مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شارون: انتصار الفشل؟

Keystone

قاموس رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، عسكري حربي صرف، ورؤيته لا تطيق مبادئ الربح والخسارة المدنية.

ولذلك، تجلى على أصدق صوره في الاستفتاء على معركة “الطرف الواحد” للانسحاب المفترض من قطاع غزة.

القائد والاستراتيجي الثعلب، كما يصفه المقربون، لا يلقي بالا لبلاغة الكلمة ولا لتوصيف النتائج: ربح وخسارة في المطلق، بل إنه على الأغلب يبدأ من نقطة الخروج بأقل الخسائر أساسا للانتصار.

وفي الوقت الذي تلقفت فيه الأنباء نتائج رفض خطتة المقترحة على أنها فشل ذريع لسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي المتهم بالاستبداد والتفرد والتسلط، ربما كان شارون يحتفل في مزرعته في صحراء النقب على طريقته الخاصة وعلى أساس فهمه العسكري للأمور.

الزعيم اليميني والجنرال المخضرم، مُـني بهزيمة مذلة، هكذا علّـقت الصحافة الإسرائيلية التي رأت في فشل الاستفتاء على الانسحاب الأحادي بين جموع المستوطنين واليمين المتطرف في حزب الليكود، تحديا لقيادة الرجل “البلدوزر”، بل إن معلقين بارزين في صحافة النخبة العبرية ذهبوا إلى حد وصف شارون سيد إسرائيل القوي بعد هزيمته في الاستفتاء على يد حلفائه التاريخيين، بأنه بات قائدا بلا جيش.

بيد أن قراءة الوقائع والظروف التي أحاطت بإعلان الاقتراح والعملية التي رافقت إطلاق مشروع الانسحاب الافتراضي من قطاع غزة من جانب واحد، تحمل في ثناياها وتراكماتها ما يؤشر على إنجاز غير مسبوق تم تحقيقه في غفوة من الجميع.

مسرح على امتداد الغرب والشرق، هو المسرح الحقيقي لمعركة “الطرف الواحد” التي خاضها شارون بدهاء وأداء منقطع النظير، وليست وحدها مكاتب الاقتراع الخاصة بحزب الليكود اليميني التي شهدت وسجلت مذكرات حرب الزعيم الإسرائيلي الصغيرة الكبيرة.

انطلقت رحلة الاقتراح الذي جلب الفشل من مقر رئاسة وزراء إسرائيل في القدس الغربية ومرورا بمستوطنة أرييل، كبرى المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، حيث حمل شارون عهد “مستوطني الأرض التوراتية” وعبر الاتحاد الأوروبي، انتهاء بواشنطن، مقر إعلان وعد بوش.

البداية كانت في مكان إسمه هرتسيليا!

المكان، هرتسيليا، الضاحية الراقية من ضواحي تل أبيب، والمناسبة، مؤتمر هرتسيليا أو ملتقى النخبة الإسرائيلية، حيث تُـدشّـن الاقتراحات والخطط الرسمية استعدادا لإعلانها. هناك في أواخر العام المنصرم، اختار شارون الكشف عن أفكاره حول الانفصال الأحادي عن الفلسطينيين.

عندها كانت “فلسطين” تخرج للتّـو من عهد أول رئيس وزراء جاء بالأساس تلبية لضغوط أمريكية إسرائيلية دولية. كان شارون يقول للعالم “إن لا وجود لشريك فلسطيني، وأن حماس تريد تدمير إسرائيل”.

حينها أيضا، كان العالم يُـلح في طلب تطبيق خطة خارطة الطريق التي وضعتها الإدارة الأمريكية، وشارون يرد على الموافقة الفلسطينية بالمطالبة بإدخال 14 تعديلا، لا تبقي فيها شيئا ولا تذر.

وخلال الأشهر التي تلت إعلان الانفصال الأحادي المقترح، وعلى وقع تدمير الهدنة الفلسطينية التي ضمّـت جميع الفصائل بما فيها حركتي حماس والجهاد، راح شارون يقدم للعالم حربه مع الفلسطينيين على أنها معركة فصل بين الديمقراطية والعالم الحر التي اسمها إسرائيل، وبين الشر والإرهاب الذي سماه حماس.

وفي حين ظلت مساعي خطة خارطة الطريق تتلاشى وتتبدد الآمال بإخراجها إلى النور، كانت خطة شارون تتحول إلى اقتراح بالانسحاب من قطاع غزة، وتأخذ شيئا فشيئا مكانها بدلا من خطة خارطة الطريق التي تحوّلت إلى أساس لدعوات الفلسطينيين في الضراء والسراء.

ومع إدراج الاتحاد الأوروبي لحركة حماس على لائحة الإرهاب، وغياب أي حديث سياسي، سوى خطة شارون بالانسحاب، لم يجد الراعي الأمريكي وحليف إسرائيل القوي بدّا من الدخول في محادثات جدية مع شارون لتحويل خطته إلى اقتراح دولي.

لم يكن باستطاعة الفلسطينيين التفوه بكلمة، ولا ضد أي إعلان برحيل الاحتلال من أي شبر فلسطيني. وحده شارون كان ينطق بـ “لا” النافية لأي مشاركة فلسطينية، حتى على مستوى التنسيق.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أطلقت قبضة شارون حتى بلغت نحور قادة فلسطينيين كبار من عيار الشيخ أحمد ياسين، مؤسس وزعيم حركة حماس، وخليفته عبد العزيز الرنتيسي، وظل الجنرال الشجاع يخوض حربه ضد “الشر الفلسطيني”.

وقت الحصاد..

ليس من شهر مايو، بداية موسم الحصاد في الأرض المقدسة، موعدا افضل لقطف الثمار دون دفع آي استحقاق سوى الظهور بمظهر الفاشل. كان شارون عشية تصويت حزبه على خطته قد أتى أُكل مرحلة اقتراح الانسحاب الأحادي.

وكانت الجبهة الفلسطينية عارية، إلا من ورقة توت تُـلوح بها رياح خماسين. القيادة الفلسطينية عاجزة عن التقدم أو حتى، بشهادة مقربين، لا تقوى سوى على الانتظار للتحقق من خطوة شارون التالية.

العلاقة الإسرائيلية الأمريكية قد بلغت الذروة بوعد الرئيس جورج بوش لرئيس الوزراء الإسرائيلي بالموافقة على إبقاء المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية وإسقاط حق عودة اللاجئين، أي فلسطين التاريخية.

أما ميدان المعركة، فقد استتب لغارات الجيش الإسرائيلي ولصورايخه التي تحصد أرواح المدنيين والنشطين والقادة، وتقتلع المنازل والأشجار على حد سواء دون أدنى ضجة أو رد فعل، لا محلي، ولا إقليمي، ولا دولي.

وعلى الساحة الدولية، تفاخر حكومة شارون مواطنيها بالدعم غير المسبوق الذي لا ينفك يطالب الفلسطينيين بإصلاح أنفسهم وعدم التعرض لخطة شارون، وفي التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

كان شارون عشية الاستفتاء على خطته، محملا بكل الإنجازات التي حققها مسبقا ثمنا للإعلان فقط عن هذه الخطة، وأضحى غداة فشل الخطة ذاتها بأصوات الذين جلب لهم ضمان البقاء في مستوطناتهم منتصرا بإعفائه من ثمن الانسحاب المفترض.

هشام عبد الله – رام الله

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية