مغتربون يقصدون لبنان لاستقبال البابا
تصل الشابة راشيل مزرعاني من مدينة سيدني الى بيروت في نهاية الأسبوع، للمشاركة على غرار المئات غيرها من المغتربين في استقبال البابا لاوون الرابع عشر الذي يزور بلدا أدمته الأزمات والحروب ما دفعهم الى مغادرته.
وتستمر زيارة البابا الذي يصل الى بيروت في 30 تشرين الثاني/نوفمبر، ثلاثة أيام، يترأس خلالها قداسا في الهواء الطلق عند واجهة بيروت البحرية، وقد سجّل اكثر من 120 ألف شخص أسماءهم لحضوره، وفق المنظمين.
وتقول راشيل مزرعاني (23 عاما) المولودة في استراليا، بحماسة لوكالة فرانس برس عبر الهاتف، “تُمثّل هذه الزيارة طمأنينة عميقة بأن لبنان لم يُنسَ”، مضيفة “تذكّرنا بأن لبنان رسالة في المنطقة، وهوية روحية لا تمحيها الأزمات أو النزاعات”.
وتتابع “تدعونا إلى ألا نفقد إيماننا بأنفسنا أو بما يمكن أن يصبح عليه لبنان”.
ومزرعاني هي في عداد أكثر من 500 شاب يصلون الى لبنان، في إطار وفود كنسية من دول عدة، للمشاركة بشكل خاص في لقاء يعقده البابا مع الشباب بين عمر 16 و35 سنة، في اليوم الثاني من زيارته في بكركي شمال بيروت حيث مقر البطريركية المارونية.
ويقيم ملايين اللبنانيين أو المتحدرين من أصول لبنانية في دول مختلفة في العالم، إذ رافقت الهجرة البلد الصغير الذي شهد تاريخه حلقات من الأزمات والتوتر والصراعات. ودفع ذلك كثيرين الى الهجرة بحثا عن مستقبل أفضل.
ورغم الدور السياسي الوازن الذي يلعبه المسيحيون في لبنان، البلد المتعدّد الأديان والذي يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية، تضاءلت أعداد المسيحيين كثيرا خلال العقود الأخيرة، وفق تقديرات مختلفة، ولو في غياب أرقام رسمية.
وتملأ طرق لبنان لوحات إعلانية ضخمة مع صور للحبر الأعظم مذيّلة بشعار الزيارة “طوبى لصانعي السلام” الذي يبدو أقصى ما يحتاج إليه لبنان اليوم على وقع ضربات إسرائيلية دامية بعد عام من وقف إطلاق نار أنهى حربا مدمّرة مع حزب الله.
وترى مزرعاني أن “لبنان عانى بشدة… وقلوبنا باتت منهكة”.
وتقرّ بأن زيارة واحدة “لا يمكن أن تحلّ كلّ شيء بين ليلة وضحاها”. إلا أنها تدعو “الله أن يلهمنا جميعا وخصوصا قادتنا السياسيين، لنتكاتف لإعادة بناء لبنان الذي نحلم به جميعا، ولنعمل من أجله”.
– “أوقات عصيبة” –
وسيشدّد الحبر الأعظم على الحوار بين الأديان والدعوة للسلام، في بلد يشهد انقسامات داخلية عميقة، وتداعيات اضطرابات الشرق الأوسط الممزق بالنزاعات، وحيث الوجود المسيحي آخذ بالتناقص.
ويقول طالب المعلوماتية جيلبر باخوس (19 عاما) القادم من لاغوس، “في هذه اللحظة، تعني لي زيارة البابا الكثير. يمرّ بلدنا بأوقات عصيبة للغاية، وحضوره يبعث الأمل بالوحدة والسلام”.
ويضيف الشاب المولود في نيجيريا والذي يشارك في لقاء الشبيبة “أردت أن أكون جزءا من هذه اللحظة التاريخية وأن أرحب به مع الشباب اللبناني”.
ويأمل باخوس أن يسمع من البابا “رسالةً تُحفّز بلدنا وحكومتنا على تحسين أوضاعنا ومستقبلنا، حتى يتمكن والداي وعائلتي وشعبنا من العودة إلى لبنان، لأننا جميعنا نريد العيش هنا. لا أحد يُحبّذ العيش بعيدا عن وطنه”.
وأعلن لبنان عطلة رسمية خلال زيارة البابا، ليتسنى للبنانيين المشاركة في محطات الزيارة.
وتقدّم بعض الفنادق عروضا خاصة للمناسبة تشمل حسومات على الحجوزات وخدمات نقل الى مكان القداس.
ويرى أنطوني خديج (33 عاما) القادم من دبي أن البابا “يزور لبنان في وقت يخاف اللبنانيون أنفسهم من المجيء” اليه، بسبب الضربات الإسرائيلية والخشية من اتساع نظاق التصعيد.
ويقول “نعيش في عالم خسرنا فيه الرجاء وتضاءل الأمل ولا نرى فيه إلا القتل والقصف والدم”، مضيفا “أتمنى أن يعيد البابا الرجاء الى قلوب الناس”.
– “نجاهد من أجل البقاء” –
ولا تقتصر المشاركة في لقاء الشباب الذي يستمر لأربع ساعات ويلقي خلاله الحبر الأعظم كلمة تمتد لعشرين دقيقة، وفق المنظمين، على اللبنانيين فحسب، اذ تشارك وفود من دول عدة أكبرها من سوريا المجاورة التي تتعافى بدورها من تداعيات حرب عصفت بها لقرابة 14 عاما.
وفي دمشق، يأمل كاهن كنيسة سيدة دمشق للروم الكاثوليك الأب مكاريوس قلومة أن “تحمل الزيارة الرجاء والأمل والسلام لبلادنا بشكل عام، وللبنان وسوريا بشكل خاص”.
ويقول لفرانس برس “المشاركة مهمة جدا بالنسبة لنا.. لنقول للعالم كله، إنه رغم كل الأزمات والصعوبات التي مرّ بها المجتمع السوري وخصوصا المسيحي خلال الحرب وفي ظل الوضع الذي نعيشه حاليا، ما زلنا موجودين معكم”.
وتضاءل وجود المسيحيين في سوريا من نحو مليون قبل اندلاع النزاع عام 2011 الى أقلّ من 300 ألف، جراء موجات النزوح والهجرة، وفق تقديرات خبراء. وفاقم التفجير الانتحاري الذي استهدف كنيسة العام الحالي في دمشق، بعد تسلّم سلطة جديدة الحكم، مخاوف الأقلية المسيحية.
ويضيف الكاهن الذي يترأس وفدا من 300 شخص، بينهم 190 شابا وشابة، الى لبنان، “نتمنى أن ينظر لنا قداسة البابا بالعين الأبوية، لأننا نجاهد في مواجهة كل هذه الأزمات لنبقى في بلدنا”.
لار-يق/رض