مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قلق وخوف في المغرب العربي

استياء شعبي مغاربي على العراق لم يغير كثيرا في مواقف الدول المغاربية Keystone

تلقي الحرب على العراق بظلالها القاتمة على منطقة المغرب العربي، التي تسودها أجواء من القلق والخوف

فبغض النظر عما يربط العالم العربي من روابط الدم والتاريخ والدين، فإن ما أعلنته الإدارة الأمريكية من بين أهدافها في هذه الحرب، يجعل الظلال تهيمن على أصدقائها قبل الآخرين.

دول المغرب العربي بالتأكيد لا تصنف ضمن الخصوم أو الأعداء، بل ضمن أصدقاء الإدارة الأمريكية، رغم ما يربطها من وشائج مع باريس “الخصم الجديد” لواشنطن. وطوال الشهور التي سبقت الحرب على العراق، كانت الدبلوماسية المغاربية متناغمة مع المقاربة الأمريكية لعالم ما بعد 11 سبتمبر، إن كان لمواجهة بعضها نفس الخصوم، الأصولية الإسلامية، أو اتقاء لابتزاز أمريكي في ملفات تشكل لبعضها الآخر حساسية خاصة.

شن الحرب على العراق، لم يزعزع التعاطي المغاربي مع المقاربة الأمريكية، لكنه وضع صناع القرار في الدول المغاربية في مأزق البحث عن مفردات دبلوماسية تحافظ على مشاعر المواطنين المغاربيين المعادية تقليديا للسياسة الأمريكية، واكتساب الرضى الأمريكي في عدم الذهاب بعيدا في التعبير عن رفض الحرب.

كان الرسميون المغاربيون، قبيل اندلاع النار وإطلاق الحمم والقنابل والصواريخ على المدن العراقية، يسعون لخلق توافق عربي حول الملف العراقي، لكن السعي المغاربي لم يكن مؤثرا أو ذا نتيجة، كون أطرافه فقدوا أو أفقدوا لأسباب متعددة، ثقلا سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا كانوا يتمتعون به، كتلة أو دول منفردة، في العقود الماضية.

واندلعت الحرب، وكان عنوان الموقف المغاربي، البيان الأول للحكومة المغربية الذي جاء في عبارات أثارت العديد من التساؤلات. فالعنوان كان “الأزمة بين العراق والأمم المتحدة”، ولم يذكر في أي من فقراته الولايات المتحدة وبريطانيا، ودعا الأطراف الدولية لتغليب الحلول السلمية، ولم يصف الحرب بالعدوان أو بالخارجة عن الشرعية الدولية على غرار الموقف الأوروبي وأغلب دول العالم. ورغم مرور حوالي أسبوعين على اندلاع الحرب في العراق، لازال الموقف الرسمي المغربي في مكانه.

الخوف من الداخل أولا!

ما كان ملفتا أكثر في التعاطي المغربي، إطلاق التحذيرات للمواطنين من عواقب أي نشاط أو تعبير عن مواقف تمس الأمن العام، والتذكير دائما بقضية الصحراء الغربية قضية المغرب الأولى، بالإضافة إلى قضية الديموقراطية والتنمية ومحور الاهتمام بالمسألة الإنسانية وتأمين مساعدات في هذا الجانب.

التعليقات الصحفية أو السياسية على الموقف الرسمي المغربي كانت هادئة، وحتى المظاهرة الضخمة التي شارك فيها مئات الألوف من المغاربة، والمسيرات في مختلف المدن، لم ترفع شعارات أو هتافات تومئ إلى الموقف الرسمي، إلا في إطار التنديد بالموقف الرسمي العربي، وعجز الحكومات العربية وتخاذلها. وإن كانت المظاهرات في عدد من المدن المغربية الأخرى، والتي لم تتوقف حتى الآن، مست هذا الموقف.

اما الجزائر، فقد التزمت بالحد الأدنى، واكتفت في بيان أكثر تشددا من البيان المغربي، بدعوة لوقف الحرب والعودة إلى قرارات مجلس الأمن الدولي، والالتزام بالشرعية الدولية، وإن صـعّـد مسؤولوها لهجتهم المُـدينة للحرب ووصفوها بالعدوان، وأكدوا دعمهم للشعب العراقي. وسمحت السلطات بتنظيم مظاهرات تجوب شوارع المدن الجزائرية، باستثناء الجزائر العاصمة، ترفع من الشعارات ما لا يربك صانع القرار. وعلى غرار الموقف الجزائري كان الموقف الرسمي التونسي وكذلك التحرك الشعبي.

الأمـــر الواقــــع

الحرب الأمريكية البريطانية على العراق، بقدر ما كشفت عن عجز رسمي عربي لمنع اندلاعها وبعد ذلك وقفها، فإنها كشفت أيضا عن تباين واضح بين الموقف الشعبي الذي تعبر عنه هتافات وشعارات المواطنين، والموقف الرسمي الذي تعبر عنه بيانات وتصريحات. فالمواطن يهتف للتضامن مع شعب شقيق يتعرض للغزو، والمسؤول يفكر في علاقات مع دولة عظمى ستحقق هدفها، على الأقل العسكري، وتحتل العراق وتقيم نظامها الجديد.

وما يقال عن الموقف العربي العام وعن الموقف المغاربي، دولا أو تكتلا، وإن كانت الدول المغاربية لم تظهر في تصريحات المسؤولين الأمريكيين كأهداف للتغيير، إلا أن ما أضافته الحرب على العراق مغاربيا، هو ابتعاد “حلم” المغرب العربي مسافة أخرى عن التحقيق، وأن التقارب المغربي الجزائري، الخطوة الضرورية لتحقيق الحلم، لازال بعيد المنال.

فمرجعية الرباط والجزائر في موقفهما غير المقنع لمواطني كل منهما، قضية جزائرية مغربية، وهي قضية الصحراء الغربية التي يقول المسؤولون في البلدين إن واشنطن تضغط بها على كل منهما.

إن الحرب على العراق قد تضع النظام العربي، ومنه النظام المغاربي، أمام اختيارات صعبة، اختيارات بين ضغط المناهضين للحرب محليا ودوليا، وضغط الإدارة الأمريكية التي تملك من الأوراق الضاغطة على هذه الدولة أو تلك ما يشُلّ قدرتها على الحركة أو حتى على المناورة.

محمود معروف – الرباط

محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية