مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 أي وظيفة للاجهزة الامنية؟

هل سيوحد الرئيس الفلسطيني الامنية للسلطة الوطنية كما تطالب بذلك واشنطن وتل ابيب؟ Keystone

ركزت حملات الضغط الخارجية على القيادة الفلسطينية بهدف تغيير أو "اصلاح" اجهزة السلطة الوطنية على الدوائر الامنية. وفي الوقت نفسه، فان اكبر مظاهر التوتر الداخلي في المناطق الفلسطينية، ناجمة عن اختلاف الرؤى والتصورات بين مختلف الاجهزة الامنية وحول وظائفها

بالرغم من تباين الغايات والمقاصد من هذا الضغط، إلا ان الالتقاء في الهدف ليس صدفة انطلاقا من الفهم الإسرائيلي لاتفاقيات أوسلو والذي تتبناه إلى حد بعيد الولايات المتحدة. ويشغل الموضوع الأمني، سواء كان التنسيق بين الاسرائيليين والفلسطينيين أو تحقيق الأمن كهدف أساسي، معيارا حاسما في التعامل مع الاتفاقات.

لقد تم تعزيز المضمون الأمني لاتفاقات أوسلو في عهد حكومة الليكود السابقة التي رأسها نتانياهو، أثناء المفاوضات ومن ثم اتفاقية واي ريفر بعد احداث النفق في عام 1996، والتي شهدت أول انهيار أمني واشتباكات دامية بين الجيش الإسرائيلي وتحديدا قوات الأمن الفلسطينية.

ويقوم الفهم الإسرائيلي للصراع مع الفلسطينيين والعرب عموما على نظرية ضمان تحقيق الأمن للدولة العبرية، أي أن جوهر الصراع متعلق بتهديد العرب لامن اسرائيل. لذلك، فان الحل أو معيار النجاح في أي مفاوضات أو اتفاقيات هو ضمان الأمن الاسرائيلي. وقد لجأت إسرائيل الى تحقيق الأمن عن طريق الاحتلال. لذا، فان فشل الاتفاقات في تحقيق الأمن الإسرائيلي، بمعزل عن الظروف السياسية المحيطة، وبمعزل عن احتياجات أو حقوق الطرف الآخر، هو فشل لتلك المفاوضات والاتفاقات.

ولان السلطة الفلسطينية، بما في ذلك اجهزتها الامنية لم تحقق، من منظور تل ابيب، الهدف الإسرائيلي، فان مبرر وجودها لم يعد قائما أو على الأقل يجب إجراء تغييرات جوهرية على هياكلها وتركيبتها بهدف تحقيق المطالب التي تتوقعها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من السلطة، أي حماية تنفيذ الاتفاقيات وتحديدا الأمنية منها.

التغيير: لماذا؟

وهنا يكمن الفرق الأساسي مع التغييرات التي يتطلع اليها ويطالب بها الشعب الفلسطيني على اجهزته الامنية. فأمريكا، حسب التصريحات المعلنة على الأقل، تريد أجهزة موحدة في أداء وظيفة محددة مرتبطة بالاتفاقيات، اي منع عمليات المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل. أما الشعب الفلسطيني، الذي يضغط بدوره على قيادته لإجراء تغييرات على الأجهزة الأمنية، فهو يريد أجهزة اكثر التزاما بامنه ونظامه الداخلي المنتهك بفعل غياب احترام القوانين وضعف الجهاز القضائي وتقاعس الأمن عن فرض النظام والقانون، وكذلك ضمان الامن الخارجي الفلسطيني الذي تنتهكه قوات الاحتلال الإسرائيلية.

وبالتالي، فان المشكلة لا تتعلق بما يطغى على السطح من مظاهر نقاش وخلاف مثل توحيد أو عدم توحيد الأجهزة الامنية، أو أن يكون لها قائد واحد أو قادة عديدون. كل هذه النقاط لا تتعلق لا بجوهر المطالب والضغوطات الخارجية، أمريكية كانت أم إسرائيلية، ولا الداخلية. بل ان الصراع يكمن في الوظيفة السياسية لهذه الأجهزة الامنية ومضمون صلاحياتها. فهل يجب أن تتغير لتصبح أجهزة تخدم مصلحة الأمن الفلسطيني، الداخلي والخارجي، بمعزل عن الحاجات الأمنية الإسرائيلية؟ أم أن أولويتها يجب ان تكون الالتزام بتطبيق الاتفاقات بما فيها المصلحة الأمنية أو السياسية أو الوطنية الفلسطينية؟

لعل الجواب على ذلك يكمن في امرين. أولا ما إذا كانت التغيرات أو “الإصلاحات” سوف تشمل أو ترفق بوضع وترسيخ قوانين وأنظمة متفق عليها ومعززة بجهاز قضائي قوي ومستقل عن السلطة السياسية ليضمن توظيف الجهد الأمني على أسس وطنية وسياسية واضحة. وثانيا، ما إذا ستجرى انتخابات ديمقراطية حرة تعطي قوة حقيقية وشرعية لسلطة فلسطينية منتخبة تخدم مصالح الشعب الفلسطيني الذي انتخبها وتحرس بقوتها المستمدة من الشعب الوظيفة الوطنية للأجهزة الامنية.

ان الحالة الوطنية والكفاحية المتقدمة التي خلقها وصقلها الصراع مع الاحتلال في سياق الانتفاضة، وكذلك وزن التضحيات الكبيرة التي قدمها الفلسطينيون، تضمن حماية السلطة والوضع الأمني من المخاطر الداخلية والخارجية التي تسعى لتبديل وظيفتها التي أغضبت إسرائيل والولايات المتحدة.

لذلك، وانطلاقا من الجدل والمواجهات الجارية حاليا في اوساط السلطة الوطنية والاجهزة الامنية، فان الاحتمالات تتراوح بين تعديلات شكلية على تلك الاجهزة وبقاء الوضع على ما هو عليه. وان كان هذا لا يلبي الطموحات الشعبية بشان الإصلاح، إلا انه أيضا لن يمكن إسرائيل من فرض التعديلات والتغييرات التي تسعى اليها والرامية الى اعادة هيكلة القيادة السياسية الفلسطينية بعد ان فشلت تل ابيب في تغيير مواقفها وسياساتها.

غسان الخطيب – رام الله

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية