مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عقدة العلاقات الكويتية الأمريكية

هل ولّى عهد الامتنان الكويتي للولايات المتحدة وانضم الشارع الكويتي إلى الراي العام الخليجي المعارض للتواجد الأمريكي في المنطقة؟ Keystone

كشفت مضاعفات أحداث 11 سبتمبر والحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الارهاب أن العلاقات بين الولايات المتحدة والكويت ليست كما يتصورها البعض وثيقة وممتازة.

فالكويتيون، وإن كانوا يدينون بالامتنان لأمريكا التي حررتهم من الاحتلال العراقي، لا يختلفون عن نظرائهم الخليجيين في اعتبار الوجود الأمريكي في المنطقة أمرا سيئا يجب زواله.

“حتى الكويتيون اصبحوا أداة لضرب الأمريكيين نتيجة غطرستهم”. هكذا علق محمد المليفي رئيس مركز المعلومات بوزارة الأوقاف الكويتية على حادث جزيرة (فيلكا) في شهر اكتوبر الماضي عندما تعرض جنود أمريكيون إلى هجوم قام به مسلحون كويتيون.

هذا الهجوم جاء بمثابة العلامة الفارقة في العلاقات الشعبية بين الولايات المتحدة والكويتيين. ففي يوم تشييع جنازة انس الكندري وجاسم الهاجري اللذين هاجما جنودا أمريكيين كانوا يقومون بمناورات عسكرية في الكويت، لم يتردد بعض خطباء المساجد في القول جهرا، “لا صلح بيننا وبين الأمريكيين”. ولم يكد ينقضي شهر على حادث جزيرة (فيلكا)، حتى تم كشف النقاب أواخر الأسبوع الماضي عن إلقاء القبض على شخص اعتبرته السلطات الكويتية “الرأس الكبيرة” التي تمثل تنظيم القاعدة في الخليج. وكانت المفاجأة الثانية أنه كويتي!

وقبل زهاء 12 عاما، ما كان أحد ليصدق أن الكويتيين الذين خرجوا لاستقبال الجنود الأمريكيين الذين حرروهم من الغزو العراقي بالزهور وبأكاليل الغار، هم الكويتيون أنفسهم الذين يضيقون اليوم بهم ذرعا، ويرفضون وجودهم العسكري في الخليج، بل ويقابلون السياسة الأمريكية في المنطقة بسخط كبير، كما يقول حاكم المطيري الأمين العام للحركة الإسلامية السلفية في الكويت.

تغيّـرت المعطيات

وبالفعل، فعلى مدى السنوات، فترت الذاكرة الشعبية الكويتية, واضمحلت منها صورة الأمريكيين المنقذين لتحل مكانها صورة الأمريكيين المتغطرسين والمحتلين. جرت مياه كثيرة تحت جسر القضايا العربية والإسلامية، وجاءت الحملة العسكرية على أفغانستان لتزيد في الحنق الذي يصيب السياسة الأمريكية من وراء ما يحدث في فلسطين. ثم جاءت التهديدات ضد العراق فأصابت هوى لدى الشارع الكويتي والخليجي عموما ليتحول تماما إلى الجانب المواجه لأمريكا، حتى وإن كان هذا الجانب يضم العراق الذي غزا الكويت عام 1990!

إلا أن أحداث 11 سبتمبر و ما تلاها من تداعيات خليجية، ومن تورط أسماء بعضها كويتي مثل سليمان أبو غيث، الناطق الرسمي باسم تنظيم القاعدة، لم تكن بدورها سوى مزيد من الزيت يصب على النار الملتهبة أصلا.

لقد لمس الكويتيون من الإجراءات الأمنية الأمريكية ضد “بني ديرتهم” عجرفة غير مبررة. كما زاد في حنقهم تواصل السلطات الكويتية مع الطلبات الأمريكية المجحفة بشكل واسع، فكان أن أعادت النظر في عمل الجمعيات الخيرية والمنظمات الإسلامية، وطفق المسؤولون العسكريون الأمريكيون يزورون الكويت عدة مرات في الشهر تتابعهم عيون كويتية غاضبة لأسباب بعضها ذاتي يتصل بمعتقلين كويتيين في (غوانتنامو)، وبعضها موضوعي يتصل بشعور قومي متزايد.

لكن الأكيد والثابت أن الشارع الكويتي قد نسي شكل أولئك الجنود الأمريكيين وهم يدخلون الكويت على عرباتهم يزفون خبر هزيمة الجيش العراقي وعودة الكويت إلى أهلها. كما نسي الكويتيون أن نمط الحياة الأمريكي قد اخذ مكانا رئيسيا بينهم منذ التحرير حتى اصبحوا محل انتقاد وسخرية الآخرين، لاسيما في دول الجوار، بسبب هيامهم بالامريكيين المنقذين. اليوم، عادت العجلة إلى الوراء بشكل سريع ليصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم، ل ليصبح الكويتيون أداة لضرب الأمريكيين!

حرج الحكومة

وفي مقابل هذا السخط الشعبي والنقمة اللافتة، تجتهد الحكومة الكويتية بلا لأي في إرضاء الحليف الأمريكي الوثيق. ورغم تردد إعلانها عن عدم موافقتها على ضرب العراق، إلا أنها ظلت ترسل إشارات إلى واشنطن مؤداها أن الكويت مستعدة للعب أي دور تريده لها الإدارة الأمريكية في حربها ضد العراق. ومن ذلك إفراغ ثلث مساحة البلاد لمناورات عسكرية مع القوات الأمريكية، وهو ما وضع الحكومة الكويتية في موقف غير مريح أمام الشارع والرأي العام الكويتي الذي يتمنى رحيل هذه القوات عن كامل المنطقة، منضما بذلك إلى المنطق الإيراني التقليدي، الذي ما انفك يدعو دول الخليج منذ سنوات عديدة للتحرر من الهيمنة الأمريكية.

وفي المحصلة، يبدو أن الخطاب الديني قد تضافر مع الخطاب القومي القديم في الكويت طاويا عقدا من الزمن كاد العرب أن ينسوا خلاله ما اشتهر به الكويتيون من مواقف قومية تتجاوز حدود بلدهم الصغير.لكن الخطابين الديني والقومي عادا هذه المرة بحدة مفاجئة بلغت حد العنف ومحاولات التخريب الخطيرة، في مشهد يُومئ إلى أن الصراع في الكويت ما زال مفتوحا بين تيار “الاعتراف بالجميل الأمريكي”، وتيار لم يعد يرى داع للوجود الأمريكي في الكويت، بل بات يرى فيه ضررا أكيدا لابد من الوقوف في وجهه بكل الأساليب.

فيصل البعطوط – الدوحة

غزت القوات العراقية الكويت فجر 2 اغسطس 1990
قادت الولايات المتحدة عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت بمشاركة 30 دولة.
حافظت الولايات المتحدة على قواعد عسكرية ومعدات داخل الكويت منذ تحريرها

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية