مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الجلاء” العسكري الامريكي عن السعودية على “صفيح ساخن”

قال مسؤول سعودي طلب عدم الكشف عن هويته في تصريح لصحيفة الواشنطن بوست ان فترة الضيافة قد انتهت في حديثه عن التواجد العسكري الامريكي في الاراضي السعودية Keystone

ليست المرة الأولى التي يتم فيها هذه الأيام تناول ملف التواجد العسكري الأمريكي في الخليج - وفي المملكة العربية السعودية تحديدا - بنوع من التبرم..لكنها ربما كانت المرة الأكثر جدية وحساسية في ظل تدحرج سريع للعلاقات بين الطرفين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر – أيلول الماضي.

وإذا كانت معلومات صحيفة الواشنطن بوست الصادرة يوم الجمعة بخصوص نية الرياض الطلب من واشنطن بالرحيل العسكري، قد أدهشت الرئيس الأمريكي –حسب المتحدث باسم البيت الأبيض- فإنها معلومات لا تدهش المراقبين هنا، خصوصا مع تنامي العداء الشعبي للإدارة الأمريكية بفعل تقادم العهد بذكريات حرب الخليج، و تبلور صورة القوة الأمريكية المفرطة عبر عدة واجهات سلبية، ليس اقلها الانحياز ناحية إسرائيل ضد الفلسطينيين، والإحساس المتزايد بان النفط وحده يهم الأمريكان هنا!

غير أن هذا الملف ظل يراوح في مكانه تحت الأرض منتظرا أحداث الحادي عشر من سبتمبر لكي يصبح محل اخذ و رد رسمي بين المسؤولين من الطرفين، إلى حد اضطرار مسؤول سعودي إلى الإعلان أول أمس (الخميس) أن رحيل القوات الأميركية المتمركزة في بلاده لم يطرح أبدا «رسميا» من كلا الطرفين، مضيفا أن «الأميركيين أحرار في الذهاب إذا أرادوا ذلك».

وقد رفض هذا المسؤول، الذي لم يشأ الإعلان عن هويته، التعليق مباشرة على المعلومات التي نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» يوم الجمعة، ومفادها أن الرياض تنوي المطالبة برحيل القوات الأميركية المتمركزة في المملكة العربية السعودية.

وكانت الصحيفة قد نقلت عن مسؤولين سعوديين قولهم إن حكام البلاد باتوا يضيقون ذرعا بوجود القوات الأميركية على أراضيهم وينوون طلب رحيلها. مما دعا البيت الأبيض إلى الدخول على الخط، ومن ذلك اضطرار الرئيس بوش إلى توضيح الأمر معربا عن دهشته و مقللا من أهمية التقارير التي تحدثت عن الرغبة السعودية في رحيل القوات الأمريكية ثم مستطردا بان العلاقات مع السعودية لا تزال قوية كما كانت دائما وأن الترتيبات الحالية مع الرياض تسير بشكل جيد حسب تعبيره.

وفي خط مواز للرئيس كان وزير الخارجية كولن باول في نفس درجة المباشرة وهو يعلن انه تحادث مع كبار المسؤولين السعوديين ، ولم يتم التطرق أبداً إلى هذا الموضوع، معتبرا أن «لاشيء في هذه القضية يستحق اهتمامي أو اهتمام رامسفيلد في الوقت الراهن».

أمريكا لا تنوي المغادرة

وإذا كان لابد من استخلاص شيء من هذه التجاذبات الصحفية فهو أن العلاقات الأمريكية السعودية على الصعيد العسكري لا تمضي كما يريد الطرفان. فالرياض تعلم جيدا مدى الضيق الذي يسببه لها التواجد العسكري الأمريكي على أراضيها، وقد كانت سعت في أوقات سابقة إلى تخفيف هذا التواجد بما يصطلح على تسميته بـ “إعادة الانتشار” خصوصا بعد انفجار الخبر المدوي الذي راح ضحيته سبعة عشر أمريكيا من رجال المارينز، والذي أشعل الضوء الأحمر أمام الطرفين.

لكن “إعادة الانتشار” لم تثبت أنها الحل المرجو خصوصا مع تزايد التذمر الشعبي ومع تقاطع سياسة الإدارة الأمريكية الخليجية مع سياستها في عملية سلام الشرق الأوسط..ثم ازداد الطين بلة بالحملة العسكرية الأخيرة على أفغانستان وما أورثته من ضيق متزايد بالسياسات الأمريكية عامة تجاه قضايا المسلمين، فضلا عن خص المملكة العربية السعودية باتهامات لها علاقة بإنتاج الإرهاب، رغم أن الرسميين الأمريكيين لم يتورطوا في إطلاق هذه الاتهامات التي ظلت محصورة في أوساط أعضاء من الكونغرس و وسائل الإعلام.

وفي المقابل فان الولايات المتحدة الأمريكية لا تبدو متحمسة لجلاء عسكري من منطقة الخليج ومن المملكة العربية السعودية تحديدا وذلك رغم ما بدر من أعضاء في الكونغرس طالبوا برفع ما يعتبرونه “حماية عسكرية” عن الرياض، لما زعموا انه تلكؤ سعودي في التعاون مع واشنطن مؤخرا، وذلك وسط تأكيد بعض الأوساط على أن واشنطن قد استخدمت بالفعل في حربها في أفغانستان قاعدة الأمير سلطان التي دار حولها جدل في الأيام الأولى للحملة العسكرية ضد طالبان.

وفي المحصلة، فان كلا الطرفين يبدوان وكأنهما يتعاطيان مع شر لابد منه. فمنطقة الخليج الحيوية بالنسبة للعالم الغربي مازالت منطقة خطرة بسبب النزاعات الإقليمية التي لم تهدا بعد، و لعل إيران والعراق يجدان نفسيهما في قلب حسابات واشنطن وهي تطلق التصريحات المهددة حينا و المطمئنة حينا آخر.

لكن الثابت أن مرحلة جديدة في العلاقات الأمريكية السعودية تدق الأبواب بقوة مند عدة شهور سابقة لأحداث 11 سبتمبر، بل إن الأمر قد يعود إلى الوقت الذي قررت فيه الرياض الاستقلال بقرار سياستها تجاه إيران، وما تلا ذلك من شد وجذب خلال التحقيقات حول انفجار الخبر.

ذات الانفجار الذي كان سببه التواجد العسكري الأمريكي في السعودية.. وذات التواجد الذي تنظر إليه إيران على انه السبب الرئيسي لكل مشاكل المنطقة.. وعلى ضوء ذلك كله فان الملف مرشح لتفاعلات أخرى قد تظهر للعلن في شكل تفاهمات جديدة قد تتجاوز صيغة “إعادة الانتشار” هذه المرة.. كما لا يستبعد المراقبون حدوث مناورة أمريكية جديدة تجاه العراق تؤجل فكرة “ثقل الضيافة العسكرية” إلى أجل غير مسمى.

فيصل البعطوط – الدوحة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية