإرهاب، وتستكمل هذه السلسلة بالقضاء وحِـرمان العشرات من المعتقلين من محاكمات عادلة.

وإذا كان ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، الذين قُـرئت صفحتهم، ينتمون فِـكريا وسياسيا وحزبيا لليسار المغربي بمختلف تياراته، المعتدلة والمتشددة، فإن الضحايا الجُـدد ينتمون إلى التيارات الأصولية بمختلف توجُّـهاتها، وأبرز هؤلاء، معتقلو ما أسمتها السلطات بـ “خلية بلعيرج” والتي ضمّـت ستة ناشطين سياسيين، تشكِّـك الأوساط السياسية والحقوقية بما قالته السلطات بشأنهم، واعتبرت الأحكام بحقِّـهم قاسية وغير عادِلة.

“خلل كبير في الممارسة المهنية”

إلا أن آخر الملفات، التي أثارت قلقا في الأوساط السياسية والحقوقية المغربية، ما تعرض له سبعة نشطاء من جماعة العدل والإحسان الأصولية شِـبه المحظورة في نهاية شهر يونيو 2010، من اختطاف واعتقال وتعذيب، على خلفِـية ما تقوله السلطات، خطف هؤلاء لناشط سابق بالجماعة، التي تنفي ذلك وتقول “إنها فصلته لأنه كان عميلا للمخابرات مكلّـفا بالتجسّـس عليها”.

وقالت جماعة العدل والإحسان “إن هذا السلوك الأمني ينم عن خلل كبير في الممارسة المهنية لهذه الأجهزة، ويؤكد أنها ما تزال بعيدة عن المفهوم الجديد للسلطة وعن الحكامة الأمنية”، متسائلة عن مصير توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، “التي جاءت بعد مسلسل من الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان تسببت فيها هذه الأجهزة، نتيجة إصرارها على العمل خارج نِـطاق القانون وبعيدا عن أية مراقبة”، لأن تلك الممارسات والسلوك المنهجية، أزهقت أرواحا وشرّدت عائلات وأقصت مناطق وشوّهت سُـمعة البلاد وحرمتها من كفاءات عالية وكلفتها ملايير من الخزينة العامة، لتبييض هذه الصفحة السوداء. وبالمقابل، بقيت الأسماء المتورِّطة حرّة طليقة، بدون مساءلة أو عقاب، بل إن منها مَـن لا يزال يمارس مسؤولياته في مناصِـب حساسة إلى اليوم”.

العودة إلى ماضي الانتهاكات؟

وأصدرت العديد من الهيئات الحقوقية المغربية بلاغات تندِّد بسلوك رجال السلطة، من اختطاف واعتقال تعسُّـفي وتعذيب بحقّ المعتقلين، وتحذِّر من مغبّـة العودة إلى ماضي الانتهاكات لحقوق الإنسان. وتقدّم الفريق النيابي للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المشارك بالإئتلاف الحكومي، باستنطاق للحكومة.

ويُـدرك نشطاء حقوق الإنسان بالمغرب أن القضاء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ليست مسألة قرار وإرادة سياسية فقط، رغم أهميتها، بل هي بالضرورة ثقافة ومُـحاسبة وإصلاحات سياسية وتطوّر مجتمعي، وأن المغرب، رغم ما يعرفه من انتهاكات، تُـسيء إلى الصورة التي يحاول أن يقدمها لنفسه، فإن تطورا حقيقيا وملموسا عرفته البلاد خلال العقْـد الماضي، بأمَـسّ الحاجة إلى ترسيخه، ثقافيا وتربويا.

الرباط (رويترز) – قال مدافعون مغاربة عن حقوق الانسان يوم الثلاثاء 27 يوليو 2010 إن المكاسب “الجزئية” التي حققها المغرب في مجال حقوق الانسان في العقدين الاخيرين تراجعت واعتبروا أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان مستمرة.

ورصدت خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الانسان المستقلة في التقرير السنوي للجمعية لعام 2009 “توجه الدولة نحو التراجع عن المكاسب الحقوقية الجزئية للعقدين الاخيرين واستمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان.”

وأضافت ان العديد من القضايا التي تضمنها تقرير 2008 “يتضمنها من جديد تقرير 2009 من اختطاف وتعذيب واعتقال تعسفي ومحاكمات سياسية وقمع الحريات ومحاكمة الصحافة والتضييق على الصحافيين.”

وقالت ان هناك العديد من الحواجز التي “تعيق مسار المغرب نحو دولة الحق والقانون وغياب ارادة سياسية حقيقية لتنفيذ التزامات الدولة في مجال حقوق الانسان.”

واعتبرت أن ذلك تجلى بشكل اساسي في عدم تنفيذ الدولة لتوصيات ” هيئة الانصاف والمصالحة” وهي هيئة أنشأها العاهل المغربي في مطلع عام 2004 لطي ملف انتهاكات حقوق الانسان في المغرب.

ولم يتسن الاتصال بمسؤولين للرد على ما جاء في التقرير.

ويقول حقوقيون ان المغرب شهد انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في الفترة من 1956 عند حصول المغرب على استقلاله الى 1999 تاريخ وفاة العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني وتولي ابنه العاهل الحالي محمد السادس الحكم.

ومن بين ما جاءت به توصيات هيئة الانصاف والمصالحة عدم تكرار ما جرى في الماضي.

وقالت الجمعية في تقريرها الذي وزعته يوم الثلاثاء 27 يوليو 2010 في الندوة الصحفية انها تسجل “أن سنة 2009 عرفت على غرار 2008 اعتقال نشطاء حقوقيين ومتابعتهم قضائيا واستمرار تهم المس بالمقدسات وتدهور أوضاع السجون وتردي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعثر الحوار الاجتماعي.”

ولخص التقرير الوضع في “اتساع الهوة بين الخطاب الرسمي حول حقوق الانسان والممارسة الفعلية لاجهزة الدولة.”

ويفاخر المغرب بأنه يتمتع بصحافة حرة ومستقلة وبأنه منح حقوقا للمرأة والطفل كما وسّع من دائرة الحريات.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 يوليو 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية