مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لا تجديد للقومية العربية بدون ديمقراطية”

المحامي المغربي خالد السفياني أثناء انعقاد فعاليات المؤتمر القومي العربي السابع عشر الذي احتضنته العاصمة الاقتصادية المغربية الدار البيضاء من 5 إلى 8 مايو 2006 swissinfo.ch

اجتمعت أكثر من 300 شخصية عربية تقول إنها تنتمي للتيار القومي في الدار البيضاء ما بين 5 و8 مايو الجاري في إطار الدورة 17 للمؤتمر القومي العربي.

وناقش المؤتمر تقرير حال الأمة الذي عكس تطورات الوضع العربي على مدى العام الماضي. سويس انفو التقت بالمحامي المغربي خالد السفياني الذي انتُخب أمينا عاما للمؤتمر.

جدول أعمال الدورة كان حافلا وافتتحت بكلمات للدكتور سليم الحص، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، والشيخ حارث الضاري، رئيس هيئة علماء المسلمين بالعراق، وآية الله احمد الحسني البغدادي، أبرز علماء الطائفة الشيعية بالعراق المناهضين للاحتلال الأمريكي، بالإضافة إلى الدكتور خير الدين حسيب، رئيس مؤسسة دراسات الوحدة العربية، ومعن بشور، الأمين العام للمؤتمر.

وتضمن جدول الأعمال قراءة ومناقشة تقرير “حال الأمة” الذي عكس تطورات الوضع العربي على مدى العام الماضي. وتوزع أعضاء المؤتمر إلى لجان تعد تقارير حول الوضع الفلسطيني والوضع العراقي وأزمة دارفور بالسودان والتنمية والديمقراطية.

وصدر عن المؤتمر بيان ختامي أكد فيه دعمه للشعب الفلسطيني ونضاله من اجل حقوقه المشروعة، ودعا إلى فك الحصار المالي الممارس منذ تشكيل حركة حماس للحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنية، وإلى إجراء حوار وطني فلسطيني يتناول المسائل الخلافية ويتمسك بالثوابت الوطنية.

كما أكد المؤتمر دعمه للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، واعتبرها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي محذرا مما وصفه بـ “الدور التخريبي الإيراني في العراق”، ومؤيدا في الوقت نفسه حق إيران في برنامج نووي سلمي.

وأعلن المؤتمر القومي العربي تأييده للمفاوضات الجارية حاليا حول أزمة إقليم دارفور بالسودان معتبرا حمايته “مسؤولية عربية مشتركة”. كما دعا إلى قيام سوق عربية مشتركة، وتعزيز التوجهات القومية للتنمية، وإيلاء أهمية خاصة للمرأة ومشاركتها في عملية التنمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

سويس انفو التقت المحامي المغربي خالد السفياني، الذي انتخب في لقاء الدار البيضاء في منصب الأمين العام الجديد للمؤتمر القومي العربي خلفا للبناني معن بشور، وكان معه هذا الحوار حول عدد من التساؤلات المطروحة.

سويس انفو: تعقدون مؤتمرا قويا عربيا في وقت تسود القناعة بأنه لم يعد هناك قوميون عرب وان الفكر القومي والحاملين له اثبتوا عجزهم وفشلهم؟

السيد خالد السفياني: إن قراءة بسيطة لأعضاء المؤتمر القومي العربي ولخطابه الحالي يعطي الجواب على هذا السؤال.

فالمؤتمر القومي العربي هو إطار لتجديد الفكر القومي وتجديد الفعل القومي ومنطلقه في ذلك هو مكوناته إن كانت شخصياته التي تحظى باحترام واسع في مختلف الأوساط العربية أو ما تمثله هذه الشخصيات من تجمعات أو أحزاب أو جمعيات أو منابر.

والمؤتمر ليس حزبا ولا يهدف لان يكون حزبا، ومكوناته وإن كانت تنتمي بصفة شخصية، ولكنها تنتمي بحمولاتها الفكرية وهي مكونات تشمل مختلف التوجهات القومية داخل الساحة العربية إذ هناك اليساري الشيوعي الماركسي، والإسلامي الأصولي، وهناك العلماني والوطني. وهذا التواجد ليس مصادفة بل يعكس الرؤية الجديدة لمفهوم القومية العربية ويعكس إرادة لجعل المؤتمر وعاء لكل مكونات القومية العربية.

في البداية، كان هدف المؤتمر أن يكون مرجعية فكرية من خلال الحوار بين مكوناته. ومع تطور الأشياء، أصبح يهدف أيضا، وخاصة من خلال إرادة اغلب الأعضاء، إلى أن يكون كذلك مرجعا للمبادرات العامة التي تطلق على مدى الساحة العربية من اجل قضايا الأمة بصفة عامة.

إذن، نحن نخرج من إطار الفكرة التي ربما أصبحت باهتة نوعا ما، ونخرج أيضا من إطار تجربة الحكم أو الحزب الذي كان يحكم ويهدف إلى أن يكون حزبا للأمة جمعاء إلى إطار للحوار بين مختلف مكونات الأمة باعتبار كل هذه المكونات هي مكونات الفكر القومي الآن، وان فعل هذه المكونات هو الفعل القومي العربي، وباعتبار أن هذه المكونات هي المفهوم الجديد للعروبة، وأن العروبة يجب أن تشمل كل أبناء الأمة بدون تمييز.

واعتقد أن هذا الأمر والمبادئ التي تصاغ في إطار قرارات المؤتمر أو في إطار التحضير للمشروع النهضوي العربي الجديد مبادئ تختلف بشكل كبير عن المبادئ التقليدية للفكر القومي، وهذه نقطة أساسية، ومن المبادئ الأساسية الموضوعة الآن. فإلى جانب دعم المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين، هناك حرص من القوميين على تحقيق الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان.

وعندما نتأمل هذا التطور النوعي، ندرك أننا بصدد محاولة خلق فكر وفعل جامع لمكونات الأمة رغم وجود اختلافات في قضايا متعددة، الاختلافات يحتفظ بها للحوار لكن كل القضايا المشتركة والضرورية لتحرير الأمة ونمائها كرامة أبنائها يمكن أن نصل بشأنها إلى أرضية مشتركة والى مبادرات عربية مشتركة.

سويس انفو: لوحظ حضور مكثف للتيارات الاصولية الاسلامية التي لا تؤمن بالقومية العربية..

السيد خالد السفياني: إن حضور أصوليين إسلاميين في المؤتمر والتزامهم بمبادئ المؤتمر، كما حضور للماركسيين أو العلمانيين، هو حضور لهذا الفكر القومي العربي، لان المهم أن نصل إلى اتفاق بشان القضايا المطروحة بنظرة قومية موحدة متجاوزة المفهوم التقليدي وانخراطهم في أعمال ومناقشات المؤتمر من المؤكد انه انخراط في الفكر والفعل القومي المتجدد.

سويس انفو: لكن هذا الفعل والفكر يقتصر على بيان سياسي مطول يصدر في نهاية المؤتمر

السيد خالد السفياني: للمؤتمر القومي مبادرات أساسية مثل تأسيس المؤتمر القومي الإسلامي من اجل ردم الهوة بين التيار القومي والتيار الأصولي. ونجح هذا المؤتمر إلى حد ما في خلق الحوار بين التيارين، وأيضا خلق “مؤسسة حماية القدس” التي أصبحت مؤسسة عربية دولية والتي عملت على تأسيس الإطار العالمي لحماية القدس بالتعاون مع الكنائس وفاعلين في المجتمعات العالمية.

كما أسس المؤتمر القومي أيضا مؤتمر الأحزاب العربية الذي – وان لم يبلغ المدى الذي أسس من اجله- إلا أنه بفضل همة وجهود الإخوة القائمين عليه سيستطيع توسيع قاعدته وفعله، وتم من كل المؤتمرات الثلاث قيام المؤتمر العربي العام لدعم المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق الذي عقد في مارس الماضي دورته الرابعة.

ولقد ساهم المؤتمر القومي العربي كمؤسسة أو كأعضاء في عدد من المبادرات العربية التي أخذت بعدا دوليا لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته ضد الاحتلال الصهيوني، أو المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، وأسس مخيم الشباب العربي الذي يلتقي فيه شباب من مختلف الأقطار العربية لخلق أطر، ونطمح ليكون هناك مخيمان أو أكثر بدلا من مخيم واحد.

وهناك آليات أخرى يعمل المؤتمر القومي على تأسيسها لتجسيد قرارات المؤتمر على أرض الواقع. ونفكر في المرحلة القادمة في إيجاد آليات لتعميق التواصل مع العرب في المهجر أو الحركات العالمية المناهضة للامبريالية والتوسع الأمريكي خاصة الحركات في أمريكا اللاتينية التي تعرف شعوبها توجها حثيثا نحو انتخاب مؤسسات مناهضة لسياسة الهيمنة للولايات المتحدة. كما نلحظ تحولا أوروبيا بنفس الاتجاه. فبعد اسبانيا لحظنا التحول في ايطاليا وان كنا نلحظ تحولا سلبيا بالموقف الفرنسي.

سويس انفو: هذا التحرك في اتجاه مناهض للتوجه الرسمي العربي أم بموازاته؟

السيد خالد السفياني: في الاتجاه السليم لمواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني في العالم. عندما يتعارض هذا التوجه مع توجهات بعض الحكومات العربية سنكون بالضرورة في حالة تعارض، وعندما يكون هناك انسجام سنكون بموازاتهم.

لسنا عدميين ونحن نصبو وبإلحاح أن ينتبه مسؤولو وقياديو الأمة العربية إلى الضرورة الحتمية للخروج من دائرة الاملاءات الأمريكية الصهيونية لان ما يقع الآن هو جزء من حلقة سوف تطال كل واحد منهم. ونحن نريد من حكامنا أن يتصالحوا مع شعوبهم وقضايا أمتهم. ونضع هذا الأمر ضمن أولويات العمل القومي.

سويس انفو: تاريخيا، اتهم الفكر القومي باللاديمقراطية والفاشية ونظام الحزب القومي كان نظاما لا ديمقراطيا..

السيد خالد السفياني: ولذلك تضمن المشروع النهضوي العربي الجديد الذي يناقشه الآن مئات المفكرين والباحثين، سواء كانوا أعضاء في المؤتمر القومي أو خارجه، محورا أساسيا هو الديمقراطية كفكرة جوهرية تدخل في إطار تجديد الفكر القومي التقليدي.

ونعتبر انه بدون ديمقراطية حقيقية وبدون ترسيخ لحقوق الإنسان في الأقطار العربية، وبدون مصالحة حكومات هذه الأقطار مصالحة حقيقية مع شعوبها، لا يمكن أن نحافظ على الأمن القومي أو ننجز مهام إستراتيجية.

ومثل هذه القضايا تؤكد أن هناك عملا حقيقيا لتجديد الفكر القومي، والديمقراطية مسالة جوهرية في نضال المؤتمر القومي العربي في مختلف الساحات العربية.

أجرى الحديث: محمود معروف – الدار البيضاء

تأسس المؤتمر القومي العربي الذي يوجد مقره في بيروت، في تونس عام 1990.

يُعقد سنويا في دولة عربية بتمويل اعضائه حيث يسدد كل عضو بتكاليف سفره واقامته الا اذا استضافته احدى الدول على غرار الجزائر 2000 و2005 والعراق 2001 والبحرين 2002 واليمن 2003.

يقود المؤتمر امانة عامة ينتخبها المؤتمر لمدة ثلاث سنوات وتتكون من 25 عضوا بالاضافة الى الامناء العاميين السابقين. فيما ينتخب الامين العام من طرف المؤتمر مباشرة.

انتخب مؤتمر الدار البيضاء المحامي المغربي خالد السفياني أمينا عاما خلفا لمعن بشور (لبنان).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية