مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 ارييل شارون: من مدريد 1 الى “مدريد 2”!

الى اين ستؤدي سياسة ارييل شارون في الشرق الاوسط وهل سينجح في فرض تصوراته ومعتقداته؟ Keystone

قبل حوالي احد عشر عاما، انعقد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الاوسط على انقاض حرب تحرير الكويت، وتفكك الاتحاد السوفيتي وهيمنة الولايات المتحدة على العالم، بما في ذلك على منابع النفط والنظام الاقليمي في الشرق الاوسط.

وقد قام وزير الخارجية الامريكي السابق جيمس بيكر، بعد نهاية حرب الخليج، بين شهري فبراير واكتوبر 1991 بثمان جولات في منطقة الشرق الاوسط للترتيب لهذا المؤتمر الدولي، الذي لم يسبق له مثيل.

جاء في الرسالة التي وجهها الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الاب ورئيس الاتحاد السوفيتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف الى قادة دول المنطقة والاطراف المعنية بالنزاع، ان راعيي المؤتمر، أي الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، يدعوان الى هذا المؤتمر لانه يمثل فرصة لانهاء مواجهات ونزاعات تواصلت عشرات السنين للتوصل الى سلام دائم.

وتعرب الدعوة الى مؤتمر مدريد عن الامل في ان المفاوضات التي ستجرى بين اطراف النزاع ستساهم في احلال التفاهم وازالة عدم الثقة، بهدف تسوية الخلافات العالقة، سواء من خلال المفاوضات الثنائية او الجماعية او من خلال المفاوضات متعددة الاطراف.

وافتتح مؤتمر مدريد يوم الثلاثين من اكتوبر، وكان بمثابة المهرجان الخطابي، القيت خلاله على مدى ثلاثة ايام خطب جياشة ومؤثرة من الرئيسين بوش وغورباتشوف والوفود العربية، حيث كان رئيس الوفد الفلسطيني آنذاك الدكتور حيدر عبد الشافي.

وكان لقاء تاريخيا، اذ جمع لاول مرة في العلن وفودا عربية رفيعة المستوى مع وفد اسرائيلي يقوده رئيس الوزراء اسحاق شامير، الذي لم يتردد وزير الخارجية السوري فاروق الشرع في كشف بطاقة عضويته في تنظيم شتيرن اليهودي المتطرف، والذي كان مسؤولا عن عدة عمليات ارهابية ضد سلطات الانتداب البريطاني.

تعاقب الحكومات الى ان تولى شارون السلطة

وتلاحقت بعد مؤتمر مدريد، المؤتمرات الاقليمية والدولية، لعل ابرزها المؤتمرات الاقتصادية العالمية حول ما سمي بالشرق الاوسط وشمال افريقيا. وترسخ دور الفلسطينيين كجزء محوري من معادلة التسوية في المنطقة، لكن منظمة التحرير الفلسطينية استغلت فرصة مدريد منطلقا للدخول في مفاوضات سرية مباشرة مع اسرائيل توّجت عام 1993 بابرام معاهدة اوسلو.

وعاد ياسر عرفات في نفس العام الى غزة لتشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية في صيغة بدأت باسم “غزة واريحااولا”، ثم توسعت لتشمل عددا من المدن في الضفة الغربية. وفيما بعد، ابرم الاردن اتفاقية سلام مع اسرائيل في وادي عربة واقام مع الدولة العبرية علاقات دبلوماسية كاملة.

ومنذ مؤتمر مدريد، تناوب حزب العمل وتحالف الليكود على السلطة في اسرائيل وظلت العلاقة مع الفلسطينيين بين مد وجزر وتصعيد وانفراج. فبعد اسحاق شامير، جاء اسحاق رابين لكنه اغتيل عام ستة وتسعين على يد متطرف يهودي اتهمه بالتفريط في ارض اسرائيل الكبرى. ثم جاء شيمون بيريز وبعده بنيامين نتانياهو، ثم يهود براك الى ان آلت السلطة الى ارييل شارون.

وعلى الرغم من كل ما قيل وكتب عن هذه الشخصية الاسرائيلية المثيرة للجدل والخوف والكره، فان ارييل شارون ظل منذ ان تحول من قائد عسكري ميداني الى مسؤول سياسي ثابتا في مواقفه وراسخا في قناعاته. فهو احد ابرز الرافضين لاتفاقية اوسلو ويعتبر ان قيام دولة فلسطينية مستقلة الى جانب اسرائيل هو خطر قاتل على الدولة العبرية، وان هناك فعلا دولة فلسطينية قائمة على الضفة الشرقية من نهر الاردن. كما انه يؤمن بان السبيل الوحيد للتعامل مع الفلسطينيين والعرب عموما، هو القوة.

فضلا عن هذا، فان شارون، ومنذ توليه السلطة عام 2001 بعد ان اثار بزيارته المسجد الاقصى في سبتمبر عام 2000، الانتفاضة الفلسطينية الثانية، رفض لقاء رئيس السلطة الوطنية او مصافحته او الحديث اليه وظل دائما يعتبر ياسر عرفات زعيم عصابات ارهابية يداه ملطختان بالدماء اليهودية.

ارييل شارون: الرؤيا الواضحة!

وها هو شارون اليوم يدعو، بعد ان قضى على الاخضر واليابس في المناطق الفلسطينية واعاد الى الاذهان في رام الله وجنين ونابلس انجازاته المدمرة في بيروت، الى مؤتمر دولي حدد هو شخصيا الاطراف التي تشارك فيه، واستثنى بطبيعة الحال ياسر عرفات والاتحاد الاوروبي وروسيا، مقتصرا على دعوة الولايات المتحدة والسعودية والمغرب ومصر والاردن ومن يعينهم هو شخصيا من الفلسطينيين لبحث مستقبل السلام. لكن رئيس الحكومة الاسرائيلية لم يحدد أي سلام يتطلع اليه مع هذه الاطراف ورمى بالكرة مباشرة في الملعب الامريكي مستغلا جولة وزير الخارجية كولن باول في المنطقة لاطلاق مبادرته.

ارييل شارون، على عكس العديد من القيادات العربية، يدرك حقيقة السياسة والاستراتيجية الامريكية الجديدة في الشرق الاوسط، والتي افرزتها احداث 11 سبتمبر 2001. كما انه مستوعب تماما للتغييرات التي حدثت في الراي العام الامريكي ونفوذ مجموعات الضغط، لاسيما اليهودية منها، في بلورة السياسة الامريكية الجديدة.

فواشنطن، وشارون مقتنع بذلك، لا تزال، وستظل على المدى الطويل، منهمكة في حربها العالمية ضد الارهاب بكافة اصنافه. وحربها هذه لن تقتصر على افغانستان، مثلما اكد ذلك الرئيس بوش في العديد من مداخلاته. والارهاب، وفق المفاهيم الامريكية الجديدة، لم يعد فقط يتجسد في اعمال العنف التي تستهدف الابرياء، لكنه اصبح يشمل حق مقاومة الاحتلال والعدوان وكذلك من اسماها بوش بالدول المارقة، مثل العراق وايران، وهما دولتان لهما اهمية استراتيجية في التوازن الاقليمي بالشرق الاوسط وفي أي معادلة سلام محتملة.

كما ان شارون يدرك بان الولايات المتحدة، لا يمكن ان تعتبر، في الظروف التي ولدتها احداث 11 سبتمبر، مقاومة الفلسطينيين للاحتلال حقا مشروعا، بقطع النظر عن العمليات الانتحارية التي ينفذها شبان فلسطينيون في اسرائيل، وهي عمليات مثيرة للجدل في الراي العام الغربي.

لكن الرئيس بوش لم يكلف نفسه عناء طرح ولو سؤال واحد عمّا يدعو شابا او شابة في مقتبل العمر لتفجير نفسه وسط ابرياء، مقتصرا القول، ان هؤلاء قتلة وليسو شهداء، وداعيا كل القادة العرب الى تحمل مسؤولياتهم كاملة في مقاومة الارهاب واستيعاب السياسة الامريكية الجديدة، سواء في التصدي الى الارهاب او في العمل على احلال السلام بمنظور وتصورات امريكية.

كما ان ارييل شارون يعلم مدى وطبيعة القيود التي تكبّل الادارة الامريكية الحالية وتمنعها من ترجمة اقوالها الى افعال فيما يتعلق بالضغط على اسرائيل. فالادارة مقبلة هذا العام على انتخابات الكونغرس وبعد اقل من عامين على انتخابات رئاسية. ولاشك ان الرئيس جورج بوش الابن يتذكر الخطأ القاتل الذي ارتكبه والده عام واحد وتسعين، عندما رفض منح اسرائيل قروضا بعشرة مليارات دولار لتوطين يهود الاتحاد السوفيتي في اسرائيل، وكلفه ذلك منصبه بعد ان كان، حتى شهر مايو من عام 1991، (الانتخابات جرت في نوفمبر وفاز فيها بيل كلنتن) يحظى بشعبية لم يفقه فيها الا الرئيس روزفليت بعد الحرب العالمية الثانية.

كل هذه المعطيات يعرفها شارون ويعمل على ترجمتها على خارطة الشرق الاوسط المائعة لفرض امر واقع جديد يعيد الاعتبار الى التفوق الاستراتيجي والعسكري الاسرائيلي المطلق في المنطقة، لتمكين الدولة العبرية من فرض منطق المنتصر والمهزوم، وهو المنطق الاساسي في التاريخ وفي العلاقات الدولية. وكل معطيات الواقع العربي تشير الى انه قد ينجح في ذلك.

محمود بوناب

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية