مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“العامل الرسمي” في المسألة الإرهابية بين الحقيقة والخيال

تتسم الظاهرة الإرهابية في العالم العربي بالكثير من التعقيد والتداخل بين عوامل إجرامية وأخرى "رسمية" AFP

كان الجميع - من مراقبين ومحللين ومتابعين - يدرك دائما أن هذا العامل "الرسمي" يتفاعل في مساحة ما في خلفية الأحداث، مع عدم وجود فكرة محدّدة حول حجمه وتأثيره.

كما أنه من المعلوم أن العالم السري للإرهاب، شهد دعم نُـظم سياسية لتنظيمات إرهابية دولية مصنفة أو التفاهم معها على تقديم خدمات خاصة أحيانا..

على الرغم من أنه يُـمكن ببساطة رصد “ستة أسباب” موضوعية لظهور وتفاقم مشكلة الإرهاب في المنطقة العربية، يكفي كل منها بمفرده لإفراز ظاهرة، لم يكن أحد يتصور أن المسألة يُـمكن أن تصل إلى ما هي عليه، دون وجود عامل رسمي من نوع ما، يرتبط بإستراتيجيات اللعب مع المتطرفين أو “النوم مع العدو”، قبل أن تتحول العلاقة الرمادية إلى مواجهة مكشوفة.

إن قصة الأنظمة السياسية وجماعات الإرهاب، تتضمّـن جوانب أعقد بكثير من لُـعبة الأطفال الشهيرة باسم “عسكر وحرامي”، التي ترتبط بوجود طرفين مختلفين ومتباعدين، ولكل منهما مهمة محددة تتصل باعتقال أو إيذاء أو تفادى الآخر.

ففي العالم السري للإرهاب، كانت هناك نُـظم سياسية تدعم تنظيمات إرهابية دولية مصنفة أو تتفاهم معها على تقديم خدمات خاصة أحيانا، وسير شخصيات أسطورية مثل “كارلوس” أو “أبو نضال”، تكشف عن حقائق مفزِعة لعصر مضى إلى حد ما، برأي البعض.

العلاقة الخارجية

لكن ما لم يمض حتى وقت قريب، هو أن نُـظما سياسية قد استخدمت “عناصر عنيفة” تصنِّـفها دول أخرى على أنها إرهابية، كأداة معتادة في إدارة العلاقات السياسية الدولية، لإيذاء دول أخرى أو إرهاقها عسكريا أو مساومتها سياسيا أو التأثير عموما على مجمل أوضاعها، في إطار الصراعات السياسية أو التدخلات الخارجية أو التنافس الإقليمي، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى مستويات غير مفهومة تتطلّـب حل “لوغاريتمات” الجوار، كما كان يحدث في شمال إفريقيا والجزيرة العربية وبلاد الشام ووادي النيل.

إن ما سمي من جانب كل دولة “البعد الخارجي” لأعمال الإرهاب، كان يتضمّـن دائما الكثير من الحقائق، التي يمكن إثباتها أو التي لا يمكن إثباتها، ومن الصحيح أن كثيرا من الدول قد ضخّـمت هذا البُـعد لتبدو وكأنها مستهدفة خارجيا، وأن ما يحدث داخلها لم تسبِّـبه سياساتها، لكن الصحيح أيضا أن هذا البُـعد كان موجودا وأنه كثيرا ما كشف عن أمور هامة تتعلّـق بوجود تشكيلات اجتماعية خارج السيطرة أو “أجهزة خاصة” داخل النظم السياسية أو حتى شخصيات ذات أفكار جامحة، تُـدير العلاقات مع أطراف مجاورة بطريقتها الخاصة.

لقد كانت هناك دائما في صفوف الخبراء والمتابعين أسئلة بدون إجابة محدّدة حول شبكة العلاقات التي أفرزت تنظيم القاعدة، وخلافات بين دول عربية ودول أوروبية حول بعض “اللاجئين السياسيين” وطبيعة القرارات التي اتخذها مسؤولو دول لاستهداف قيادات أو مصالح دول أخرى وأسباب إيواء دول عربية لمطلوبين من جانب دول قريبة، وقلق شديد من هذا الطرف أو ذاك بشأن حركة الأسلحة الصغيرة والأموال والعناصر البشرية المشبوهة عبر الحدود.

نظرية المؤامرة

داخل الحدود ذاتها، كانت بعض الألعاب تجرى أيضا، وقد أدّت أحيانا إلى نتائج خطرة، لكن المشكلة هنا أن نظرية المؤامرة قد عملت في ذلك الميدان بلا حدود، لدرجة أصبح من الصّـعب معها تمييز الحقائق عن الأساطير، بالنسبة لوقائع يوجد أحيانا أساس لها ولا توجد أية مصداقية لها في حالات أخرى، والأعقد من ذلك، هو التحليلات الناقصة، فالعلاقات قد تتحوّل بشدّة من اتجاه لآخر في مجال لا يلتزم فيه أي طرف بأي شيء.

“روايات الجيب” في المنطقة العربية كثيرة، فهناك دول قد أنشأت تنظيمات إرهابية، ودول تحالفت مع جماعات إرهابية، وأجهزة قامت بأعمال إرهابية ضد نفسها، لتبرير اتِّـخاذ إجراءات ما أو لتشوِّه سُـمعة جماعات الإرهاب داخليا، ودول سمحت بوقوع أعمال إرهابية داخل أراضيها على غرار رواية 11 سبتمبر 2001.

المثير في الأمر، أن هناك أسُـسا لبعض تلك الروايات ووقائع مثبّـتة بشأن بعضها، لكن معظمها ينطلق إلى عالم افتراضي. فمشكلة الإرهاب في المنطقة أعقد بكثير من أن تكون “رسمية”، والدول في النهاية قد تُـمارس بعض الأعمال التكتيكية، لكنها لن تطلق ماردا لا يمكنها السيطرة عليه، ولن تؤذي نفسها، إلا إذا تعلّـق الأمر بسوء تقدير فادح.

إن التحليل الأكثر واقعية، هو أن كل الأطراف في المنطقة تقريبا، قد استخدمت “العامل الديني” في إدارتها للُّـعبة السياسية في الداخل، سواء ضد أطراف مناوئة في المعارضة أو في السلطة ذاتها، كما أن مُـعظم الدول قد استخدمت العامل الديني في إدارتها لعلاقاتها الدولية مع الخارج في بعض الفترات أيضا، وكان معظمها على ثقة من أنه يمثل اليد العليا وأنه قادر على السيطرة وأن المسألة تتعلّـق بتحالفات مؤقتة أو مناورات سياسية، لكن السِّـحر انقلب على السَّـاحر، وبدأت المواجهة في حالات شهيرة في المنطقة العربية.

العلاقة الداخلية

التمييزات بهذا الشأن، يجب أن تكون شديدة التحديد، فالدول – خارج الحدود التي تمت الإشارة إليها في البداية – لا تتعامل مع إرهابيين، عندما يتعلّـق الأمر بسياساتها الداخلية أو استقرارها الأمني، لكن ما يحدث، هو غالبا ما يلي:

1 – أن معظم الدول لم تتمكن أبدا من مقاومة استخدام الدين في السياسة في أي مرحلة، فالدِّين حافز جبّـار تصعُـب مقاومة استخدامه في إدارة المشكلات السياسية، كما أن تأثيراته مضمونة لدرجة لا يمكن مقارنتها بأية دوافع أخرى، بما فيها “الدوافع الوطنية” أو القومية، التي تُـوجد شروط معقّـدة لتأثيرها، فالألقاب الدِّينية والأعلام الدِّينية والشعارات الدِّينية والفتاوى الدِّينية والمزايدات الدِّينية، تنتشر على نطاق واسع في المنطقة.

يؤدّي ذلك في معظم الأحوال، إلى سيطرة مرجعية دِينية على السياسة العامة، يمكن من خلالها أن تتحوّل المحافِـظة إلى تطرّف والتطرّف إلى عُـنف، دون أن تُـدرك الدولة – باستثناء حالة كتركيا – مفارق الطرق بالضبط.

2 – أن نُـظما سياسية قد سارت في اتجاهات خطرة في بعض المراحل عبر تحالفات، بدت إستراتيجية أحيانا، مع بعض الجماعات الدينية أو تيارات الإسلام السياسي، وهي قصة تكرّرت في كل مكان. فقد تحالفت نِـصف النُّـظم السياسية العربية مع التيارات الدينية والسلفية، أو هادنتها، لتجنّـب المشاكل أو لتثبيت الأنظمة، وجرى ذلك وِفق معادلات تاريخية أو اتفاقات مرحلية أو صفقات سياسية، لدرجة أن أحد رجال الأمن قال ذات مرة، إنه لا يُـوجد غالبا تيار دِيني صعَـد بقوة في الدول العربية، دون أن يكون لذلك علاقة ما بتيارات الحكم فيها، وانقلبت التحالفات إلى أعمال عنيفة بعد ذلك.

3 – أن عملية تطبيق السياسة الأمنية، أو بعض التقاليد الراسخة داخل مؤسسات الأمن، قد أدّت إلى تفاقم مشكلة الإرهاب في كثير من الحالات. فأحيانا ما لا تتم ملاحظة المشكلة في وقت مناسب، وأحيانا تسود “عقلية النفي” أو غضّ النظر “لكي تسير الأمور” دون مشاكل، مما يقدِّم إشارة خطأ لجماعات العنف.

وعندما تبدأ المواجهة، تبدأ التجاوزات التي تؤدي أحيانا إلى دفع عناصر أخرى إلى الوعاء التجنيدي للإرهابيين أو تقطع أمامهم سُـبل العودة إلى المجتمع أو تسبِّـب لبعضهم عاهات عقلية مستديمة في السجون، وهي مقولات أصبحت شائعة في المنطقة، وتحاول الدول التعامل معها بصورة تلاقي نجاحا أو فشلا، حسب ظروف كل حالة.

وتظل هناك حالات صارخة محدودة، قامت فيها شخصيات قيادية في أجهزة الأمن أو الاستخبارات بأعمال عنيفة داخل الدولة ذاتها ضد شخصيات أو مرافق، كما حدث في لبنان، كما كان ثمّـة اشتباه بوجود علاقات بين دوائر رسمية يمنية مع بعض الجماعات المتطرفة داخل الدولة، لكن أدّت مثل تلك التوجهات إلى تعرض الدولتين – مع الفارق بينهما – لمشكلات داخلية وضغوط خارجية عنيفة، لا تزال قائمة.

إعادة تقييم رسمية

إن الجديد في الفترة الأخيرة، هو أن مؤسسات الدول قد بدأت تُـدرك بشكل عملي أن تلك الظاهرة تتّـسم بتعقيدات أوسع مما كان متخيّـلا، فقد اختلطت عمليات الإرهاب العابِـرة للحدود بأعمال الإرهاب الداخلية، حيث أصبحت عناصر داخلية تتبنّـى “حالة القاعدة”، واتّـخذت مشكلة الإرهاب في بعض الحالات أبعادا هيكلية، واتضح أن من الصعب التعامل معها ببساطة، لدرجة أن التعايش مع مستوى من الإرهاب أصبح فكرة غير مزعجة، وظهرت نوعية مثيرة من الإرهاب العشوائي الذي يتفجّـر في أي وقت وفي أي مكان، ومن جانب أية فئة دون مقدمات.

الأهم، أن مصطلح ” ظاهرة” أصبح مرئِـيا بالعين المجرّدة، وفي مواجهته، ظهرت مُـعضلة أن الأمن في النهاية، يتعامل مع مظاهر وليس ظواهِـر، وأن التعامل مع الظاهرة يتطلّـب موارد غير محدودة وغير موجودة، لذا، بدأت بعض الإستراتيجيات في الظهور، فهناك من يُـعلن العفو العام بصورة يُـحاول معها أن تبدو وكأنها مشروطة، وهناك من يُـعلن أطُـرا للوفاق تسع التعامل مع كل شيء، وهناك من يقوم بالتضييق على التوجّـهات الدينية أو المرجعيات الدينية، التي قد تنقلب إلى شيء آخر.

أكثر من ذلك، ثمة أطراف تقوم بإعادة النظر في معادلات تاريخية حكَـمت مسيرة الحُـكم عبر عقود طويلة، كما توجـد نُـظم تقوم بفكِّ الارتباط مع جماعات متطرِّفة، طالما تبنّـتها طويلا، بل وتبدأ في مواجهتها، كما يُـوجد انتباه غير مُـعتاد إزاء الأفكار السلفية، التي ثبت أنها تتحوّل ببساطة إلى عنف وعمليات مكثفة لطرح مبادرات خاصة بالاستتابة أو المراجعات، بل أنه أحيانا تبدو بعض الحكومات على استعداد للحوار – بصورة ما – مع جماعات تُـمارس القتل.

يمكن القول اليوم إن معظم النُّـظم السياسية أصبحت أكثر واقعية ومجازفة أكثر من ذي قبل في التعامل مع “حصَّـتها” من العوامل، التي أدّت إلى تفاقم الإرهاب، وقد تعلّـمت أن إستراتيجيات “النوم مع العدو” قد تؤدي إلى تداعيات قاتلة، لكن المشكلة أن بعضها لا يزال يفعل ذلك أو غيرُ قادر على التخلُّـص من تلك العادات السياسية بسهولة.

د. محمد عبد السلام – القاهرة

دبي (رويترز) – في ما يلي تسلسل زمني للبيانات المهمة المنسوبة إلى أسامة بن لادن أو الظواهري أو أي من حلفائهما على مدى الشهور الستة الماضية، أذيع ما لا يقل عن 38 رسالة منذ أن أذاع تنظيم القاعدة بزعامة بن لادن أول بيان له في أعقاب هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001:

أول يونيو:

زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي يدعو السنة إلى رفض أي مصالحة مع الشيعة “الكفرة” على حد زعمه في شريط صوتي مسجل.

9 يونيو:

الظواهري يدعو الفلسطينيين في شريط فيديو إلى رفض استفتاء على إقامة دولة فلسطينية مقترحة تعترف بإسرائيل.

22 يونيو:

الظواهري يتوعد بالانتقام من الولايات المتحدة لمقتل الزرقاوي في غارة جوية أمريكية.

30 يونيو:

بن لادن يشيد بالزرقاوي في شريط صوتي مسجل ويصفه بأنه “أسد الجهاد” ويتعهد باستمرار تنظيم القاعدة في قتال القوات الأمريكية وحلفائها “أينما كانوا”.

أول يوليو:

بن لادن يتوعّـد الأغلبية الشيعية في العراق بهجمات انتقامية عليهم ردّا على هجماتهم على العرب السُـنة ويقول، إن جماعته ستستمر في قتال الولايات المتحدة في أي مكان في العالم.

7 يوليو:

بعد مرور عام على تفجيرات القنابل في لندن، تنظيم القاعدة يصدر شريط فيديو عليه تعليقات من الظواهري وبن لادن وأحد منفذي التفجيرات. ويقول الظواهري، إن منفذي التفجيرات الإثنين شاه زاد تنوير ومحمد صديق خان جرى تدريبهما في معسكرات تابعة لتنظيم القاعدة.

27 يوليو:

الظواهري في شريط فيديو بعنوان “الحرب الصهيونية الصليبية على لبنان والفلسطينيين”، يدعو المسلمين إلى صد الهجمات على بلادهم.

29 سبتمبر:

الظواهري يصف الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن باللجوء “إلى الكذب لمداراة فشله”، عندما قال إن تقدما جرى إحرازه في الحرب على الإرهاب، كما يصف البابا بأنه دجّـال بسبب تصريحاته بشأن الإسلام.

20 ديسمبر:

الظواهري يقول إن تنظيم القاعدة ماضٍ في استهدافه الدول الغربية، ما دام المسلمون عُـرضة للهجمات، ويضيف أن واشنطن تسعى جاهدة لإيجاد مخرج لها من كل من العراق وأفغانستان، لكنها تطلب مساعدة الأطراف الخطأ.

كما يقول الظواهري، إن الانتخابات لن تحرِّر الأراضي الفلسطينية من الاحتلال وإن أي سبيل آخر سوى الجهاد لن يؤدي إلا إلى الخسارة والهزيمة.

31 ديسمبر:

الظواهري يدعو المسلحين في العراق إلى توحيد صفوفهم ويحث الإسلاميين الفلسطينيين على عدم التعاون مع السلطة الوطنية الفلسطينية، كما يشيد بالمرأة المسلمة، التي تتمسك بالحجاب الإسلامي، على الرغم من الضغوط التي تمارسها بعض الدول الغربية ويصفها بأنها “جندي في معركة الإسلام ضد الهجمة الصهيونية الصليبية”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 31 ديسمبر 2006)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية