مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 أين المبادرة السعودية في خطاب الرئيس؟

أبرز خطاب الرئيس بوش أن هامش المناورة المتاح أمام المملكة أصبح ضيقا إن لم يكن معدوما Keystone

في الوقت الذي توالت فيه ردود الفعل العربية "الحذرة" أو "المرحبة" تجاه خطاب الرئيس الأمريكي حول أزمة الشرق الأوسط، اتجهت أنظار بعض المراقبين إلى المملكة العربية السعودية متسائلة.

هي بالتأكيد صفعة قوية للمملكة العربية السعودية. وهي خيبة أمل سيصعب على الرياض ابتلاعها حتى لو سعت، كما فعلت العديد من الدول العربية، إلى التخفيف من حدتها. لكن نص الخطاب يشهد بأن الرئيس الأمريكي جورج بوش لم يشر بكلمة واحدة إلى مبادرة ولي العهد السعودي الأمير عبد الله. تجاهلها وكأنها لم تكن.

صحيح أن البعض قد يحلو له أن ينقب في زوايا الخطاب بحثا عن نقاط تقارب ما، تصل ما بين المبادرة و”النقاط الإيجابية” التي وجدها البعض فيه، “يمكن لشخص أمريكي متحمس أن يقول إنه (أي الرئيس بوش) أخذ ببعض ملامح المبادرة في الاعتبار. فقد تحدث عن دولتين فلسطينية وإٍسرائيلية على أرض فلسطين التاريخية، وعن حدود سبعة وستين.” يعلق المحلل والصحفي السعودي جمال الخاشقجي.

لكن حتى هذا الشخص الامريكي لن يمكنه أن يذهب بعيدا في تحمسه. فالإدارة الأمريكية كررت مرارا، في الماضي والحاضر، قناعتها أن معادلة حل أزمة الشرق الأوسط ستتضمن لا محالة قيام دولة فلسطينية.

لا جديد في هذه الإشارة. كما أنها ليست نتيجة خرجت من رحم المبادرة السعودية. فلو كان الأمر كذلك، لحق لنا التساؤل إذن عن أي دولة كان الحديث خلال محادثات كامب ديفيد التي أشرف عليها الرئيس السابق بيل كلينتون. هذا ناهيك عن أن الرئيس بوش في حديثه ركز على قيام دولة مؤقتة لا دائمة، مبتكرا بذلك مصطلحا لا يوجد لا في مواد القانون الدولي ولا أعرافه.

أما إشارة الرئيس بوش إلى حدود 1967 ومعها قرارات الأمم المتحدة، فقد كانت كذر الرماد في العيون. ألم يحددها “بتسوية يتم التفاوض عليها بين الأطراف” و “حدود آمنة” لإسرائيل؟ جاءت الإشارة “مفرغة من محتواها” كما يقول الأستاذ الخاشقجي.

لم يأخذ الرئيس الأمريكي من مبادرة ولي العهد السعودي، الداعية إلى “انسحاب إسرائيلي كامل من كل الأراضي المحتلة في مقابل التطبيع الكامل للعلاقات معها”، إلا الشق الأخير منها عندما قال إنه “يتوقع” من الدول العربية “بناء علاقات أوثق دبلوماسيا وتجاريا مع إسرائيل بما يؤدي إلى تطبيع تام للعلاقات بين إسرائيل والعالم العربي بأسره”. أغفل السيد بوش الشق الأول من الطرح، ليسدد ضربة في الصميم إلى جوهر المبادرة السعودية.

علاقة شراكة .. على المحك!

في مقابل ذلك التجاهل، أو بالأحرى بسببه، المؤكد أن خطاب بوش سيزيد من حدة التوتر التي تشهدها العلاقات الثنائية بين البلدين منذ أحداث 11 سبتمبر. فهو بصيغته تلك وضع حدا لفترة الغزل التي أعقبت إعلان الأمير عبد الله لمبادرته. سكب الماء البارد عليها، ليس فقط لأن الرئيس بوش اختار تبني موقف تيار الصقور في إدارته وبالتالي َطرحْ رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون تجاه أزمة الشرق الأوسط. المسألة أكبر من ذلك بكثير.

عندما تحدث الرئيس الأمريكي عن الالتزامات التي يتوجب على الدول العربية القيام بها كشرط لانضمامها إلى “معسكر السلام”، كان يرسم فعليا خارطة جديدة للشرق الأوسط. خارطة لا تعترف إلا بالحرب الأمريكية ضد الإرهاب، وتسعى إلى استئصال منابعها الفكرية “أينما كانت” وحيثما تراها واشنطن.

ولأن الأمر كذلك فأن مجال المناورة المتاح أمام المملكة أصبح ضيقا إن لم يكن معدوما. لم يعد بإمكانها أن تلوح بثقلها النفطي أو بصفقات الأسلحة المغرية. ذلك عهدٌ مضى. فمعسكر الصقور في الإدارة الأمريكية الذي برز بعد 11 سبتمبر، وإن كان يثمن تلك العلاقة ولن يغامر بها من زاوية إستراتيجية، إلا أنه كفيل باللجوء إلى لغة القوة المباشرة عند بروز تهديد لها.

ومع غياب هامش المناورة، أصبح على المملكة أن “تنهي التحريض على العنف في الأعلام الرسمي” وتدين “التفجيرات القاتلة” وتوقف “تدفق الأموال والمعدات وعمليات التجنيد في الجماعات الإرهابية” كما يقول الرئيس بوش في خطابه. بعبارة أخرى، بعد أن كانت الرياض ُمطالبة بعد 11 سبتمبر بالانضمام روحا وفكرا وعملا إلى معسكر “الحرب ضد الإرهاب”، عليها اليوم أيضا أن تلتحق بمعسكر “السلام”.

فهل ستفعل ذلك؟ ربما الأجدى طرح السؤال من زاوية أخرى. حتى لو أرادت العائلة المالكة فعل ذلك هل ستكون قادرة عليه؟ الجواب يبقى في نطاق التخمين. لكن الثابت أن المملكة تقف بين نارين، بين علاقة شراكة إستراتيجية مع الولايات المتحدة ضرورية لديمومة نظامها، وعلاقة تحالف أساسية مع المؤسسة الدينية الوهابية هي الشريان الشرعي لبقاء العائلة في الحكم. وكلاهما نقيضان لا يلتقيان في خارطة ما بعد 11 سبتمبر.

فقد أصبح إرضاء متطلبات العلاقة الأولى يهدد لا محالة الثانية، والعكس صحيح. ولأن الأمر كذلك، فإن خطاب بوش بنبرته تلك، لم يحدد فقط إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه أزمة الشرق الأوسط. بل أسسَّ لخطوط سياستها تجاه حلفاءها في المنطقة، والمملكة على رأسهم.

إلهام مانع

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية