مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الحرب لم تنته بعدُ في العراق!”

جزء كبير من الدعم السويسري المقدم للعراق يذهب مباشرة إلى برامج الصليب الأحمر فيه Keystone

بعد إغلاق العديد من الدول لسفاراتها وإقفال الأمم المتحدة لمكاتبها وانسحاب الصليب الأحمر الجزئي من العراق، يظل مكتب وكالة التنمية السويسرية في بغداد "استثناء".

مدير المكتب دانييل باييلر جاء في زيارة خاطفة إلى سويسرا، وتحدث في مسقط رأسه عن أوضاع ما بعد الحرب في العراق، وقدم صورة قاتمة للوضع.

كيف يستطيع السيد باييلر التخطيط لعمله في ظل الأوضاع الأمنية الحالية في العراق، لاسيما مع الاستهداف المتزايد للأجانب فيها؟

لا يبدو التوتر على مدير مكتب وكالة التنمية السويسرية في بغداد وهو يجيب على السؤال. فالشيء المؤكد كما يقول أنه وزملاؤه العراقيين العاملين في المكتب “يتوخون الحذر ويخططون لبرنامج كل يوم حسبما تفرضه الأحوال”.

ويقول: “نُقـيّـم الوضع الأمني يومياً، ونحدد أين سنتحرك، ونحاول أن نعمل بصورة عادية، لكن أحداً لم يهددنا أبداً”.

هذه الكلمات الهادئة تصدر عن الرجل الذي لم يتوان عن تهريب الأدوية من الأردن ونقلها بنفسه كي يقدمها إلى مستشفيات العراق خلال فترة حرب الخليج الثالثة. لكن يبدو أن له باعا في العمل تحت مثل هذه الظروف. فقد كان ممثلاً للوكالة السويسرية للتنمية في العديد من مناطق الأزمات سابقاًمثل إقايم كوسوفو وجمهورية طاجيكستان على سبيل المثال.

لابد من البقاء هناك.. والعمل!

يعمل السيد باييلر في بغداد منذ نحو عام، وقد جدد عقده مع الوكالة للسنة المقبلة، وهو يبدو مصمماً على البقاء هناك رغم الأوضاع الأمنية المتردية فيها.

وإذا كان هناك انطباع أساسي يخرج به المستمع للمحاضرة التي ألقاها باييلر يوم 3 ديسمبر الجاري بمدينة جرينشين القريبة من العاصمة الفدرالية برن تحت عنوان “العراق بعد الحرب”، فهو تحمس الرجل للعمل الذي يقوم به، واقتناعه بضرورته خاصة وأن معظم المنظمات الدولية آثرت السلامة وسحبت موظفيها الأجانب من البلاد حتى إشعار لاحق.

“أين العراق اليوم بعد الحرب؟”

يبدو رد السيد باييلر ساخراً إلى حد كبير وهو يقول: “أعتقد أننا لا زلنا نعيش في خضم الحرب”.

الحرب لم تنته، والوضع الذي تعايشه بغداد متدهور، وملامحه يحددها بالقول في حديث مع سويس إنفو:”أصبح الوضع أسوأ بكثير عن ما قبل، خاصة فيما يتعلق بالوضع الأمني، وبالبنى التحتية العامة كشبكة المياه والكهرباء”.

“وهو أمر غير عادي، فقد كان التوقع أن يحدث نوع من التقدم في قطاع الكهرباء على سبيل المثال، لكن هذا لم يحدث حتى اليوم”.

الوضع يفرض زيادة الدعم

لعل ذلك الوضع هو ما دفع بوكالة التنمية السويسرية، التي خططت أساساً لتقديم دعمٍ إلى العراق في العامين 2003 و2004 مقداره 4.5 مليون فرنك سويسري، إلى رفع المبلغ ليصل اليوم إلى 20 مليون فرنك.

أوجه ذلك الدعم تنقسم على برامج عون في تصنيفات ثلاث. الأول يتصل بتمويل مشاريع ترعاها منظمات دولية كاللجنة الدولية للصليب الأحمر أو منظمة الصحة العالمية.

والثاني يتجه إلى تقديم الدعم في إطار ثنائي لمنظمات غير حكومية كمنظمة “الرعاية الدولية” Care International ومنظمة “العمل لمكافحة الجوع” Action Against Hunger.

أما الثالث فيتعلق بمنح العون ضمن نشاطات مباشرة كتقديم مختبرات أو أدوات طبية للمستشفيات”.

المستقبل في رحم المجهول!

ومع أن كل تلك النشاطات تنصب في إطار جهود إعمار عراق ما بعد الحرب، إلا أنها لم تُجد نفعا في تغيير رؤية السيد باييلر للمستقبل في العراق، التي تأتي متشائمة إلى حد بعيد.

وهو لا يبدى ذلك التشاؤم حباً فيه، بل يؤسسه على معطيات الحاضر. إذ يقول في حديث مع سويس إنفو إنه يعتقد بوجود سيناريوهين للمستقبل في العراق.

الأول، وهو افضل السيناريوهات المطروحة، يدفع باستقرار الأوضاع واستتاب الأمن، وعودة الحياة طبيعية من جديد، وانتعاش الاقتصاد وانخفاض نسبة البطالة. لكن، يكمل السيد باييلر:”كي يتحقق كل ذلك لابد من وجود الأمن وحكومة جديدة، وبالتحديد حكومة عراقية جديدة منتخبة من قِبل العراقيين”.

أما الثاني، وهو السيناريو الذي نعايشه في اللحظة الراهنة، كما يقول، فتتصاعد فيه دائرة العنف ولا تتوقف، وتستمر البطالة على مستوياتها الحالية، ويبقى الأمن غائباً.

لا يرى السيد باييلر اليوم بادرة أمل تشير إلى إمكانية تحقق السيناريو الأول، لكنه رغم ذلك بدا واثقاً من أن الأمور ستبدأ في العودة إلى مسارها الطبيعي بعد “ثلاث سنوات أو خمس” مثلما جاء في رده على سؤال طرحه أحد الحاضرين.

إلهام مانع – بلدة جرينشين – سويس إنفو

تتواجد الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية في العراق منذ عام 1993.
ساهمت الوكالة مساهمة فعالة في تطبيق البرنامج الأممي النفط مقابل الغذاء.
خصصت الوكالة عام 2003 مبلغ 4.5 مليون لبرامجها في العراق، لكن التطورات الأخيرة دفعتها إلى رفعه إلى 20 مليون فرنك سويسري.

ألقى مدير مكتب وكالة التنمية السويسرية في بغداد محاضرة بعنوان “العراق بعد الحرب”.
عقدت المحاضرة في مدينة جرينشين السويسرية.
نظم للمحاضرة جمعية ميلانجيز الناشطة في قضايا الإدماج والغربة، والتي مقرها مدينة جرينشين.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية